الأخبار

10 مشاهد فى رحلة الموت للطفلين «ماركو» و«مينا»

مذبحة خفقت القلوب من أجلها، وأعداد قتلى قاربوا على 30 شهيداً، ما بين رجال وشباب وأطفال، ووسط الأموات والمصابين، كان الطفلان «ماركو» و«مينا» شاهدا مقتل أبيهما عايد أمام أعينهما، ليشاء القدر أن يخرجا ناجيين من المذبحة، فى صورة أظهرت شجاعة فى غير سنها من طفل ذى جسد هزيل، ليروى بعد ذلك مشاهد الحادث واحداً تلو الآخر.

وقّفونا وطلبوا من أبويا بطاقته وقبل ما يديها لهم ضربوه طلقة فى ضهره.. لهجة الإرهابيين كانت صعيدية وأحدهم كان سيقتلنى أنا وأخى ولكن آخر منعه

المشهد الأول:

عقارب الساعة تشير إلى السادسة من صباح يوم الجمعة، يفتح الطفل «ماركو» عينيه على صوت أبيه «عايد» بعد أن طلب منه الاستعداد للذهاب معه إلى دير الأنبا صموئيل، حيث مقر عمله، فيقوم من سريره منادياً بصوته الناعس على أخيه الصغير «مينا» لإيقاظه من نومه حيث كان مقرراً أن يأتى معهم فى الليلة السابقة للحادث، ساعة من الوقت كانت كافية لأن يستعد فيها الأب وطفلاه للخروج، فيودعوا الزوجة «المقبوض قلبها» ويتجهوا إلى سيارتهم «ربع النقل» ومعهم 7 من عمال الدير استقلوا ظهر السيارة، ليبدأوا معاً رحلة اللاعودة، من قرية «دير الجرنوس» إلى دير الأنبا صموئيل.

المشهد الثانى:

حزن اعتلى وجه الأب دون سبب، وحالة من الغضب سيطرت عليه منذ أن أصر على اصطحاب «ماركو» معه، لتبدأ الرحلة من بوابة بيتهم الخشبية فى طريق ترابى طويل يأخذهم إلى الطريق «السريع» حيث الاتجاه إلى دير صموئيل، ليحكى «ماركو» هذا المشهد معبراً بقوله: «خرجنا بالعربية وكنت قاعد أنا ومينا أخويا جنب أبويا وكان راكب فى العربية ورانا سبع رجالة، وأول ما طلعنا بره على الطريق قابلنا اتنين غرب منعرفهمش، بس كانوا رايحين الدير برضه فخدناهم معانا فى طريقنا.

المشهد الثالث:

دقائق قليلة لم تتخط نصف الساعة كانت هى المدة بين «دير الجرنوس»، والطريق المؤدى إلى دير صموئيل حيث موقع الحادث، لتبدأ السيارة فى دخول «مدق» يصعد فيه الطريق إلى أعلى، بحيث لا يرى من يسير فيه ما أمامه، وبمجرد أن وصل «عايد» إلى حافة الطريق حتى وجد أمامه مجموعة من المسلحين يوقفون السيارة، وعلى بعد أمتار قليلة كان أوتوبيس وسيارة نقل أخرى قد قتل المسلحون من فيهما، ليحكى «ماركو» ما دار بين المسلحين وبين أبيه قائلاً: «أول ما نزلنا من المطلع لقيناهم فى وشنا، وقفونا وطلبوا من أبويا بطاقته وقبل ما يديها لهم ضربوه طلقة فى ضهره، وبعد كده خلصوا على كل اللى فى العربية معانا».

المشهد الرابع:

نحو 15 فرداً من المسلحين بين ملثم وغير ملثم، اختلفت أطوالهم وأحجامهم حسب رواية «ماركو»، إلا أن لهجتهم «الصعيدية» لم تبد غريبة على الطفل وأخيه اللذين ما زالا على قيد الحياة، قبل أن ينزلهما المعتدون من السيارة، ويدور بينهم نقاش حول مصير الطفلين انتهى بتركهما على قيد الحياة والهروب من المكان على الفور، بعد أن لاحظ «ماركو» على جبين بعض الإرهابيين ما يشبه الكاميرا المعلقة بحزام حول رؤوسهم، وهو ما عبر عنه الطفل قائلاً: «لما نزلوا اللى فى العربية وقتلوهم نزلونا إحنا كمان، وفيه واحد فيهم كان عايز يقتلنى أنا ومينا بس واحد تانى قال له لأ سيبهم ويلا بينا»، ليركب المعتدون سيارتهم ويتجهوا بعد ذلك نحو الجبل، لتتعثر السيارة فى الرمال، فيتركوها بعد أن فجروها، ويعودوا مرة أخرى إلى مسرح جريمتهم ليأخذوا سيارة «الدفع الرباعى» التى قتلوا من فيها قبل وصول «ماركو» ووالده، وما هى إلا ثوانٍ مرت على الطفل حتى اختفوا داخل الجبل.

المشهد الخامس:

حالة من الذعر عاشها الطفلان بين مجموعة من الأموات المتفجرة رؤوسهم ومن بينهم أبوهما، ليجد «ماركو» نفسه يصعد إلى سيارة أبيه ومعه أخوه، ويقوم بتدوير السيارة ويتجه بها مئات الأمتار نحو الخارج، حيث وجد شبكة تليفونه المحمول أصبحت متاحة، ليتصل على أسرته يخبرهم بما حدث له ولأبيه، ثم يعود مرة أخرى إلى مقر الحادث حيث جثة أبيه، حسب قوله: «لما رجعت قعدت أنا ومينا جنب أبويا.

المشهد السادس:

نصف ساعة أو كانت أكثر، مرت على «ماركو» وهو جالس وحده بين جثث الضحايا الملقاة على الأرض، ومن بينهم جثة أبيه التى احتضنها باكياً لا يدرى ماذا ينتظره، فقد استنفد كل السبل التى يستطيع أن يسلكها فى مثل هذا الأمر، لتمر عليه الدقائق كالأيام، أخذ ينظر فيها إلى وجه أبيه بعد أن خلع ساعته «ذهبية اللون» من يديه ووضعها فى جيبه الصغير، ليتذكر بها والده الذى فارق الحياة أمام عينيه، حتى ظهرت أمام عينيه فى الأفق تلك السيارة المسرعة، وما إن اقتربت من موقع الحادث حتى تدلى منها خاله وعمه وبعض أقاربه، ليلتقط الطفل أنفاسه، إلا أنه لم يحرك ساكناً.

المشهد السابع:

حركة غير عادية دبت فى المكان الهادئ بعد أن سكت صوت الرصاص، بمجرد أن وصل أقارب الطفل ليرفعوا «عايد» بعد أن اكتشفوا أنه ما زال على قيد الحياة، ليتوجهوا به جميعاً إلى مستشفى «العدوة العام» ومعهم الطفل فى سيارة أخرى، حتى وصلوا جميعاً إلى المستشفى وقد قاربت شمس الظهيرة أن تصل إلى مستقرها، ليخبرهم الأطباء فى المستشفى أن الحالة قد فارقت الحياة، ليعود الطفل إلى بيت خاله تاركاً أباه للمرة الأولى منذ أن خرجا معاً من البيت فى ساعات الصباح الأولى.

المشهد الثامن:

بين جنبات البيت الحزين، وداخل واحدة من غرف منزل الشهيد، جلس الطفل «ماركو» بعد أن ودع أباه إلى مثواه الأخير، إلى جوار أمه المكلومة، وشقيقه الأصغر، وأخته الأكبر منه بأعوام قليلة، وكأنه بعمله «البطولى» أصبح مسئولاً عن هذه الأسرة الحزينة -رغم أنه لم يبلغ منتصف عقده الثانى بعد- فأخذ يبكى بعد أن أخرج من جيبه الصغير ساعة أبيه، وبعض فوارغ الرصاص التى أخذها معه من مسرح الجريمة.

المشهد التاسع:

صراخ لم ينقطع فى شارع صغير تراصت فيه بيوت عائلة «عايد» بجوار بعضها بعضاً، ما إن يسمعه الطفل حتى تغمر عينيه الدموع، وعلى يدى أخيها جاءت تتكئ «هناء يوسف» زوجة الشهيد، لا تكاد ترى أمامها من كثرة البكاء على فقيدها، لتحكى اللحظات الأخيرة لهم قبل الفراق قائلة: «كل يوم كان بيمشى الساعة 10 ما عدا اليوم ده مشى بدرى، ولسه يا دوب هيفطر لقى واحد زميله بيكلموا بيستعجله، مكملش فطار وطلع هو وماركو ومينا ومشيوا».

المشهد العاشر:

مكالمة هاتفية بعد نحو 3 ساعات من هاتف زوجها أقلقتها، لتنتفض من مكانها ممسكة بالهاتف، فتسمع صوت صغيرها «ماركو» صارخاً: «غيتينى يا أمى ضربونا»، ولم تنتظر الأم أن يكمل الطفل حديثه، فألقت بالهاتف على الأرض، وانطلق قبلها إلى موقع الحادث شقيقها وصهرها.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى