الأخبار

مشروعات ”التعليم” الكبرى.. رؤى لم تكتمل

72

أحلام عديدة تمتلئ بها خطط وزراء التربية والتعليم المتعاقبين، كلمات رنانة عن إصلاح مستقبل التعليم في مصر تجعلك تشعر وكأنك في مدينة تعليمية فضلى يتخرج منها ملايين العباقرة، المتاح لهم كافة الإمكانات عام بعد عام، وفي لحظة ما تلتفت إلى الواقع فتجد سرابًا، وتتسائل أين المشروعات العظمى التي نقرأ عنها في وسائل الإعلام؟!.

حينما يشرع مسئول في بدء مشروع قومي، لا بد أن يضع نصب عينيه نقطة الوصول عند وقوفه على خط البداية، بما تتضمنه تلك المسافة من آليات تنفيذ، تحديات، خطط للتنفيذ، وأخرى بديلة، تضمن وصول المشروع إلى هدفه النهائي.

“مصراوي” سلط الضوء على ثلاثة مشروعات ضخمة خاضتهم وزارة التربية والتعليم خلال السنوات الخمس الماضية، كانت تنشد بها تحقيق نظامًا تعليميًا أفضل، بعد الاعتراف بأن التعليم المصري به العديد من نقاط الضعف التي تحتاج إلى تقويم، وتلك التجارب هي “مدارس المتفوقين STEM“، “التعليم التفاعلي”، و “مسابقة الـ30 ألف وظيفة“.

وبتتبع مسار هذه التجارب، اتضح أن التجارب لا تزال تعانى ويلات القرارات غير المدروسة، والتعديلات الوزارية المتعددة، إلى جانب أصحاب المصالح الذين يكون لهم رأيًا آخر أحيانًا، بحسب ما قاله لنا بعض خبراء التعليم.

مدارس المتفوقين

مشروع قومي يعد خطوة هامة جدًا في طريق الإصلاح التعليمي في مصر، فالحديث عن مدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا، يعني أن هناك نقلة نوعية في نظام التعليم المصري، حيث تعمل هذه المدارس وفقًا لنظام “STEM” وهو اختصار لـ ” Since Technology Engineering Math” وهو نظام تعليمي يجمع فيه الطالب بين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتعتمد فيه طريقة التعلم على البحث والتجريب، بحيث يكون الطالب هو مصدر المعلومة.

صدر القرار الوزاري بإنشاء أول مدرسة للعلوم والتكنولوجيا للبنين في مدينة السادس من أكتوبر عام 2011، في عهد الدكتور أحمد جمال الدين موسى، وزير التربية والتعليم الأسبق، وبعدها بعام تم افتتاح مدرسة أخرى للبنات في المعادي بالقاهرة.

وتخرجت أول دفعة من مدرسة البنين عام 2014، وكان عددها 85 طالبًا، وتوفر لهم نحو 80 منحة للدراسة بالخارج، حيث أن النظام المتطور للتعليم داخل تلك المدارس، يستدعي أن توفر له الدولة فرصًا للدراسة في الجامعات المتقدمة في مختلف أنحاء العالم.

وبعد نجاح تجربة إنشاء أول مدرستين، وتخريجهما طلابًا ينافسون بمشروعاتهم وابتكاراتهم الدول المتقدمة، شرعت وزارة التربية والتعليم في إنشاء مدرسة للعلوم والتكنولوجيا في كل محافظة، وكانت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتوسع في بناء هذا النوع من المدارس.

ومع العام الدراسي 2015/ 2016، افتتحت وزارة التربية والتعليم 7 مدارس في 7 محافظات هم: الإسكندرية، الدقهلية، أسيوط، كفر الشيخ، الإسماعيلية، البحر الأحمر، والأقصر، ومن هنا بدأت المشكلات.

من ضمن المشكلات التي ظهرت، التكلفة العالية لإنشاء هذا النوع من المدارس، حيث إن هذه المدارس “داخلية” تحتاج إلى مقار لإقامة الطلاب، إضافةً إلى تكلفة تجهيز المعامل المرتفعة، ونتيجة لقرار الوزارة بإنشاء 7 مدارس في فترة زمنية قصيرة، بدأ طلاب هذا العام الدراسة دون وجود مقار إقامة ولا معامل في بعض المدارس، الأمر الذي أدى إلى خروج تظاهرات غاضبة من قبل أولياء الأمور.

مشكلة أخرى عبرت عن عدم إلمام الوزارة بمتطلبات التجربة الجديدة، وهي مشكلة المنح، حيث تزايد عدد الطلاب الخريجين من هذه المدارس مع إنشاء مدرسة البنات، ووصل لنحو 250 طالب وطالبة، مع ثبات عدد المنح الموجهة لكليات العلوم والهندسة، مما يعني عدم استيعاب المنح لمعظم الطلاب، والتحاق الطلاب الراغبين في كليات الطب؛ بالجامعات الحكومية المصرية، والتي يرتفع مستوى مدارس المتفوقين عن مستواها. بحسب آراء بعض طلاب تلك المدارس.

لا تنفي المشكلات السابقة عظم فكرة إنشاء مدارس المتفوقين، ولكن غياب الرؤية قد يؤدي إلى ضياع مجهودات الدولة، فعدم توافر المنح، وتطبيق نظام التوزيع الجغرافي على الطلاب خريجي تلك المدارس، والتوسع في إنشائها بشكل سريع، يجعل الدولة عرضة لفقدان الموهوبين الذين أنفقت عليهم الكثير، لأنهم لن يستكملوا مسيرتهم التعليمية بنفس المستوى الذي اعتادوا عليه.

التعليم التفاعلي

مع العام الدراسي2012/2013، بدأت وزارة التربية والتعليم تجربة “التعليم التفاعلي في المدارس” في عهد الدكتور إبراهيم غنيم، وزير التربية والتعليم الأسبق، حيث قررت الوزارة استبدال الكتاب المدرسي بالكمبيوتر اللوحي أو “التابلت”، وطُبق هذا النظام لأول مرة ضمن ثلاثة مشروعات هم: مشروع بعنوان “تواصل” في بعض مدارس القوميات للغات، مشروع لبعض المدارس التجريبية بمنحة هندية، ومشروع طُبق في 20 مدرسة حكومية، تحت إشراف وزارة البحث العلمي.

ومع حلول عام 2013/ 2014 في عهد الدكتور محمود أبو النصر، تم تطبيق التجربة على طلاب الصف الأول الثانوي والفني بـ13 محافظة حدودية هي: شمال سيناء، جنوب سيناء، البحر الأحمر، مرسى مطروح، أسوان، الوادي الجديد، السويس، الإسماعيلية، بورسعيد، دمياط، سوهاج، قنا، والأقصر.

وكانت رؤية الوزارة حينها، إحداث نقلة نوعية في نظام التعليم، حيث يستقبل الطالب محتوى الكتب المدرسية على جهازه الخاص، ويجري واجباته المنزلية من خلاله، وكذلك الامتحانات، وتكون هناك شبكة تواصل بين المعلم والطلاب وولي الأمر من خلال تلك الأجهزة.

لم تعِ الوزارة تبعات استخدام الأجهزة اللوحية في العملية التعليمية، خاصة أن بعض المحافظات التي تم توزيع الأجهزة عليها لا تتوافر بمدارسها شبكات الانترنت، هذا بالإضافة إلى غياب المتابعة لإصلاح الاجهزة المتعطلة، وتحميل المناهج الجديدة عليها، وتدريب المعلمين على استخدام “السبورات الذكية”، الأمر الذي دفع الطلاب؛ للمطالبة بعودة الكتاب المدرسي، وتحويل جهاز “التابلت” إلى “لعبة”.

وانتهى مصير تجربة “التعليم التفاعلي” بقضية رُفعت ضد الدكتور محمود أبو النصر وزير التربية والتعليمالأسبق، أمام النيابة الإدارية، تتهمه فيها بإهدار مئات الملايين من الجنيهات، ورغم إصدار النيابة الإدارية قرارًا بحفظ القضية إداريًا واستبعاد شبهة جرائم العدوان على المال العام، إلا أن المشروع لا يزال متوقفًا.

يقول أيمن البيلي الخبير التعليمي، إن سبب توقف مشروع “التعليم التفاعلي” هم أصحاب المصالح ورأس المال، حيث بدأت التجربة بالمدارس الحكومية، الأمر الذي اعترض عليه أصحاب المدارس الخاصة، وتدخلوا لدى الحكومة، مهددين بإغلاق مدارسهم.

وأضاف أن شراء أجهزة “التابلت” تم بالاتفاق المباشر مع جهاز مشروعات الخدمات الوطنية بوزارة الدفاع، الأمر الذي أغضب بعض أصحاب رؤوس الأموال، هذا بالإضافة إلى رفض بعض أباطرة الدروس الخصوصية للتجربة التي تحول المعلم من “ملقن”، إلى “ميسر” ما يجعل الطالب لا يحتاج للدروس الخصوصية.

وتساءل طارق نور الدين، معاون وزير التربية والتعليم السابق، عن عدم استكمال الوزراء -الذين خلفوا أبو النصر- للتجربة، بعد تبرئة النيابة الإدارية لها من المخالفات، خاصة في ظل إطلاق الرئيس السيسي لمشروع “بنك المعرفة”، الذي يعتمد بشكل أساسي على الانترنت.

مسابقة الـ30 ألف معلم

لا تعتبر المسابقة مشروعًا جديدًا تنفذه التربية والتعليم، ولكنها كانت حلًا للعجز الذي تعاني منه بعض المدارس من حيث عدد المدرسين، وعودة لنظام إجراء المسابقات المؤهلة؛ للحصول على الوظائف، بدلًا من نظام التعيين الذي تشوبه الوساطة والمحسوبية.

أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن مسابقة الـ30 ألف وظيفة، خلال مشاركته بأعياد المعلم في سبتمبر عام 2014، باتفاق مع الدكتور محمود أبو النصر؛ لتقليل العجز الذي وصل إلى 55 ألف معلم، وحتى كتابة هذه السطور لا يزال بعض المتقدمين لتلك المسابقة يعانون عواقب غياب الرؤية عن متخذي القرار بالوزارة، وتعاقب 3 وزراء على المسابقة هم: محمود أبو النصر، محب الرافعي، والهلالي الشربيني، وحتى الآن لم تُعين الوزارة سوى 25000 معلمًا فقط.

يقول طارق نور الدين، إن رغبة المسئولين في تنفيذ توجيهات الرئيس السيسي بشكل سريع، وتعامل الوزارة بمركزية شديدة مع المسابقة، بحجة تكافؤ الفرص بين المتقدمين هو الذي تسبب في الأزمات التي نتجت عن المسابقة، منها تغريب 11 ألف معلم عن محافظاتهم.

واعترف الدكتور الهلالي الشربيني وزير التربية والتعليم الحالي، بخطأ إدارة المسابقة من خلال الوزارة منذ البداية، حيث كان يتعين تنفيذها بشكل لامركزي، من خلال المديريات التعليمية، وفقًا لنسبة العجز بكل محافظة قائلًا: “لو كنت في الوزارة ساعتها كنت نفذت المسابقة على مستوى المحافظات”.

الإرادة السياسية

يقول الدكتور كمال مغيث، الخبير التعليمي، إن السبب الرئيسي لفشل المشروعات العظمى التي تشرع وزارةالتربية والتعليم في تنفيذها، عدم وجود إرادة سياسية، تقف وراء إصلاح المنظومة التعليمة، ما يجعل تلك المشروعات تسير بالقصور الذاتي للوزراء المتعاقبين ومن خلال “الشو” الإعلامي.

وأضاف مغيث، أن الإرادة السياسية تذلل الصعاب التي تواجه أي مشروع، ودونها تفشل أي تجربة لأنها تكون معلقة في الهواء ومرتبطة بشخص الوزير، وتأتي كمجرد حلول جزئية لمشاكل مؤقتة دون رؤية كاملة للمنظومة التعليمية.

وتابع، بأن الحكومات تختار الوزير لأنه “طيب والأمن موافق عليه”، وبالتالي فهو “سد خانة” لا يملك رؤية يستطيع الحفاظ عليها وإيصالها لمن بعده لكي يكملها، قائلًا: “الوزير بيجي يستمتع وياخد مرتب ومعاش وزير ويمشي”.

وطالب مغيث، بضرورة أن يقف رئيس الجمهورية خلف المشروعات القومية لتطوير التعليم لتذليل العقبات، وزيادة نسبة الإنفاق على التعليم قائلًا “7% و10% كلام فارغ”، بالإضافة إلى تشكيل مجلس قومي للتعليم يختص بكل ما يتعلق بالعملية التعليمية ويضع خطة ثابتة للوزارة؛ حتى نكون في مأمن من تغيير الوزراء.

ولفت أيمن البيلي، الخبير التعليمي، إلى أن وزارة التربية والتعليم يحكمها مجموعة من اللواءات ممن يتصارعون حول الاختصاصات، منوهًا إلى أن مركز اتخاذ القرار داخل الوزارة يدار بالمحسوبية، ما يجعله بؤرة للفساد والعبث والمجاملات، أما الحديث عن التطوير أو الإصلاح؛ فعلينا أن نبحث عنه في مكان آخر غير هذا المكان المسمي بديوان الوزارة، وفق قوله.

 مصراوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى