الأخبار

توازن القوى هو الحل

 

132

 

 

هل لمصر رؤية استراتيجية فى الشرق الأوسط؟ الإجابة لا. وربما المرة الأخيرة التى كان لنا استراتيجية كبرى أو ما يعرف بـ Grand Strategy نتحرك وفقا لها فى المنطقة هى فى فترة الرئيس عبدالناصر وفى إطار ما عرف بالقومية العربية، والتى كان لها إنجازاتها وعثراتها. بعد ذلك غاب الهدف الاستراتيجى الذى نتحرك فى إطاره، وغلب على سلوكنا الإقليمى الطابع التكتيكى والقصير الأمد.

نحتاج اليوم بالتأكيد إلى رؤية استراتيجية جديدة ترشدنا الطريق، وتتعامل مع تنوع الأفكار التى بدأت تظهر على الساحة، ومنها مفهوم «مسافة السكة» الذى صكه الرئيس السيسى، وحديثه الأخير عن أن مصر لن تسمح «لأى قوى تسعى لبسط نفوذها أو مخططاتها على العالم العربى بأن تحقق مآربها».

أول خطوة لبناء الاستراتيجية الجديدة هى الاعتراف بالواقع الموجود على الأرض، وأحد حقائقه أن المنطقة أصبحت بالفعل مجالا لهيمنة ونفوذ دولتين إقليميتين هما إيران وتركيا. إيران تؤثر على القرار فى أربع عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وتستخدم نفوذها على الأقليات الشيعية فى الخليج لتقويض الاستقرار بدوله. أما تركيا فسجلها معروف فى مساندة تيار الإسلام السياسى والمشاركة الفعالة فى تغيير النظم العربية خاصة فى ليبيا وسوريا. وتسعى تركيا الآن للعودة للمنطقة من خلال بوابة الخليج، وتطرح نفسها كحليف استراتيجى وكوسيط لحل نزاعات المنطقة.

إيران وتركيا تستفيدان بالتأكيد من حالة الضعف والتمزق التى تسود العالم العربى، ولكن كليهما يملك أيضا العديد من مصادر القوة التى تمكنه من بسط النفوذ والهيمنة. تركيا تملك قوة عسكرية هائلة وعضو فى حلف شمال الأطلنطى، واقتصادها ترتيبه السابع عشر على العالم، وتروج من خلال قوتها الناعمة لمشروع سياسى وثقافى تعتبره نموذجا للعرب. أما إيران، وبالرغم من العقوبات الدولية، فقامت بتطوير قدراتها العسكرية، ووفقا لإحصائيات حديثة نشرتها مجلة «الإيكونومست» ارتفع متوسط دخل الفرد بها من 4400 دولار عام 1993 إلى 13200 دولار فى العام الماضى، واتسع حجم الطبقة المتوسطة، وارتفعت معدلات التعليم لتصبح مماثلة للدول الغربية، وازداد الإنتاج العلمى بنسبة 575٪ خلال العقد الأخير، وتنشر إيران ما يعادل ثلاث مرات الكتب التى تنشرها الدول العربية مجتمعة.

نفوذ إيران وتركيا فى المنطقة يأتى بالتأكيد على حساب النفوذ والدور المصرى ويأكل منه، والحل هو تبنى مصر لاستراتيجية «توازن القوى» Balance of Powers تجاه هاتين الدولتين. توازن القوى هو استراتيجية معروفة وطبقت بنجاح فى العديد من مناطق العالم لكبح جماح القوى الصاعدة. وتبنى مصر لها لا يعنى النظر لتركيا أو إيران على أنهما عدو، ولكن تعنى الاعتراف بأنهما خصمان أو منافسان للدور المصرى بالمنطقة، وتتيح رؤية استراتيجية للتعامل معهما ومع المنطقة.

ولكن نجاح مصر فى تبنى استراتيجية توازن القوى يتطلب ثلاثة شروط، أولها الاستمرار فى تطوير القوة العسكرية المصرية، وثانيها إعادة بناء الاقتصاد، وأخيرا تنمية القوة الناعمة ليس بطريقة زيادة القنوات الفضائية وكتائب الإعلاميين فكلها أدوات تفتقد المضمون، ولكن من خلال تبنى مشروع سياسى جذاب ينافس المشروعين التركى والإيرانى.

تحركنا فى المنطقة يجب أن يستند لإطار واضح وطويل الأمد وليس تصرفات متفرقة ومؤقتة. وتوازن القوى يمثل الحل والاستراتيجية الأمثل لتحقيق ذلك.

[email protected]

 

 

المصرى اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى