الأخبار

حجة رئيس الوزراء صحيحة شرعا

166

 

لا يزال المتنطعون فى دين المصريين متوغلين بألسنتهم الحداد وأنيابهم السامة فى بعض وسائل الإعلام والأوساط الشعبية فى محاولات يائسة لإفساد المجتمع باختلاق الفتن الدينية المنظمة أو الممنهجة. وكان حسن ظنى فيهم أنهم استوعبوا الدرس يوم أن صفعوا بالضربة القاضية فى الثلاثين من يونيو 2013م بخروج الشعب المصرى الأبى معلنًا رفضه لكل صور التنطع أو الوصاية الدينية إلا أن ما حدث فى أعقاب عودة السيد رئيس الوزراء ومن معه بعد أدائهم لفريضة الحج هذا العام وإدراكهم لصلاة عيد الأضحى مع المصريين قد دل على إصرار المتنطعين والسفهاء فى العودة لممارسة الوصاية الدينية من جديد دون خشية الله الذى نهى عن سوء ظن إنسان بصاحبه فى قوله تعالى: “ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا”(النساء:94)، ودون الردع من وعيد النبى صلى الله عليه وسلم لمن يتدخل فى شؤون الآخرين كما أخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “هلك المتنطعون”. قال أبو داود والخطابى وغيرهما: “إن المتنطع هو المتعمق فى الشئ المتكلف للبحث عنه الخائض فيما لا يبلغه عقله المجاوز للحد فى أقواله وأفعاله”. لهذا كان من الواجب على أصحاب الأقلام الشريفة والكلمة الصادقة مواجهة هؤلاء المتنطعين لقطع دابرهم حتى يكون الدين لله كما أمر فى قوله سبحانه: “وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله”(الأنفال:39)، وحتى يسترد المصريون حقهم الشرعى المنهوب سنين طويلة فى الاختيار الفقهى عند تعدد مذاهب المجتهدين كما أخرج أحمد بإسناد حسن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لوابصة بن معبد: “استفت قلبك استفت نفسك وإن افتاك الناس وأفتوك”، وقال لأبى ثعلبة الخشني: “وإن أفتاك المفتون”

محلب

يتجاهل المتنطعون انفكاك الارتباط بين البشر فى الدين حتى لا يعطل أحدهم الآخر فى الارتقاء إلى الله بالقلب والإخلاص وليس بالعلم أو الحفظ، وحتى لا يتسيد أحد على صاحبه فى عبادة الله كما أخرج ابن عدى فى “الكامل” عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “كل بنى آدم سيد”. فما يراه فقيه دينًا بصفة الوجوب قد يراه فقيه آخر دينًا بصفة الاستحباب، ومن حق عموم الناس اختيار الرأى الفقهى الذى يريحهم ويجمع بين مصالحهم دون وصاية متنطع أو دون مزايدة سفيه، فالدين يتسع للجميع إذ كل اجتهاد مهما كثر عدد القائلين به يوصف بالصواب الذى يحتمل الخطأ، أو يوصف بالخطأ الذى يحتمل الصواب. وحتى لا يغتر بعض البسطاء من شغب السفهاء والمتنطعين الذين افتروا فتنة التشكيك فى نسك بعض الحجيج هذا العام فإننى أوجز الرسائل الخمس التالية: أولًا: التفتيش الدينى والحكم على عبادة الآخرين من غير استفتاء منهم وطلبهم النصح افتئات واعتداء على آدميتهم وكرامتهم المصونة من السماء فى قوله تعالى:” ولقد كرمنا بنى آدم”(الإسراء:70)، ومن مقتضى هذا التكريم عدم التدخل فى شؤون الآخرين الديانية؛ لقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعًا فينبئكم بما كنتم تعملون”(المائدة:105). ثانيًا: الحج عرفة فمن فاته الوقوف به فقد فاته الحج، ومن أدركه أمكنه أن يتمه فى كل وقت فى الجملة؛ لما أخرجه أبو داود والترمذى والحاكم بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن يعمر الديلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “الحج عرفه. من جاء ليلة جمع(ليلة عيد الأضحى) قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج”. ثالثًا: طواف الحج والذى يسمى بطواف الإفاضة يكون بعد الوقوف بعرفة دون تحديد زمن خاص له فلا يوجد مانع شرعى من طوافه بعد العشاء من يوم عرفة؛ لظاهر قوله تعالى:”فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين. ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس”(البقرة:198-199). ويخطئ من يجزم بعدم صحة طواف الإفاضة إلا بعد نصف الليل، أو بعد الفجر، أو بعد شروق شمس العيد؛ لعدم النهى عن ذلك. بل مع ثبوت هذا الاحتمال فى ظاهر النص القرآنى سالف الذكر، وما أخرجه أحمد والترمذى بإسناد صحيح عن على بن أبى طالب أن رجلًا قال: يا رسول الله، أفضت قبل أن أحلق؟ فقال صلى الله عليه وسلم : “احلق ولا حرج”. وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رجلًا قال: يا رسول الله، أفضت قبل أن أرمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم : “ارم ولا حرج”. وحتى من نسى طواف الإفاضة فيغنيه طواف القدوم عند طائفة من أصحاب الإمام مالك، كما يغنيه طواف الوداع عند جمهور العلماء، كما نص على ذلك ابن رشد فى “بداية المجتهد”. رابعًا: لا يوجد ركن آخر متفق عليه فى الحج سوى الوقوف بعرفة والطواف بعد نية الإحرام التى يراها الجمهور ركنًا ويراها الحنفية شرطًا. حتى السعى بين الصفا والمروة الذى يراه الجمهور ركنًا فى النسك وجدنا الحنفية وبعض الشافعية والحنابلة يرونه واجبًا يجبر تركه بغرامة هدى لفقراء الكعبة مع الحكم بصحة نسك الحج أو العمرة بدونه. بل ذهب الإمام أحمد فى رواية وهو ما روى عن ابن عباس وأنس بن مالك إلى أن السعى فى نسك الحج أو العمرة سنة فمن تركه صح نسكه ولا هدى عليه؛ لظاهر قوله تعالى: “إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما”(البقرة:158)، فلم يفرض الله السعى على الناسك وإنما رفع عنه الحرج أن فعله. وهذا دليل على عدم لزومه عند أصحاب هذا القول. وأما رمى الجمار فليس من فرائض الحج أو أركانه بالإجماع إلا رمى جمرة العقبة الكبرى يوم النحر الذى يراه الزهرى والظاهرية ركنًا، ويراه أكثر أهل العلم من الواجبات وليس من أركان الحج فمن تركه غرم هدى إلى فقراء الكعبة مع القول بصحة النسك. ويرى جمهور الفقهاء مشروعية التوكيل فى رمى الجمار للعذر الذى يقدره صاحب النسك وليس الذى يقدره أحد أوصياء الدين، وفى حال التوكيل بالرمى لا يغرم الناسك الهدي. وهذا بخلاف مذهب المالكية الذى لا يعترف بالتوكيل فى الرمى فيوجب على كل المتخلفين عن الرمى غرامة هدى إلى فقراء الكعبة حتى ولو كانوا مرضى مقعدين. خامسًا: سيف الأوصياء المتنطعين الخادع بمحاكاة النبى صلى الله عليه وسلم فى نسكه عملًا بما أخرجه مسلم عن جابر قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يرمى على راحلته يوم النحر ويقول: “لتأخذوا مناسككم، فإنى لا أدرى لعلى لا أحج بعد حجتى هذه”. هذا سيف يعتمد على باطل كما قال الإمام على للخوارج عندما رفعوا عليه شعار الحاكمية لله، فقال عن ذلك إنها “كلمة حق يراد بها باطل”. أن قول النبى صلى الله عليه وسلم : “لتأخذوا مناسككم” يعنى لتتعلموا منى المناسك فتعرفوا ما يجوز وما يستحب وما يجب وما يكون فرضًا أو ركنًا، وليس يعنى التشبه الحرفى بفعل النبى صلى الله عليه وسلم وإلا لكان رمى الجمار لا يكتمل إلا على الراحلة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، والذبح لا يكتمل إلا فى المكان الذى ذبح فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أن الوقوف بعرفة لا يكتمل إلا فى المكان الذى وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، والنسك لا يكتمل إلا بالصفة التى فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم من الإفراد أو القران أو التمتع. وكل هذا باطل؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم فتح باب الاختيار للحجاج ولم يلزمهم بالصفة التى حج بها فقد أخرج الشيخان عن عائشة قالت: “خرجنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج”. وأخرج مسلم عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “نحرت هاهنا ومنى كلها منحر، فانحروا فى رحالكم. ووقفت هاهانا وعرفة كلها موقف. ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف”. وأخرج الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف فى حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ فقال: “اذبح ولا حرج”. فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ فقال: “ارم ولا حرج”. فما سئل عن شئ قدم ولا أخر إلا قال: “افعل ولا حرج”. بئس المتنطعون الذين جعلوا من الشعار النبوى فى الحج” افعل ولا حرج” نكدًا وفتنة للناس. وربما نشفق عليهم أنهم ينتحرون بحقدهم وسواد قلوبهم كلما علموا تنزل رحمة الله ومغفرته لعباده فى عرفة خاصة وقد وافق يوم جمعة، فقد أخرج مالك فى ” الموطأ” عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “ما رؤى الشيطان يومًا هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه فى يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما أرى يوم بدر”. وعنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل الأيام يوم عرفة وافق يوم جمعة، وهو أفضل من سبعين حجة فى غير يوم جمعة”. يا حجاج بيت الله حمدًا لله على سلامة عودتكم، وهنيئًا لكم بفضل الله عليكم كما أخرج البخارى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”، وأخرج الديلمى عن البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “من حج ولم تقبل حجته شكر الله له زيارة الكعبة”. وأما من نسى من الحجاج شيئًا من النسك أو أخطأ فيه فسلواه فيما أخرجه ابن ماجه والحاكم عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله تعالى وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”، واقرأوا على الحاقدين قول الله تعالى: “ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم أن الله عليم بذات الصدور. أن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا أن الله بما يعملون محيط”(آل عمران:119-120).

 

اليوم السابع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى