الأخبار

“دم الصحفيين أرخص”

 

194

 

خرج ليوثق معركة ليس طرفًا فيها، تحرك نحو الأمام وهو يرى قوات الامن تستعد بجنودها وجرافاتها لمواجهة معتصمي ميدان رابعة، ليبدأ مؤيدو الرئيس المعزول في التحرك بدورهم، ومع أول رصاصة تنطلق، يسقط أول مصاب من جانب الشرطة.. تبدأ المعركة الحقيقية، يحمل سلاحه الفوتوغرافي، ليلتقط صورا لأحداث دامية يشارك بها في تقديم الحقيقة، ولكن حينما يبدأ العنف، فتش دائمًا عن الشاهد، لتصيبه أو تقتله لتستطيع إخفاء مدى قبح الواقع وبذاءته، ويصيب الغدر عيون الحقيقة، خوفًا من ظهورها، لتسيل دماؤه وتمتزج بأوراقه.. تصبغ الأرض بلون كئيب.

احتلت مصر المركز الثالث على مستوى العالم، في قائمة أخطر البلدان على الصحفيين، طبقًا لتقرير لجنة حماية الصحفيين الدولية، حيث اعتمد التقرير علي عدد الصحفيين القتلى في عام 2013، ليسجل شهر أغسطس من العام الماضي “فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة” أعلى نسبة انتهاكات ضد الصحفيين على مدار العام.

“الصحافة تحولت إلي مهنة البحث عن القتل، وتحول الصحفيين إلى أهداف”.. بمنتهى المرارة والألم قالتها الصحفية عبير السعدي، وكيل نقابة الصحفيين، مؤكدة أن وجود الصحفي في الشارع لتغطية الأحداث قد تكلفه حياته، حيث قتل 4 صحفيين خلال فض اعتصام رابعة، فضلا عن ارتفاع وتيرة العنف في الشارع بشكل لا يجدي معه ارتداء الصحفيين للسترات الواقية، لأنه أصبح “هدفًا في حد ذاته”.

وطالبت السعدي بضرورة تشكيل لجنة تقصي للحقائق، للتحقيق في ملابسات قتل الصحفيين خلال تأدية عملهم في مناطق الأحداث، قائلة “لن نستطيع النظر في أعينهم، إلا بعد الوصول إلى حقوقهم التي تعتبر قضيتنا الأساسية”.

عبير السعدي: الصحافة أصبحت مهنة البحث عن القتل

لا نستطيع القول بأنه تواجد في الوقت والمكان الخطأ، لأنه كان بكل بساطة يؤدي عمله، بشعره الاشقر وجسده الضخم و سنواته التي قاربت على الستين، يحمل كاميرته التلفزيونية الضخمة.. تلقي مايك دين، الإنجليزي الجنسية، مصور قناة “سكاي نيوز”، رصاصة في القلب، أودت بحياته، رغم أنه كان يؤدي عمله، تماما مثل ثلاثة صحفيين آخرين رافقوه في رحيله، منهم حبيبة عبد العزيز، مراسلة ومصورة “جولف نيوز”، البالغة من العمر 26 عامًا، والتي قتلت برصاصة في الرأس، ويُعتقد بأن تواجدها من أجل المشاركة وليس التغطية، بالإضافة إلى مصعب الشامي مراسل شبكة “رصد”، وأحمد عبد الجواد، الصحفي بجريدة الأخبار.

“سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري.. سأصبر حتى ينظر الرحمن في أمري.. سأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شيء أمرّ من الصبر”.. كان هذا هو تعليق محمود أبو زيد، الشهير بـ “شوكان”، المصور السجين في طي الكتمان، لتكون كاميرته الخاصة هي الشيء الذي يفتقده بعد مرور عام على غيابه في غياهب سجن طرة، بعد أن اعتقلته قوات الأمن أثناء فض اعتصام رابعة، ووجهت له النيابة تهم القتل والتجمهر والانتماء لجماعة الإخوان.

بعد مدة حبس تتعدي الـ300 يوم، وإضراب عن الطعام لمدة تقارب 140 يوما، قرر النائب العام الإفراج عن مراسل قناة “الجزيرة”، عبد الله الشامي، نظرًا لسوء حالته الصحية، كما تم إطلاق سراح عديد من الصحفيين، بعد القبض عليهم أثناء تأدية مهامهم الميدانية خلال واقعة فض الاعتصامين وتوابع الفض بمختلف المحافظات، دون توجيه تهم لهم، ما جعلهم في وضع أشبه بالاعتقال.

مصر ثالث أكثر الدول خطرا على الصحفيين

لم يقتصر الأمر على الاعتقالات أو الموت، فوفقًا لتقارير مركز “دعم” لتقنية المعلومات، فقد تعرض ما يقرب من 34 صحفيا لعدد من الإصابات ومصادرة المعدات، سواء من جانب قوات الأمن أو مؤيدي الرئيس المعزول، فقد تعرضت أسماء وجيه، المصورة بوكالة “رويترز”، لطلق ناري بالقدم، مازالت تعاني من تبعاته، وتواجه صعوبة كبيرة في التحرك.

بالنسبة للبعض هذا “مجرد رقم”، ولكنه في الواقع “مأساة”، فإذا كان البعض يدعي أن “دم المصريين رخيص”، فبعد مرور عام كامل على مقتل 4 صحفيين في فض اعتصام رابعة، دون تحقيق جاد في ملابسات مقتلهم، فضلا عن اعتقال العشرات وبقائهم في السجون حتي الآن، تأتي الحقيقة لتؤكد أن “دم الصحفيين أرخص”.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى