الأخبار

على سبيل الهرطقة

6

 

 

لست أعرف (وإن كنت لا أستبعد) لو كان أحد القراء الكرام قد تعرض إلى مثل الحادثة التى تعرضت إليها شخصيًّا مرة واحدة على الأقل فى حياتى، عندما وجدت نفسى ذات ليلة رائعة متسربًا بالخطأ إلى قاعة حفل زفاف بهيج لا تربطنى بأصحابه -سواء أهل العريس أو العروس- أى صلة من أى نوع، ولكنى أشهد مخلصًا بأننى عوملت من الطرفين اللذين لم أكن قد تشرفت برؤية واحد منهما ولا هم رأوا خلقتى من قبل أبدًا، معاملة فاخرة جدًّا، حتى بعدما بدا واضحًا أن ثمة خطأ ما فى الموضوع، وأنْ لا سند ولا سبب مشروع لوجودى ضمن زمرة المعزومين، وكنت كلما سألت: أين الأستاذ «محمود» (صديقى القديم الذى يعمل من سنين طويلة فى الخارج ودعانى هاتفيا لزفاف ابنته)، جاوبنى مضيفىّ الكرام مؤكدين أن الأستاذ «محمود» هذا موجود فعلا.. بس بيعمل حاجة كده وزمانه جاى على طول.. ماتقلقش حضرتك، والله إنت مشرفنا ومكترنا، عقبال عندك!!

وقد بقيت أسأل عن محمود كل دقيقة تقريبا، وأتلقى الجواب نفسه كل مرة، مع زيادة ومبالغة ملحوظة فى الحفاوة والكرم، حتى كاد الخجل والكسوف يقتلاننى، إذ أيقنت بعد قليل من الوقت والانتباه، أننى متطفل وموجود فى المكان الخطأ، ومع ذلك لم أتمكن من الرحيل إلا هاربًا بالعافية من الرقابة الصارمة التى فرضها على العبد لله أصحاب الحفل الطيبون، الذين كان رأسهم وألف سيف أن لا أغادر أبدًا قبل أن أتعشى وآكل من «تورتة» العروسين.

مثل هذه الحوادث عادية وتحدث كثيرًا فى بلادنا بالخطأ أو بالعمد (لأسباب مفهومة)، ويتعامل معها الناس ببساطة وأريحية، وقد يرويها أبطالها وشهودها كطرفة لطيفة أو باعتبارها دليلا على الخطل والتوهان (كما فعل العبد لله حالا)، لكن ما لا يمكن تصور حدوثه عندنا -ولو فى أبعد الأحلام تحليقا فى التخريف- هو تلك الحادثة التى وقعت فى الولايات المتحدة الأمريكية قبل سنوات، أى فى مطلع عهد الرئيس باراك أوباما، إذ تمكن زوجان عاديان وعاريان تماما من أى صفة أو حيثية غير صفة المواطنة من دخول البيت الأبيض والاستمتاع كاملا وحتى النهاية بحفل عشاء رئاسى فاخر، أقامه الرئيس باراك الأمريكى، على شرف ضيفه رئيس وزراء الهند آنذاك مينوهان سينج، وقد استطاع الزوجان المتطفلان (الزوج من أصول عربية ويدعى طارق) اختراق كل الموانع والحواجز الأمنية، التى يمكن تخيل نوعها وشدتها، ونجحا فى الاندساس والاختلاط مباشرة بحضور الحفل بمن فيهم الرئيس ونائبه، بل إن هذا الاختراق لم تكتشفه الأجهزة المعنية بتأمين رئيس أقوى دولة فى العالم، إلا بعد أن نشر الزوجان -من باب التباهى- صورهما وهما يحضران العشاء الرئاسى على موقع «فيسبوك» الإلكترونى، وكانت إحدى الصور مع نائب الرئيس جو بايدن، الذى ظهر وعلى وجهه ابتسامة واسعة، بينما هو يحتضن الزوجين بحنان وحب، كأنهما صديقا طفولته السعيدة.

وربما يعزو بعض الناس استحالة وقوع حادثة من هذا النوع فى بلادنا وأقطارنا العربية إلى كفاءة وصرامة وقسوة وخرافية إجراءات الأمن، التى تسيج حكامنا وتحيط بهم وبآل بيوتهم على مدار الساعة، وتمنع الجن الأزرق شخصيا من الاقتراب من أرصفة قصورهم وأماكن وجودهم، على ما تدل تلك النكتة الشهيرة التى يلعب الملاك عزرائيل دور البطولة فيها، ولا أستطيع روايتها علنًا لئلا أقع -أنا وهذه الصحيفة- فى إثم ومحظور نشر التجديف والهرطقة والعياذ بالله.

صباح الخير.

الدستور الاصلى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى