الأخبار

موجة الناس !!

20

طارق الشناوي يكتب:

لم ولن يستطع أحد أن يحدِّد على وجه الدقة، هل الناس تبحث عن العمل الفنى الذى يعزف على أوتار جراحهم أم أنهم يتحرّقون شوقًا لمن يعزف بعيدًا عن تلك الجراح.

فى أعقاب نكسة 67، عرفت مصر هذا التناقض، فانتعشت أغنيات تلهينا عن المأساة «السح الدح امبوه»، و«الطشت قاللى»، و«تيجى نيجى»، وأنتجت مؤسسة السينما التابعة للدولة فيلم «شنبو فى المصيدة»، وكان قد سبق تقديمه كمسلسل إذاعى، وعلى الجانب الآخر، كانت لدينا أفلام تدفعنا إلى المقاومة مثل «شىء من الخوف»، و«أغنية على الممر»، و«الأرض»، بينما أم كلثوم تغنى «أصبح عندى الآن بندقية».

مشاعر الناس تعيش فى تلك اللحظات المصيرية التناقض الشديد بين الخوف من القادم والرغبة أيضًا فى تجاوز هذا الخوف بسلاح الإنكار.

ما نتعايش معه الآن هو نكسة أخرى، تستطيع أن ترى شيئًا من ملامحه فى السينما، لأنها الأكثر مخاطرة، فهى تتحسَّس دائمًا الخطوة القادمة، ولهذا فإن مشروعات الإنتاج الضخم توقَّفت ولم يتبقَّ سوى الأفلام محدودة الميزانية، وما يعرض الآن هو بقايا مراهنات سابقة، كانت ثورة يناير فى بداية تفجّرها تبعث على الاطمئنان للقادم وتحمل الكثير من الطموح قبل أن يتبدَّد كل شىء، ومن الممكن أن تتابع ترمومتر الأرقام التى حققتها الأفلام المصرية المعروضة، لتكتشف أنها غير مشجعة وإذا كان «على جثتى» حقَّق رقمًا معقولًا إلا أنه أيضًا لم يكن لم يأت على قدر التوقع ويبقى فيلم «الحفلة» لأحمد عز ومحمد رجب وجومانة مراد، الذى لم يستطع أيضًا الصمود فى دنيا الأرقام.

«على جثتى» تعاقده واضح مع الجمهور وهو الضحك، بينما «الحفلة» يقدم حالة بوليسية، هل المتفرج يبحث عن فيلم ثورى، أقصد فيلمًا يجد فيه ملامح حياته الآن بين الأمل الذى انتعش فى بدايات الثورة المصرية ثم خيبة الأمل التى صارت تسكن قلوب ومشاعر المصريين، عشنا حلمًا عظيمًا أحاله مرسى وأهله وعشيرته وجماعته إلى كابوس.

الحقيقة أن مشاعر الناس وفى كل الدنيا عند تلقيها الفنون تجدها مزيجًا من سيطرة اللحظة الراهنة وفى نفس الوقت احتياجًا لكى ترى فى هذا العمل الفنى كل تفاصيل الحياة الماضية والقادمة، الناس تبحث عن فن مشبع لا يهم أن يتناول بالضرورة الحدث الساخن، خصوصًا أننا نعيش على مدى عامين ثورة لم تستطع بعد إقامة هيكل لدولة، المظاهرات والاحتجاجات أصبحت جزءًا من خبز الناس اليومى.

كل هذه التناقضات تلعب دورًا فى تحديد وتوجيه زاوية الرؤية للفيلم الذى يتحمَّل بالتأكيد بطله أحمد عز نتائج المخاطرة.

الفيلم يقع فى قالب بوليسى كان السيناريو متوازنًا فى تتبعه للشخصيات، يؤدّى عز دور الزوج الشرير الذى نكتشف فى نهاية الأحداث أنه خطّط كل شىء من أجل أن يغتال زوجته «روبى» ويحصل فى نفس الوقت على فدية ويضلّل رجل الشرطة الذى أدّى دوره محمد رجب.

الفيلم البوليسى أشبه بعلاقة بين قوتَين، إنها لعبة ذكاء على الشريط بين الأبطال وأيضًا بين الفيلم والجمهور، تمنح المتفرج معلومة يظل يتابعها، بعد ذلك تثير شكوكه ليتّجه إلى نقطة أخرى ويشعر المشاهد أنه انتصر عندما يكتشف أن كل رهانه السابق قد جانَبه الصواب، يُهزم المتفرج فيشعر بالانتصار.

فى الفيلم أكثر من شخصية تروى الحدث من خلال وجهة نظرها، لتزداد شهية المشاهد فى العثور على الحقيقة، كل شخصية تقول شيئًا وتخفى أشياء.

استطاع المخرج أحمد علاء الديب فى هذا الفيلم أن يحافظ على هارمونية أداء ممثليه والإمساك بالتفاصيل منطلقًا من سيناريو وائل عبد الله، وتصوير أحمد مرسى، والمونتير المبدع أحمد حافظ، وموسيقى عمرو إسماعيل، وديكور باسل حسام.. كان دور أحمد عز أصعب، ولكن الجمهور أحب أكثر محمد رجب. وكان هذا هو دور عمر جومانة مراد التى شاهدتها لأول مرة وهى لا تمثّل!!

«الحفلة» به قدر لا يُنكر من التسلية، ولكنه ينتهى فور انتهاء عرضه، وهو لم يدّعِ شيئًا أبعد من ذلك، ولكن يبدو أن الجمهور يريد أن يقفز فوق أسوار التسلية. الناس لا يمكن التكهّن بردود أفعالها، ولكن تستطيع أن ترى أنهم فى تلك الحظات يميلون أكثر إلى التطرّف فى كل شىء، إما تكون جادًّا ومخلصًا ليرى نفسه على الشاشة وإما أن تُقدِّم له شريطًا سينمائيًّا ينافس قناة «التت»!!

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى