الأخبار

.. وماذا بعد الإفراج؟

ها هو المسلسل، الذى هلّ علينا قبل أن يبدأ رمضان، قد وصل أخيراً إلى نهايته، وتم الإفراج عن جنودنا السبعة المختطفين، فماذا نحن فاعلون الآن؟

 

إن النهاية السعيدة التى وضعها كاتب السيناريو المبتدئ لهذا المسلسل تدل على أن ثقافته الأدبية لا تتعدى الأفلام العربية القديمة التى تنزل فيها كلمة النهاية على صورة زواج البطل بالبطلة، وبينما الحقيقة أن تلك ينبغى أن تكون البداية الحقيقية لقصتنا مع سيناء.

 

إن عملية خطف الجنود المصريين، التى تأتى بعد عام من التوتر فى شبه الجزيرة منذ وقعت المذبحة التى راح ضحيتها 16 جندياً مصرياً ساعة إفطارهم فى شهر رمضان الماضى، هى بداية، يجب ألا يخطئها كل ذى عينين، لمرحلة جديدة فى علاقتنا بسيناء، فالأمر لا يقتصر فقط على الجيش أو الحكومة أو الأجهزة السيادية أو الشعب، وإنما كل هؤلاء مجتمعين أصبحوا بحاجة لإعادة النظر فيما تعنيه سيناء بالنسبة لمصر: هل هى مجرد مساحة من الصحراء داخل حدود البلاد؟ هل هى منطقة عازلة ضد أى غزو من الشرق؟ هل هى سلسلة من المنتجعات السياحية تضيف للدخل القومى أرصدة من العملة الصعبة؟

 

ثم ما هو موقع أهالى سيناء فى كل هذا؟ هل هم جواسيس يعملون لصالح إسرائيل؟ هل هم بدو رحل لا حقوق لهم؟ هل هم ترجمانات ورعاة جمال، مهمتهم خدمة السياح؟

 

لقد ظلت مصر تنظر إلى سيناء باعتبارها منطقة حدود رغم مساحتها الشاسعة التى تزيد على المناطق الآهلة بالسكان داخل الوادى، فاعتبرتها السلطات، منذ العهد الملكى، منطقة عسكرية، وكان المواطن الذى يرغب فى زيارتها يحتاج تصريحاً كأنه تأشيرة دخول لدولة أخرى، ثم تحولت سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلى إلى منطقة سياحية، وكنت أتصور أن ملحمة استعادة سيناء، سواء بحرب أكتوبر أو بالجهود المضنية للتحكيم الدولى ورفض مصر القاطع التنازل عن أى شبر منها، ستضعها، بعد استعادتها، فى الموقع الذى تستحقه فى ضمير الأمة، وفى رؤية الدولة لهذا الجزء الغالى من تراب الوطن الذى حمى مصر على مدى تاريخها الطويل من الغزو، فمعظم غزوات مصر جاءت من الشرق، وكانت سيناء هى أول من صدَّ الغازى أو أكثر من تحمل وطأة احتلاله، وكنت أتصور أنه بعد الثورة سيحتضن الوادى شبه جزيرته التى غابت عنه طويلاً، لكن الذى حدث أننا سمعنا، لأول مرة، عن خطط لتحويل سيناء إلى وطن بديل لا يحقق آمال الشعب الفلسطينى الشقيق الذى لا يرضى بديلاً عن أرضه، وإنما يزيح فقط التكدس السكانى الفلسطينى عن كاهل إسرائيل.

 

فهل نستطيع أن نجعل الإفراج عن الجنود المختطفين بداية لمرحلة جديدة فى علاقتنا بسيناء، وليس مجرد نهاية سعيدة لفيلم عربى قديم؟.

المصري اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى