الأخبار

محادثات جنيف: 9 ساعات من المصاعب و«الأمل»

China's Foreign Minister Wang, U.S. Secretary of State Kerry, Russia's Foreign Minister Sergei Lavrov and Iran's Foreign Minister Zarif attend the Iran nuclear talks at the Palais des Nations in Geneva

انتهت يوم الإثنين 23 شباط (فبراير) في جنيف محادثات صعبة ومهمّة وكثيرة القيود بين كبار المسؤولين الإيرانيّين والأميركيّين. وعلى ما يبدو، يعمل المتفاوضون للتوصّل إلى اقتراح، يمكن اعتباره مستنداً يمهّد السبيل أمام التوصّل إلى اتّفاق، ويوفّر إطار عمل للتطرّق إلى كل تفاصيل الحياة السياسيّة والتقنيّة في المفاوضات. ولا بدّ للقادة من أن يتوصّلوا إلى قرار في شأن المستند المذكور بحلول نهاية آذار (مارس)، فيشكّل انطلاقةً نحو مزيد من المحادثات الهادفة إلى بلوغ اتّفاق شامل بحلول المهلة النهائيّة في 21 تمّوز (يوليو) المقبل.

وقد اتّضح اليوم أنّ التوصّل إلى أيّ اتّفاق يشمل مراحل منفصلة سيكون مستحيلاً، بعد أن قدّم القائد الأعلى للدولة الإيرانيّة، آية الله علي خامنئي، اعتراضاً علنيّاً على مرحلتين من الاتفاق، وطلب من المتفاوضين الاكتفاء باتّفاق واحد، خلال مرحلة واحدة يتناولون خلالها الأمور السياسيّة والتقنيّة على حدّ سواء.

وبالنظر إلى هذا التقييد، يعمل الطرفان الآن على مراحل الاتفاق، على أن ينجح المتفاوضون، بحلول المهلة النهائيّة الأولى في 24 آذار، في إعداد اتفاقية إطار عمل تكون جاهزة وتشكّل أساساً للمحادثات التي ستبقى متواصلة حتّى نهاية حزيران (يونيو) المقبل.

واللافت أنّ المسؤولين الإيرانيّين، ونظراءهم الأميركيّين الذين اجتمعوا لأكثر من تسع ساعات يوميّاً، من الخميس 19 شباط إلى الإثنين 23 منه، عملوا بحماسة ليثبتوا أنّ بلوغ النتائج ممكن بحلول المهلة النهائيّة الأولى، مع أنّ الطرفين أشارا إلى أنّ الطريق لا يزال طويلاً للتوصّل إلى الاتّفاق.

وتُعتَبر المهلة النهائيّة الأولى، الواقعة في 24 آذار، بالغة الأهمّية بالنسبة إلى الرئيس أوباما، الذي يريد أن يثبت للكونغرس الأميركي بأنّه يتمّ إحراز تقدّم في المحادثات، فيمنعه عن فرض عقوبات جديدة على إيران بحلول نهاية مارس، وهي المهلة النهائيّة التي فرضها الكونغرس على الرئيس أوباما.

ويفيد الطرفان بأنّه في حال عدم التوصّل إلى اتّفاق بحلول المهلة النهائيّة الأولى، لن تعود مواصلة المحادثات ضروريّة، لا سيّما أنّ إيران تهدّد بالانسحاب من المفاوضات إن فرض عليها الكونغرس عقوبات جديدة، وأنّه عليها أن تثبت، بعد سنة ونصف السنة من المحادثات، أنّ البرنامج النووي الإيراني توقّف، وأنّ البلاد ما عادت قادرة على إنتاج أسلحة نوويّة.

وعلى خلفيّة مصدرَي الضغوط أعلاه المفروضَين على إيران والولايات المتّحدة، ارتقى المتفاوضون بمستوى المحادثات، وعينوا خبراء تقنيين رفيعي المستوى في المحادثات التي جرت مؤخراً في جنيف، والتي شارك فيها ممثل من «منظّمة الطاقة الذرية الإيرانيّة»، ووزير الطاقة الأميركي ممثّلاً الولايات المتّحدة. وبالتالي، تمّ الارتقاء بمستوى المحادثات، ولكنّها لم تشكّل بالضرورة إثباتاً على أنّ الطرفين يوشكان على التوصّل إلى رسم خطوط عريضة أو إلى إبرام الاتفاق.

وأقرّ مسؤول أميركيّ، كان أعطى معلومات عن خلفيّات ما يجري للصحافيّين الأميركيّين في جنيف، بوجود ضغوط مفروضة على الطرفين. وورد من مكتب مسؤولين أميركيّين كبار امتنعوا عن كشف هويّتهم: «نشعر جميعاً بالضغوط ولكنّها لا تحثّنا على الاستعجال». وعاد المتفاوضون إلى عاصمتَي بلادهم مساء يوم الإثنين، ربّما بهدف التشاور قبل العودة إلى سويسرا يوم الإثنين في 2 آذار، للمشاركة في جولة أخرى من المحادثات.

وخلال سنتين ونصف السنة من المحادثات، أي بالتحديد منذ أن تولّى حسن روحاني سدّة الرئاسة، ظهرت مرّتين على الأقل آمال بالتوصّل الوشيك إلى اتّفاق نووي، مع العلم أنّه تمّ توقيع اتفاق مرحليّ أوّل في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 في جنيف، وكان هدفه التوصّل إلى اتّفاق شامل في غضون ستّة أشهر. وقد تمّ تمديد الاتفاق المرحلي المذكور مرّتين منذ ذلك الحين، والآن بدا واضحاً للإيرانيّين والأميركيّين إذا لم ينجحوا في التوصّل إلى اتّفاق، لن يكون من الضروريّ تمديد المحادثات مجدّداً، وسيكون مصيرها الانهيار.

ولا شكّ في أنّ الثمن السياسي لفشل من هذا القبيل سيكون باهظاً للطرفين، ولا سيّما لحسن روحاني، الذي راهن في هذه المحادثات وخاطر بمسيرته السياسيّة كلّها بعدما وعد الشعب بإيجاد حلّ للمسألة، فتمّ انتخابه رئيساً للبلاد. واليوم، تبقى سمعة روحاني وإدارته السياسيّة مرهونتين بهذه المحادثات وبنتائجها. وهو فاز في الانتخابات في صيف العام 2013، بعد أن وعد شعبه بإنهاء الملفّ النووي العالق منذ عشر سنوات، وبتحسين الاقتصاد المشتت، وبوضع حدّ للعزلة الدولية وبإعادة الكرامة الوطنيّة لجميع الإيرانيّين. وبالتالي، أبرز لشعبه مفتاحاً، وأكّد له أنّه قادر على فتح كل الأبواب المقفلة.

يشهد الاقتصاد تحسّناً بطيئاً منذ أن تمّ التوصّل إلى الاتفاق المرحلي، وازدادت مستويات التضخّم، ولكنّ العقوبات الراهنة لا تزال تُلحق الضرر باقتصاد البلاد، ومع الهبوط الحاد لأسعار النفط في السوق الدولية، ستواجه إيران تداعيات اقتصاديّة قاسية إن تعذّر عليها ضمان اتّفاق مع الغرب، وستُفرَض عليها عقوبات جديدة.

ومن شأن عقوبات جديدة، ستكون في هذه المرّة أكثر قسوةً، أن تشلّ الاقتصاد الإيراني الهش تماماً، وأن تقوّض مسيرة روحاني السياسيّة إلى الأبد.

ومن المتوقّع أن تجرى الانتخابات النيابيّة خلال السنة المقبلة، علماً أنّ رهانات المُصلحين ستكون عالية فيها إذا نجح روحاني في التوصّل إلى الاتفاق، على أن تليها انتخابات رئاسيّة في العام 2017، وقد يخسر روحاني والمصلحون أمام المتشدّدين إن تكبّدوا الفشل في المفاوضات.

يُعتبَر انتخاب روحاني لعهد رئاسيّ ثانٍ مرتبطاً بنجاحه في المحادثات مع الولايات المتّحدة وقوى الغرب. ففي حال انهارت المحادثات، لن نعرف إن كان الطرفان سيعودان إلى طاولة المفاوضات في وقت قريب، وسط الاستعدادات الأميركيّة لخوض انتخابات في العام 2016، وازدياد صعوبة العودة إلى التفاوض على خلفيّة جولة جديدة من العقوبات.

لا نعرف ما هي حدود مرونة القائد الأعلى الإيراني، ولكنّنا لن ننتظر كثيراً لنعرف، بالنظر إلى أنّ الطرفين حدّدا موعداً لاجتماعين آخرين قبل حلول المهلة النهائيّة في آذار. ويُعتبر الاتفاق على أطر العمل دليلاً على أنّ القائد الأعلى شعر بالضغط الذي يمارسه عليه شعبه، الذي يتابع المحادثات بحماسة كبيرة، ليعرف إن كان عيد نوروز سيعطيهم سبباً مزدوجاً للاحتفال، مع حلول رأس السنة ونجاح المحادثات مع الولايات المتّحدة، علماً أنّ الاجتماع مقرّر الإثنين، في 2 آذار.

 

الحياة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى