الأخبار

الحنين إلى الفرحة!

15

 

 

 

فى ليلة رمضان تجولت فى الشارع كان لدى إحساس أن الأحداث الأخيرة التى يعيشها الوطن ستقضى على مشاعر الفرحة بهذا الشهر الكريم، وأن الزينات فى الشوارع ستخفت أو على الأقل ستتضاءل، إلا أن الحقيقة هى أن هذا الشعب قرر أن يعيش الحياة‪,‬ وفى أول اختبار له أمسك بطوق النجاة، شهر رمضان بفرحته الصافية وفوانيسه التى وجدتها كالعادة تتدلى من شرفات البيوت وتتصدر واجهات المحلات.

الخريطة الرمضانية التى كنت أستشعر أنها سوف تنكمش اتسعت واحتلت على الفضائيات مساحة مميزة، وبدأت تسرق الاهتمام من برامج «التوك شو» التى تعودت أن تختفى مع الشياطين فى رمضان، إلا أنها هذا العام بسبب اضطراب الأحداث السياسية اكتفت بنصف اختفاء.

الناس لا تضبط أحاسيسها بموجة جديدة ومختلفة فى رمضان ولكن حنينهم للسعادة دفعهم إلى الإمساك بتلك اللحظات.

أغلب المصريين سعداء بأنهم أزاحوا الكابوس الإخوانى عن الحكم، ولا يمكن فى ظل أى معادلة سياسية قادمة أن يعودوا للحكم، ولكن من المستحيل أيضًا إذا أردنا لمصر الاستقرار أن ندعو إلى الإقصاء أو وضعهم فى «جيتو» خاص، ليس من صالح مصر بعد 30 يونيو أن تقصى أحدًا، حتى لا نكتشف أن هؤلاء مع الزمن قد صاروا قنابل انتقام موقوتة لا تدرى متى أو أين يتم نزع الفتيل.

نعم مصر تعيش فرحتها وميدان التحرير احتفل برمضان بمائدة ضخمة مساء أمس يُقال إنها ستدخل موسوعة جينس للأرقام القياسية، كما أن الاحتفالات الغنائية لم تتوقف فى الميدان، ليظل التحرير عنوان مصر الأثير فى ثورتها وفرحتها.

الحالة الرمضانية خارج الميادين مجسدة على الشاشة الصغيرة من خلال المسلسلات، شاهدت بعض الحلقات الأولى منها ليلة أول من أمس وواصلت أمس ولا أستطيع بالطبع أن أكتب رأيًا، ولكن هناك ولا شك إرهاصات وانطباع ما طرحته تلك اللمحات الأولى أفضل الآن أن أحتفظ بها لنفسى.

الإذاعة التى كانت قد خاصمَت الأغنيات العاطفية فى الأيام الماضية عادت لترديدها، ولا يزال لرمضان مهما تعاقبت السنوات والأغنيات عنوان واحد فقط للاحتفال بقدومه، «رمضان جانا» لعبد المطلب، وعنوان آخر لوداعه فى الأسبوع الأخير مع صوت شريفة فاضل «هلّ البدر بدرى والأيام بتجرى». أما أهمّ ملمح رمضانى فهو موائد الرحمن التى تنتشر فى كل الأحياء معلنة أن الخير لن يغيب أبدًا عن ربوع مصر.

إلا أن فى «رابعة العدوية» جزءًا منَّا يعيشون كل طقوس رمضان، موائد إفطار وسحورًا، مواصلين الاحتجاج، نرفض أفكارهم ولكننا لا نُقصِيهم عن المشهد، يعيشون هزيمة نفسية، الشباب الذى تم غسل أدمغتهم هم جزء من نسيج المجتمع علينا أن نمد أيادينا إليهم ليصبحوا جزءًا فاعلًا فى المجتمع، لصالحنا جميعًا أن لا يشعروا بالإقصاء، كان اعتلاء كرسى الحكم بالنسبة إليهم لحظة زمنية مجنونة اختلَّت فيها موازين القوى ووقف المصريون حائرين بين نارين فاختار أغلبهم بفارق ضئيل جدًّا نار الأخوان.

محمد مرسى وعد المصريين بحكم عصرى ودولة مدنية، ثم أخلّ بشروط التعاقد فأزاحه الشعب بواحدة من أقوى مظاهر الديمقراطية، لا يستطيع أحد الادعاء أن هذه الملايين الهادرة مضلَّلة، قد تختلف الأهداف والدوافع فى ذهابها إلى الميادين، 90% على أقل تقدير هم من المؤمنون بثورة 25 يناير ويحملون فى أعماقهم نقاءها الثورى، يريدونها ثورة لكل المصريين، لا أنكر أن هناك من ذهب إلى الميدان ولديه نقمة على الثورة معتقدًا أنه يثور فى 30 يونيو على الثورة التى أطاحت بمبارك فى 25 يناير، ولكن هؤلاء لا يتجاوزون 10%، وسوف يختفى صوتهم مع الزمن ليبقى فقط النقاء الثورى.. أما أهالى رابعة العدوية فيجب أن نسعى لاحتوائهم، السلطة السياسية تعرض عليهم بعض الحقائب الوزارية ولا يزالون رافضين، مرسى لن يعود لحكم مصر لأن الملايين الذين يشكلون الأغلبية أسقطوه، ولا يمكن أن يجادل أحد فى تلك الحقيقة، إلا أنهم لن يتم التعامل معهم كجماعة محظورة كما كانوا أيام مبارك، من حقهم أن يوفِّقوا أوضاعهم كجمعية تابعة لوزارة التضامن ويمارسوا نشاطهم فى الحياة.. المصالحة الوطنية هى الجسر الذى يجب أن نعبره جميعًا، كل منا يتحرك خُطوات تجاه الهدف، إنها لحظات فرح مسروقة نتمنى قبل نهاية شهر رمضان أن تحتوى كل المصريين.

 

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى