الأخبار

بالصور..حفل افتتاح قناة السويس 1869:

181

 

كان افتتاح قناة السويس للملاحة في 17 نوفمبر 1869 حدثا عالميا، وأراد الخديوي إسماعيل الظهور بمظهر العظمة أمام الملوك والأمراء والسفراء، حيث وجه دعواته لممثلي الصحافة العالمية، ورجالات العلوم والفنون والتجارة والصناعة، ليشاهدوا احتفالات افتتاح قناة السويس التي لم يسبق لها نظير في العالم في ذلك الوقت، ويؤكد على أن هذا المشروع العملاق، يُعد امتدادًا لانجازات الإنسان المصري والتي تتجاوز العصور.

كلّف الخديوي إسماعيل الرسام «إدوارد ريو»، باعداد كتاب يهدية للملوك وعظماء المدعوين الذين حضروا الاحتفالات، وكان ذلك لتذكير أصحاب الرؤوس المتوجة بحفلات بهرتهم بروعتها ودقة تنظيمها، وأراد بهذا الكتاب توثيق حدث فريد، ليحتل مكانة مرموقة في سجل ذاكرة العالم، فكان كتاب «افتتاح قناة السويس..رحلة الملوك»، والذي قامت وزارة الثقافة بترجمته عن النسخة الفرنسية تحت نفس العنوان.

احتفالات قناة السويس 1869‎

وبحسب كتاب «افتتاح قناة السويس..رحلة الملوك»، قبل يوم من افتتاح قناة السويس في 16 نوفمبر 1869 كان الاحتفال الديني، الذي تم تنظيمة بإيعاز من الخديوي إسماعيل، وأشرف على تنظيم الحفل «لاروش»، مهندس الشركة في بورسعيد، حيث تم تشييد 3 منصات على شاطئ بورسعيد، المنصة الأولى تواجه البحر، وكانت مخصصة لأصحاب التيجان والأمراء والعواهل، والمصتان الأخيرتان تقابل إحداهما الأخرى، فإلى اليسار منصة لرجال الدين الإسلامي، وإلى اليمين منصة لرجال الدين المسيحي.

في يوم الثلاثاء 16 نوفمبر عند الساعة السابعة صباحا، دخلت مرفأ بورسعيد، المدرعة الألمانية المقلة البرنس فريدريك فلهلم ولي عهد بروسيا، فانطلقت المدافع من كل السفن الحربية الراسية احتفاء بوصول جلالته، واستقبلة الخديوي إسماعيل استقبالا حافلا، وفي الأفق ظهرت مجموعة مكونة من أكثر من 20 سفينة عن بعد من بينها «بيلوزيوم»، أحد أجمل بواخر شركة مراسلات الإمبراطورية، وتحمل على ظهرها أعضاء مجلس إدارة الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، واقتربت من الأرصفة.

احتفالات قناة السويس 1869‎

وما كادت المدافع تسكت، إلا وعادت إلى الدوي باستمرار، وتضاعف عدد طلقاتها تضاعفًا ارتجت له السماء والأرض وأعماق البحار، وإذ باليخت «إيجل» الذي يقل الإمبراطورة «أوجيني»، وكانت واقفة على ظهر السفينة يحف بها كبار نبلاء الدولة وقريناتهم، وجميع وصيفاتها، وكانت قد ذهبت من مصر إلى الإسكندرية ومنها إلى بورسعيد، حيث أتت إلى مصر في الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر قبل بدء الاحتفالات، ودخل اليخت «إيجل» الحوض الكبير الذي كان مزدحما لدرجة يبدو معها مستحيلا إتاحة مكان لحشد القادمين، وكانت هناك أكثر من 80 سفينة في مشهد ضخمًا وجليًا، بينما اصطفت أكثر من 50 بارجة حربية في الميناء ترفرف عليها جميع أعلام الدول الأوربية، وذهب إليها الخديوي إسماعيل وهنأها بسلامة الوصول، وأكد لها أن وجودها خير ما يتفاءل به،وأعرب لها عن شكرة وارتياحة لتفضلها بقبول دعوته.

احتفالات قناة السويس 1869‎

وعزفت الموسيقى اللحن الوطني الفرنسي، وظهر العلم الفرنسي وسط أعلام وأسلحة النمسا والمجر، وتقدمت الأمبراطورة أوجيني الموكب وقد أمسكت بذراع الإمبراطور فرانسوا جوزيف إمبراطور النمسا، وجائت أميرة هولندا وبيدها ولي عهد مصر توفيق باشا ابن الخديوي، ثم ظهر الخديوي إسماعيل وفردينان دليسيبس.

في الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 16 نوفمبر تقدم موكب الاحتفال خارجًا من شارع بورسعيد الرئيسي نحو المنصات، وقد بدأ المسيرة زكي بك رئيس مراسم الخديوي، يتبعة ضباط أساطيل الدول الأجنبية، ومر وسط صفين من الجنود المصريين، وأسفل المنصة وقفت صغار البنات وقد ارتدين ملابسهن البيضاء التي أعدتها لهن راهبات الراعي الصالح، واللائي يدرن بيتًا للأيتام في بورسعيد.

احتفالات قناة السويس 1869‎

وفي الوسط وفي أول صفوف المنصة الرئيسية، وقفت كل من الإمبراطورة أوجيني والخديوي إسماعيل، وكل من إمبراطور النمسا، وأمير بروسيا وأمير وأميرة هولندا، وزوجة سفير إنجلترا وأليوت سفير إنجلترا مندوبا عن السلطان عبدالعزيز، والأمير «مور» والكونت «كيزرلنج»، ووقف خلف الإمبراطورة كل من الأمير طوسون باشا، والأمير عبدالقادر، أمير الجزائر، بردائه الأبيض وسط زحام الرؤوس المتوجة مستوقفا الأنظار بوجهه المكسو مهابة، وقد وضع الوشاح الأكبر لجوقة الشرف على ردائه الأبيض.

وكان قد تم نصب مظلات بديعة لجماهير المدعويين، في صدرها مظلة لمؤسسي الترعة ومجلس إدارتها، وأخرى لرؤساء الشركات التجارية العظمى في العالم ومندوبيها، وثالثة لرجال الصحافة العالمية والكتاب.

ووقف رجال الدين الإسلامي وفي مقدمتهم مفتي القاهرة الكبير الشيخ محمد المهدي العباسي، مرتديا معطفا مبطنا بفرو أخضر مطرز بالذهب، وبجوارة العلامة الشيخ مصطفى العروسي شيخ الجامع الأزهر والإسلام بمصر، وكبير القضاة والشيخ السقا، ومن حولهم علماء المسلمين، وفي المنصة المقابلة وقف بطريرك الإسكندرية، وصاحب السيادة بوير وآباء القدس وخادم كنيسة القصر الإمبراطوري بباريس.

الشيخ محمد المهدي العباسي والشيخ مصطفى العروسي

وقرب الساعة الثانية، وعندما أعلنت طلقات المدفعية أن ضيوف الخديوي قد أخذوا أماكنهم لبداية الاحتفال، كانت اللوحة التي رآها الحاضرون لا يمكن لهم أن ينسوها أبدًا، فالسماء في الأفق زرقاء صافية تقطعها صواري وأشرعة السفن المزينة بالأعلام والتي ترسوا على طول الرصيف الغربي، وعلى اليمين فوق ركام ترابي تم تشييد المنار الجديد، وفي الصف الأول وسط الرايات والأعلام والسرادقات أقيمت المنصات من أقمشة الجوخ الفضفاضة المرتفعة، والمزينة بشعارات النبلاء، فيما تشكل أوراق الشجر مظلات فوق هذا الحشد المهيب، ويكمل هذة اللوحة جمهور من شتى الأجناس البشرية.

الخديوي إسماعيل

وفي هذة الأثناء يتوقف إطلاق المدفعية، ويقف رجال الدين الإسلامي، وتمت تلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم التوجه إلى الله بالحمد والدعاء ليبارك هذا العمل الناجز، وألقى الشيخ مصطفى العروسي شيخ الجامع الأزهر والإسلام خطبة شائقة لجمهور الحاضرين، منع ضيق الوقت ترجمتها.

ثم أقام صاحب السيادة كورسيا مطران الإسكندرية قداسا، ونزل «بوير»، وهو كاتب رسولي ثلاث درجات من المنصة، وأشاد بالعمل المجيد الذي تم إنجازة بفضل الرعاية المستنيرة والكريمة لإسماعيل الأول، وبفضل المؤازرة الطيبة من الحكومة الفرنسية والتي تمثلها الملكة «أوجيني»، وقدم أيضا الشكر إلى إمبراطور النمسا على حضورة، ليقدم شهادة جديدة لها قيمتها عن ربط العالمين والوصل بين كل الشعوب.

لاقى الاحتفال الديني الذي أقامة الخديوي إسماعيل استحسان الجميع وعلقت «أوجين» إمبراطورة فرنسا، قائلة: «هذة المباركة من كبير الأساقفة الكاثوليكيين محاطًا برجال الدين الإسلامي، وشريف مكة الشيخ الكبير الذي جمع كل جلال الشرق كانت تضفي مظهرًا لعظمة نادرة الحدوث»، وتابعت: «هذة الصلاة بصوت مرتفع بلغات مختلفة، وهذة التراتيل الدينية وهذا البخور، وهذة الكلمات المؤثرة، وأصوات طلقات المدافع وسط الخيول الجامحة التي تضرب الأرض بحوافرها، وتشب وتصهل، كانت أكثر من شيء جميل، لقد كان أمرًا رائعًا».

أوجيني

فيما علق «ديسبلاس» محرر جريدة «خليج السويس»: «من مظاهر وعظمة كرم الخديوي الذي أراد أن يرمز بذلك إلى وحدة واخاء البشر أمام الخالق، دون تمييز بين الشعائر الدينية، نرى ولأول مرة بالشرق التقاء العقائد للاحتفال معًا لمباركة حدث عظيم وعمل كبير».

تم الاعتماد على كتب: «افتتاح قناة السويس..رحلة الملوك»- وزارة الثقافة، و«تاريخ مصر في عهد الخديوي إسماعيل»، لألياس الأيوبي، و«رحلة رائعة عبر خليج السويس»- وزارةالثقافة.

 

 

 

 

المصرى اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى