الأخبار

دراسة تكذب الحكومة: هروب الأموال وراء أزمة الدولار..

“وقع الاقتصاد في أزمة نقص الدولارات بسبب تسرب أموال طائلة إلى خارج البلاد، سواء كان ذلك في شكل تحويل أرباح، أو خروج رؤوس أموال إلى الخارج أو أيضًا تهريب أموال بشكل غير مشروع”.. هكذا تفسر دراسة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أزمة الدولار.
وتحلل المبادرة، في دراسة بعنوان” ثلاث أساطير حكومية عن تعويم الجنيه المصري”، الخطاب الحكومي حول سياسة تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار، وذلك عن طريق تفنيد ثلاث مقولات أساسية ترددت خلال السنوات الخمس الماضية، وحتى اليوم، لكي يتقبل المصريون قرار تعويم الجنيه.
هذه المقولات تدور حول فكرة أن أزمة الدولار سببها نقص المتحصلات الدولارية وأن النقص كان نتيجة للثورة والمقولة الثانية هي أن الأزمة تنتهي فور القيام بالتعويم والمقولة الثالثة هي أنه لا بديل عن تعويم العملة.
وتؤكد الدراسة، أن “غياب أي علاج لأزمة الهروب الكبير لرؤوس الأموال إلى خارج البلاد على مدى السنوات الماضية أدى إلى ضياع عشرات المليارات من الدولارات، والتسبب في أزمة نقص الدولارات، كما أن التعويم لن يؤدي إلى استقرار سوق النقد، والحكومة بدلًا من استخدام الدواء المناسب، فقد أدى التشخيص السيئ للأزمة إلى تبني سياسة التعويم رغم ما لها من آثار سلبية فادحة على البلاد والعباد، تجاهلتها الحكومة حين اتخذت القرار.
أولًا: حقيقة أزمة الدولار
تفند الدراسة “أزمة نقص الدولار” بإلقاء اللوم على ثورة يناير بأنها السبب في تقلص إيرادات السياحة والاستثمار الأجنبي، وهو ما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، بقولها: “هذا خطاب غير دقيق بالمرة”.
وتحلل فترة ما بعد الثورة إلى فترتين بحسب مصادر النقد الأجنبي، وشهدت الفترة الأولى تعويضًا فاق أثر نقص الموارد الدولارية، والفترة الثانية شهدت نقصًا طفيفًا، بما لا يجعل ندرة المتحصلات الدولارية هي السبب في ندرة الدولار:
الفترة 2011-2013:
طرأ نقص طفيف في بعض الموارد المعتادة للنقد الأجنبي، مثل السياحة وقناة السويس، إلا أن مقابل تلك الموارد كانت هناك زيادة في الاستثمار الأجنبي والصادرات وأخرى غير مسبوقة في تحويلات العاملين للخارج، وهو ما غطى كثيرًا على النقص.
ورغم تلك الزيادة، خلال العامين الأولين من الثورة، شهدت الاحتياطات الدولية نزيفًا فقدت خلاله أكثر من 20 مليار دولار، لتقف عند 15.5 مليار دولار في مايو 2012، ظل الخطاب الحكومي السائد ـ والذي تتبناه أيضًا بنوك الاستثمار الكبرى، الممثِّلة لمصالح الرأسمالية المالية المصرية والعالمية- هو اتهام نقص الموارد الدولارية.
فقد تراجعت الإيرادات من قناة السويس والسياحة والصادرات وتحويلات العاملين بالخارج خلال تلك الفترة بنحو 10.3 مليار دولار، لكن مصادر أخرى للنقد الأجنبي، هي الاستثمارات الأجنبية والقروض الخارجية، زادت في نفس الفترة بنحو 9.5 مليار دولار.
وبحساب تلك المصادر المختلفة تتوصل الدراسة إلى أن التراجع في التدفقات الدولارية الداخلة إلى مصر لا يتجاوز 0.8 مليار دولار خلال تلك الفترة، وأن أكبر نزوح للدولارات خارج البلاد في الفترة 2011/2010- 2013/2012، كان في شكل تحويل أرباح وخروج الاستثمارات، ويعد المبلغ الذي خرج من مصر خلال تلك الفترة بشكل مشروع أكبر من (ثلاثة أضعاف تقريبًا) كل الإيرادات القياسية التي دخلت البلاد بعد الثورة.
وتكشف الدراسة فشل الحكومات المتعاقبة في حل الأزمة، بذكر مثال وهو خروج 4.6 مليار جنيه خلال الأربعة أشهر قبل وبعد الثورة، بشكل مشروع خارج البلاد عن طريق البورصة، وذلك عن طريق 14 شركة مصرية مقيدة ببورصتي مصر ولندن، منوهة يأنه كان الأجدى وضع حوافز لإبقاء تلك الأموال داخل البلاد، أو فرض ضريبة رادعة على خروجها قبل مرور ستة أشهر مثلًا، وذلك حتى تستقر الأوضاع الاقتصادية، وتهدأ المخاوف.
وكذلك، وافقت الحكومة على انتقال مجموعة أوراسكوم للصناعة والبناء إلى خارج مصر، في أعقاب الثورة، وهو ما ترتب عليه خروج حوالي من 1.6 مليار دولار في صفقة واحدة.
الدراسة تؤكد أن “غياب مثل تلك السياسات وضع اللبنة الأولى لأزمة الدولار، أي أن اللوم يقع على البنك المركزي والحكومات المتعاقبة الذين سمحوا عن وعي أو عن غير وعي، بنزوح كل تلك الأموال بدون رادع، كما كان الثمن الباهظ الذي دفعه الاقتصاد هو التضحية بالاحتياطات الدولية من أجل تغطية هروب الأموال إلى الخارج”.
الفترة 2013-2016
شهدت تلك الفترة تفاقم ما سمي بـ”أزمة الدولار”، وصعد الدولار إلى ضعف سعره في الفترة السابقة في السوق السوداء التي أصبحت متحكمة تمامًا في عرض الدولار، وظل الخطاب الرسمي يردد التبرير غير الدقيق والذي يعزي الأزمة إلى تناقص الموارد الدولارية التقليدية بسبب “الفوضى التي خلقتها الثورة”.
في هذه الفترة، قلت بالفعل الموارد التقليدية من الدولار، ولكن ظلت التحويلات الرسمية للعاملين بالخارج ـ على نقصها الطفيف- تعوض معظم ذلك الانخفاض، إضافة إلى الاستثمار المباشر والقروض الخارجية.
نجد في السنوات الثلاث الأخيرة استمرار الدولارات في الخروج بكثافة إلى خارج مصر، ولكن اتخذت بنودًا إضافية أهمها خدمة الدين الخارجي (أقساط وفوائد القروض)، ما استمرت ظاهرة خروج الأموال بشكل غير مشروع، وانعكس ذلك على بند السهو والخطأ في ميزان المدفوعات. حيث بلغت قيمتها 0.9 مليار دولار في عام 2014/2013، في حين وصل هذا المبلغ إلى 4 مليارات دولار في عام 2016/2015.
ووجهت الدراسة، اللوم على البنك المركزي بسبب سياسة الاقتراض الخارجي التي اتبعها منذ 2013/2012، حيث لجأ إلى الاقتراض قصير الأجل ومتوسط الأجل من أجل تغطية الاحتياطات الدولية، مما رفع من تكلفة خدمة الدين، لتبلغ 17.6 مليار دولار خلال العام 2016/2015، منها 12 مليار دولار التزامات على البنك المركزي فقط.
وأوضحت أنها “كلها قروض تبخرت جراء الهروب المتواصل للأموال خارج البلاد أو بسبب مشروعات قومية لم تتم دراستها جيدًا على الأقل، فقد بلغ صافي الاقتراض 6.13 مليار دولار في عام 2016/2015، ذهب معظمها إلى البنك المركزي، وذلك لتدعيم الاحتياطات الدولية، كما يتضح من حجم الأرباح المحولة إلى الخارج أنه يمكن لوم الحكومة على عدم تحفيز المستثمرين على إعادة استثمار أرباحهم داخل البلاد أو فشل تدعيم السياحة الداخلية”.
السيناريو الوردي لما بعد التعويم
الخطاب الثاني الذي تم تعميمه خلال فترة الدعاية المكثفة لتعويم الجنيه بحسب الدراسة، يتعلق باستقرار سوق النقد الأجنبي، مما يؤدى إلى توافد الاستثمارات الأجنبية على مصر، وأن التعويم سوف يقضي على ندرة الموارد الدولارية، لأنه يؤدي إلى زيادة السياحة والصادرات أيضًا، وهذا بدوره سيؤدي إلى انخفاض سريع في سعر الدولار مقابل الجنيه، مما يرد للجنيه شيئًا من قوته، فتقصر فترة معاناة الشعب، مؤكدة أن هذا كله تبرير خاطئ للأسباب التالية:
فترة عدم استقرار:
وتقول الدراسة، إن التجارب الدولية تشير إلى أن التعويم تعقبه فترة من عدم استقرار سوق النقد الأجنبي، وهي فترة تشهد صعودًا مبالغًا فيه في قيمة الدولار مقابل الجنيه، نتيجة مقاومة السوق السوداء، وعادة ما تمتد تلك الفترة إلى ستة أشهر، قبل أن يبدأ الجنيه في استعادة شيء من قوته، ممثلة بمصر عام 2003 و2004 عقب التعويم الكامل، وقبل أن يتم القضاء على السوق السوداء.
وأكدت الدراسة أنه خلال تلك الفترة، من المستبعد أن تأتي أي رؤوس أموال أجنبية إلى مصر ولا حتى أموال ساخنة في البورصة لأنها ستفضل الانتظار حتى حدوث استقرار لسوق النقد الأجنبي، هذه الفترة قد تمتد إلى أكثر من عامين، لو دخل الاقتصاد في حالة تضخم منفلت، أو حالة ركود تضخمي.
أسباب داخلية أخرى:
وتوضح الدراسة، أنه “نتيجة سياسة اقتراض خارجي غير رشيدة، وضع البنك المركزي الاقتصاد في وضع أشبه بالرهينة المحتجزة لدى دائنيه، ومبدئيًّا، كل قيمة الاحتياطي النقدي لديه ما هي إلا كومة من القروض الخارجية، معظمها متوسط الأجل وقصير الأجل، ويستحق جزء كبير منها السداد خلال العامين القادمين”.
وأشارت إلى أن هذا الوضع يفرض على مصر أن تلجأ إلى مزيد من الاقتراض الخارجي كي تستطيع الوفاء أولًا بأقساط القروض، وثانيًا بوارداتها من السلع الأساسية من غذاء ووقود، متابعة: “لن تساهم كل تلك القروض في أي زيادة في المعروض من الدولارات داخل البلاد. بل هو انتقال من أيدي دائنين إلى أيدي دائنين آخرين. لا فائدة للاقتصاد المصري، ولا مشروعات مدرة للعملة الصعبة. وتبقى بذلك أزمة المعروض من الدولار محتدمة خلال الأجل المتوسط، ومن الأرجح أن تواصل قيمة الجنيه انخفاضها خلال العام القادم على الأقل”.
سبب خارجي:
على مدى عامي 2014 و2015، شهدت معظم دول العالم انخفاضًا لقيمة عملاتها أمام الدولار، وكان ذلك نتيجة لسياسات نقدية فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك كان من الطبيعي أن نشهد تلك الظاهرة في مصر أيضًا.
ورغم أنه من غير المتوقع أن نشهد نفس الارتفاعات الكبيرة في سعر الدولار العالمي، كتلك التي رأيناها في العامين السابقين، إلا أن هناك عددًا من الشواهد التي تشير إلى استمرار الدولار قويًّا في الأسواق العالمية في السنوات المقبلة. وهذا يجعل من الأصعب الحفاظ على قيمة الجنيه من مزيد من الانخفاض. فقد واصل الدولار ارتفاعه في أكتوبر ليصل إلى أعلى مستوى له في سبعة أشهر، كما ارتفع الدولار خلال أكتوبر بـ3% مقابل عملات الأسواق الناشئة.
بدائل التعويم
تقول الدراسة إن من أهم الأقوال المغلوطة التي تم تسييدها في الخطاب الدارج للسياسة الاقتصادية، هي أن التعويم ضرورة لا غنى عنها، لأنها هي البديل الوحيد على المدى القصير.
وفندت تلك المقولة بتحليل أن “التعويم يعتبر خيارًا سيئًا، حيث لا يؤدي إلى القضاء على ندرة الدولار، لأنه لا يعالج السبب في تلك الندرة، وهو هروب الأموال إلى الخارج، وهكذا، سوف تقترض الحكومة من أجل توفير العملة الصعبة لسد احتياجات الاقتصاد، ولكن في نفس الوقت سوف يستمر هروب الأموال إلى الخارج، طالما بقيت أسباب عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وطالما بقي التجنب الضريبي مزدهرًا عبر الملاذات الضريبية. ويبقى الدولار شحيحًا، ومن ثم يرتفع ثمنه”.
ووجهت المبادرة رسالة للحكومة بأنه كان عليها ـ حكومة وبنكًا مركزيًّا- أن تتخذ حزمة من السياسات التي من شأنها القضاء على تسرب الدولارات إلى خارج البلاد، نعرضها فيما يلي:
السياسات البديلة:
بحسب الدراسة، هناك سياسات بديلة مؤقتة، كان وما زال هناك ضرورة لتبنيها، وهي فرض قيود مؤقتة وفعالة على أكثر الأشكال ضررًا لخروج رؤوس المال، (تجربة ماليزيا 1997، الأرجنتين 2001، قبرص 2013، آيسلندة، 2014)، لافتة إلى أن هناك 37 دولة فرضت قيدًا أو أكثر على خروج رؤوس الأموال خلال الفترة 1995-2010.
وأشارت الدراسة إلى أن البنك المركزي وهيئة سوق المال فرضا عددًا من القيود على خروج رؤوس الأموال، خلال السنوات الخمس الماضية، ولكنها كانت قيودًا غير فعالة، لأنها سياسات مجتزأة وغير مكتملة، مثل الحد الأقصى للسحب من كروت الائتمان واستبدال العملات الأجنبية بغرض السفر، والتي فرضها البنك المركزي هذا العام. وكان هذا الإجراء متأخرًا، كما لا يغلق الباب الأكبر من خروج الأموال، أي الفساد، والحد من ضغوط الشركات الدولية، بحسب الدراسة.
وتؤكد الدراسة، أنه كان وما زال هناك فرصة لوقف انهيار الجنيه عن طريق فرض قيود مؤقتة على حركة رؤوس الأموال، وهناك بعض التجارب الناجحة التي اتخذت هذا المنهج، بغرض الحد من انخفاض قيمة عملاتها، وتكون ضرورة في حالة اقتصاد هش، يعاني الركود والتضخم، كما أن تحرير سعر الصرف يسمح بنجاح هذه الخطوة.
وفيما يلي بعض أشكال ضوابط خروج رأس المال ووسائل محاربة تهريب الأموال، منها: “فرض ضرائب باهظة على خروج ما يسمى برؤوس الأموال الساخنة ووضع قيود على خروج الاستثمارات (رفع التكلفة، التفاوض حول البقاء)، ووضع حوافز ضريبية للشركات التي تحتفظ بما لا يقل عن نصف أرباحها لإعادة استثمارها داخل مصر (أو فرض إعادة استثمار نصف الأرباح في قانون الاستثمار، مثال الجزائر)، وفرض ضرائب على الشركات التي تملك فروعًا في ملاذات ضريبية أو يتخذ مؤسسوها من الملاذات الضريبية مقرًّا لهم (على غرار الضريبة في إنجلترا، والولايات المتحدة الأمريكية)”.
إضافة إلى “الانضمام إلى قاعدة بيانات الدول التي تتبادل آليًّا المعلومات البنكية عن عن انتقال الأموال (96 دولة انضمت حتى الآن) وهي آلية تبنتها مجموعة العشرين ونادي الدول الغنية (OECD) خاصة بتتبع تهريب الأموال إلى الملاذات الضريبية، ومحاربة تحويل الأرباح إلى الخارج عن طريق المبالغة في تقدير قيمة فواتير الاستيراد والتقليل من قيمة فواتير التصدير، وهو الشكل الأكثر انتشارًا لهروب الأموال بطريقة غير مشروعة في مصر وفي العالم، إذ يمثل في المتوسط 83.4% من إجمالي الأموال المهربة عبر العالم، وهذا عن طريق تدعيم دور الجمارك وتدريب كوادرها”.
وختمت الدراسة بأن تأسيس لدولة القانون، ومحاسبة الفاسدين في كل من القطاع الحكومي والقطاع الخاص، ودولة النزاهة لا دولة المحاباة هي ما تجذب المستثمرين المصريين والأجانب، وهذا ما يرفع قيمة الجنيه.
الفجر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى