الأخبار

آداب وشروط اصطحاب الأطفال إلى المساجد

150

 

ما هي شروط وآداب اصطحاب الأطفال إلى المساجد؛ لأننا نرى هذه الأيام الآباء يصطحبون أولادهم إلى المساجد دون ضوابط وأسس، وهو ما يقلّل تركيز المصلّين ويشوّش عليهم صلاتهم، وتصبح هناك ضوضاء شديدة في المسجد؟ وكان ردّ دار الإفتاء كالتالي: اصطحاب الأطفال المميّزين إلى المسجد هو أمرٌ مستحبّ شرعا لتعويدهم على الصلاة، وتنشئتهم على حبّ هذه الأجواء الإيمانية التي يجتمع المسلمون فيها لعبادة الله تعالى؛ حتى يكون ذلك مكوّنا من مكونات شخصيتهم بعد ذلك، وذلك مع الحرص على تعليمهم الأدب، ونهيهم عن التشويش على المصلّين أو العبث في المسجد، على أن يكون ذلك برفق ورحمة، وأن يُتَعامَل مع الطفل بمنتهى الحلم وسعة الصدر من غير تخويف أو ترهيب له؛ فإن ردود الأفعال العنيفة التي قد يلقاها الطفل من بعض المصلّين ربما تُولّد عنده صدمة أو خوفا ورعبا من هذا المكان، والأصل أن يتربّى الطفل على أن المسجد مليء بالرحمات والنفحات والبركات، فيَكْبُر على حبّ هذا المكان ويتعلّق قلبه ببيت الله تعالى، كما جاء في حديث السبعة الذين يظلّهم الله في ظله؛ حيث ذَكَر النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم: “وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالمَسْاجِدِ”. وأمّا اصطحاب الأطفال الذين يُعلَم أو يغلب على الظن أن الواحد منهم لا يَنْكَفُّ عن التشويش وإلهاء المصلّين إذا نُهِيَ عن ذلك فهو أمرٌ مكروهٌ شرعًا؛ وذلك للحفاظ على جو الهدوء المطلوب شرعًا في المسجد لحصول الخشوع الواجب في أثناء الصلاة أو الخطبة، وللحفاظ كذلك على طهارة المسجد وسلامة محتوياته. وقد استدلّ العلماء على جواز إحضار الأطفال عموما إلى المساجد بأحاديث؛ منها ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلّي وهو حاملٌ أُمَامَةَ بنتَ زينبَ بِنْتِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري”: “واستُدِلَّ به على جواز إدخال الصبيان في المساجد”. وأخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ”. كما أخرج الأئمة أحمد وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم عن بريدة رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَخطُب؛ فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران، يَمْشيان ويَعثُران؛ فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر فحملهما؛ واحدا من ذا الشق، وواحدا من ذا الشق، ثم صعد المنبر فقال: “صدق الله: “إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ”؛ إني لَمّا نَظَرْتُ إلى هذين الغلامين يَمْشيان ويَعثُران لم أصبر أن قطعت كلامي ونزلتُ إليهما”. ومن هذه الأحاديث أخذ العلماءُ جواز إحضار الأطفال للمسجد، واستثنوا منهم من كان لا ينتهي عن التشويش على المصلين إذا نُهِيَ عنه، فبيّنوا مشروعية منعهم من دخول المساجد، على أن يكون ذلك المنع بالرفق والرحمة. قال الإمام الأُبِّي الأزهري المالكي في “جواهر الإكليل شرح مختصر خليل”: “وجاز إحضار صبي به لا يعبث ويكف عن العبث إذا نهي عنه؛ فإن كان شأنه العبث أو عدم الكف فلا يجوز إحضاره به؛ لحديث جنّبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم”. وقال الإمام الشوكاني في “نيل الأوطار”: “وفيه جواز إدخال الصبيان المساجد، وقد أخرج الطبراني من حديث معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “جنّبوا مساجدكم صبيانكم وخصوماتكم وحدودكم وشراءكم وبيعكم وجمروها يوم جمعكم واجعلوا على أبوابها مطاهركم”، ولكن الراوي له عن معاذ مكحول وهو لم يسمع منه، وأخرج ابن ماجة من حديث واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “جنّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع” وفي إسناده الحارث بن شهاب وهو ضعيف. وقد عارض هذين الحديثين الضعيفين حديث أمامة المتقدم وهو متفق عليه. وحديث الباب وحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “إني لأسمع بكاء الصبي وأنا في الصلاة فأخفف؛ مخافة أن تفتتن أمه”، وهو متفق عليه، فيجمع بين الأحاديث بحمل الأمر بالتجنيب على الندب كما قال العراقي في “شرح الترمذي”، أو بأنها تُنَزَّهُ المساجدُ عمن لا يُؤْمَنُ حَدَثُه فيها”. وقال العلامة الإمام النووي الشافعي في “المجموع شرح المهذب”: “قال المتولي وغيره: يكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد؛ لأنه لا يُؤْمَنُ تلويثُهم إياه، ولا يحرم ذلك؛ لأنه ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى حاملا أمامة بنت زينب رضي الله عنهما وطاف على بعيره، ولا ينفي هذا الكراهة؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم فعله لبيان الجواز فيكون حينئذ أفضل في حقه فإن البيان واجب”. وبناءً على ذلك؛ فإنه لا مانع شرعا من اصطحاب الصبيان المميّزين إلى المساجد لتعويدهم على الصلاة، وتنشئتهم على حبّ الأجواء الإيمانية، وأمّا مَن يُعلَم منهم عدم الانتهاء عن التشويش وإلهاء المصلّين فيُكره اصطحابهم إلى المساجد؛ حفاظا على مقصود الخشوع في الصلاة، مع الالتزام بالرفق وعدم العنف في إرشادهم إذا تمّ اصطحابهم.

 

المحور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى