الأخبار

كيف تغيَّر موعد الثورة من 26 يناير إلى 25 يناير؟

36

موقف الإخوان المعلن كان عدم المشاركة فى مظاهرات جمعة الغضب التى انتهت معركتها مع الداخلية بنزول الجيش

 

التاريخ يكتبه الأقوى. هكذا تحدث المثل، وآمن به من آمن، وظن أن الأقوى هو السلطة، لكن القوة الحقيقية للشعوب، التى وإن طال الاستبداد بها، فإنها تنتفض لتنتزع حريتها، وتؤكد قوة وجودها، وأنها القادرة على كتابة تاريخها من خلال ذاكرتها الجمعية، حتى وإن أراد المدلسون أن يدلسوا، ويزوروا التاريخ لصالحهم، فالشعوب مارد، والمارد يمرض لكن لا يموت. منذ أن انطلقت حركة المعارضة المصرية ضد نظام مبارك وتبعيته، وفساده واستبداده فى جميع مؤسسات الدولة حتى اصطبغت الحياة بصبغته، كانت حركة «٩ مارس» التى تأسست فى الجامعة فى ٢٠٠٣ بمثابة القطار الذى انطلق، ثم كانت حركة «كفاية» العظيمة فى ٢٠٠٤، وما أحدثته فى الشارع من حركة، وردة فعل حقيقى ضد النظام المباركى، وتوّج هذا الأمر بـ«الجمعية الوطنية للتغيير»، التى أُسست فى ٢٠١٠ مع قدوم الدكتور البرادعى إلى مصر (ولا يستطيع أحد أن ينكر دوره حتى وإن اختلفنا معه)، وكان الأساس الذى تأسست عليه الجمعية الوطنية أنها المظلة المشتركة لجميع قوى المعارضة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون إقصاء أو تهميش لأحد، وتمثل ذلك فى المطالب السبعة التى عُرفت ببيان التغيير، وقد حمل المطلب رقم ٧ المطالبة بدستور ديمقراطى يعبر عن جميع أبناء الشعب المصرى دون التمييز أو التفرقة، ولجنة متوازنة تصوغه لتعبر عن ذلك. فى كل ذلك كان الإخوان موجودين فى حركة المعارضة، إلا أن مصلحتهم الخاصة ورغبتهم فى السلطة جعلتهم يلعبون لصالح تلك المصلحة الخاصة، ولو على حساب الثوابت الوطنية، فقد كانوا شركاء لنظام مبارك من خلال الاتفاقات التى أبرموها معه منذ انتخابات ٢٠٠٥ بنص حديث مرشدهم مهدى عاكف، ثم انتخابات ٢٠١٠، ثم الذهاب إلى عمر سليمان، والاتفاق معه مقابل مطالب رخيصة على حساب دماء الشهداء والثورة واستحقاقاتها، ثم اتفاقاتهم مع المجلس العسكرى. وحينما وصلوا إلى السلطة أرادوا تزوير التاريخ، مستغلين فى ذلك ماكينتهم الإعلامية التى روجت أكاذيبهم، وأنهم من قاموا بالثورة، ومن حموا الميدان فى موقعة الجمل، وصدّق الناس ذلك. فكان لزامًا علىّ أن أكتب، وأروى ما كنت شاهدًا عليه، شهادة مجردة دون تحيز إلى طرف على حساب طرف، لكنها الحقيقة كما هى، وكما رصدتها. لتكون شهادة أمام الله والناس والتاريخ. المجد والخلود للشهداء.

 

فى الثانى عشر من يناير 2011 كان هناك اجتماع للجمعية الوطنية للتغيير لمناقشة الأمور والأوضاع، خصوصًا بعد تفجير كنيسة القديسين وما تبعها من أحداث وردود أفعال محليّة ودوليّة، ولمناقشة خطاب البابا بندكت الثانى الذى دعا فيه إلى تدخل أجنبى فى مصر لحماية الأقلية القبطية، وكذلك التجهيز لذكرى الأربعين لشهداء كنيسة القديسين.

حتى هذه اللحظة لم تكن الدعوات قد ظهرت ليوم 25 يناير، فكان اختيار الجمعية هو التظاهر يوم 26 يناير كرد فعل على خطاب بابا الفاتيكان، وهو متوافق مع ذكرى حريق القاهرة، وتم الاتفاق أيضا على التجهيز لذكرى الأربعين، وتم تكليف الأستاذ جورج إسحاق والأستاذة شاهندة مقلد بمتابعة الأمر، واقترحت عدة أماكن تقام فيها الذكرى، وكان من بينها مقر حزب الوفد لاحتوائه على مساحة وفضاء كبير يسمح بإقامة تلك الذكرى، بعدها بيوم فقط سقط الديكتاتور التونسى زين العابدين بن على، وقد كان مردود هذه الثورة التونسية على القوى السياسية بمثابة النور الذى أحيا الأمل وبقوة فى نفوس القوى الوطنية، وأصدرت الجمعية الوطنية للتغيير يوم ١٤ من يناير ٢٠١١ بيانًا تهنئ وتبارك فيه الثورة التونسية ونجاح الشعب التونسى فى خلع الديكتاتور، وأكدت أن إشراقات شمس الحرية آتية من تونس.

تم بعدها عمل مظاهرة أمام السفارة التونسية من القوى الوطنية المختلفة، وكانت أبرز لافتة فى هذا اليوم هى اللافتة التى رفعها الزميل شريف الروبى من حركة ٦ أبريل الجبهة الديمقراطية مكتوب عليها «الثورة اليوم فى تونس وغدا فى مصر».

كان الاتفاق حتى تلك اللحظة كما تقرر من قبل هو تنظيم مسيرات من أماكن مختلفة بالقاهرة يوم ٢٦ من يناير لما لهذا اليوم من دلالة واضحة، وهو يوافق ذكرى حريق القاهرة.. ومع ظهور الدعوة ليوم ٢٥ من يناير عقدت الجمعية اجتماعًا لها يوم ١٩ يناير وناقشت موضوع الدعوة ليوم الخامس والعشرين والمشاركة فيه أم الاقتصار على يوم ٢٦ يناير، وتم التواصل مع الحركات الشبابية الموجودة آنذاك، وقد كان الرفيق عصام شعبان من الحزب الشيوعى المصرى والزميل وليد أبو الخير من حزب الغد أحد حلقات الوصل بين تلك القوى، وجاء القرار بالمشاركة على التظاهر يوم ٢٥ لانتشار الدعوة وتأكيدها ودلالتها المتوافقة مع عيد الشرطة.

وفى يوم الخامس والعشرين من يناير، كان المطلب الرنان والشعار الذى استمر مع الثورة ورحلتها وهو: «تغيير حرية عدالة اجتماعية»، وقد أعلنت الجمعية الوطنية للتغيير مطالبها فى مؤتمر صحفى عقد فى حزب الغد عند الحادية عشرة من مساء اليوم، وهذه المطالب هى المطالب السبعة لبيان التغيير، وقد ألقى المنسق العام للجمعية الوطنية د.عبد الجليل مصطفى ذلك البيان، وكان هذا بمثابة البيان الأول للثورة المصرية وجاء كالتالى:

فى هذه اللحظات الفارقة من تاريخ الوطن، يرى العالم تصميم الشعب المصرى المناضل على نيل حقوقه فى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لكل فئات الشعب وفاءً بحقها فى حياة حرة كريمة.. هذه المطالب نعتبرها ترجمة دقيقة لما يعتمل فى صدور المصريين من آمال، دفعهم إليها ما نالهم طوال عقود عديدة من آلام ومعاناة، هذا الشعب يعلن اليوم بأعلى صوت وبلا تردد ولا وجل ما يلى:

أولًا: أن يعلن الرئيس مبارك عدم ترشحه لفترة أخرى وامتناع ابنه عن الترشح أيضًا.

ثانيًا: حل البرلمان بمجلسيه: الشعب والشورى، وكذلك المجالس المحلية المزورة.

ثالثًا: إلغاء حالة الطوارئ.

رابعًا: تشكيل حكومة إنقاذ وطنى لفترة انتقالية.

خامسًا: الإفراج الفورى عن المعتقلين السياسيين وفى مقدمتهم الذين اعتقلوا فى الانتفاضة الراهنة المنتصرة بإذن الله.

هذا ما نقر به وسوف نستمر فى المطالبة وبذل كل غالٍ ونفيس وفاءً لهذه المطالب التى نصر عليها.

 

٢٨ يناير وما بعده:

شهد العالم أجمع من خلال شاشات التلفاز ذلك اليوم الذى انتفض فيه الشعب المصرى، وخرج بثورة شعبية أذهلت العالم ضد نظام نهب مقدرات الدولة، وأفقر الشعب واستبد به ودمر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولم يكن لديه أى مشروع سوى مشروع التوريث الذى سخر كل أجهزة الدولة لخدمته وتمريره.

فى يوم ٢٨ يناير كانت ملحمة البطولة التى رسمها الشعب حين خاض المعركة ضد قوى النظام، ممثلة فى جهاز الشرطة القمعى الذى استخدم كل ما لديه من أسلحة وقناصة وبلطجية لمنع المتظاهرين من دخول ميدان التحرير. إلا أن الملايين التى خرجت للشارع كانت مصممة على هدف واحد، وهو إسقاط نظام مبارك ورموزه، مضحيّة بالنفس والنفيس من أجل أن تنال حريتها وتعيش بكرامتها.

مشاهد هذا اليوم متعددة، وكل من شارك فيها فى كل ميادين مصر يمتلك رواية تستحق أن تكون دفترًا حقيقيًّا لتسجيل مشاهد هذا اليوم.

فى مساء يوم السابع والعشرين من يناير، تلقيت اتصالًا من أحد نشطاء الجمعية من محافظة قنا، مفاده أن قوات الأمن منعت النشطاء من السفر إلى القاهرة للمشاركة فى مظاهرات يوم ٢٨ يناير، فأجريت اتصالًا بالدكتور عبد الجليل مصطفى المنسق العام للجمعية لإخباره بهذا الأمر، لكن هاتفه لم يكن متاحًا حينها، ثم عاودت الاتصال به مرة أخرى صباحًا مستخدما الهاتف الأرضى،  وأخبرته بالأمر فقال لى: كل مجموعة فى محافظتها تؤدى دورها، لا بد أن تكون الأطراف فاعلة فى هذا اليوم، لكننى لم أستطع أن أبلغ تلك الرسالة، إلا أن ما عرفته بعد ذلك أن الشباب قاموا بالأمر من وحى خاطرهم، وقادوا مظاهراتهم فى هذا اليوم عند خروجهم من المساجد عقب صلاة الجمعة.

حتى تلك اللحظة كان الموقف المعلن من قبل جماعة الإخوان هو عدم المشاركة فى مظاهرة ذلك اليوم، بدأت المعركة بين الشعب والشرطة بعد صلاة الجمعة، وانتهت عند نزول الجيش عند الرابعة والنصف.

كان مشهدًا غريبًا لم تشهده القاهرة من قبل، وكان ميدان التحرير هو المحطة النهائية للمتظاهرين. وبالقرب من ميدان التحرير كانت تقع عيادة المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير، وهى المكان الذى كان شاهدا على الثورة وعلى الاجتماعات المهمة والاتصالات التى أجراها نظام مبارك من خلال نائبه عمر سليمان، فكان ذلك المكان أشبه بغرفة عمليات الثورة.

فى يوم ٢٩ يناير بدأت ملامح الصورة تتضح أكثر فأكثر، فقد استيقظت القاهرة على وضع جديد: قوات جيش فى الشارع، ومعتصمون بميدان التحرير يطالبون برحيل مبارك ونظامه عن السلطة، وقوى سياسية استيقظت على وضع لم ترَ نفسها فيه من قبل، فكان بمثابة اختبار حقيقى لها.

كان الاجتماع الأول للجمعية الوطنية للتغيير فى هذا اليوم فى عيادة الدكتور عبد الجليل مصطفى المنسق العام للجمعية، وذلك للتشاور فى الأمر وبحثه، لم أكن حتى تلك اللحظة قد انتقلت إلى العيادة لحضور ذلك الاجتماع، إلا أن ما عرفته بعد ذلك أن نتيجة الاجتماع كانت هى رفض تعيين عمر سليمان نائبًا لمبارك، وإقرار مطالب الجمعية السبعة المعروفة بمطالب التغيير، وتم إعداد بيان بهذا الأمر قمت بتوزيعه فى الميدان.

وقد تقابلت فى هذا اليوم مع المستشار زكريا عبد العزيز أحد رموز تيار استقلال القضاء ورئيس نادى القضاة السابق، فقد كان واقفًا فى قلب الميدان يخطب بكل شجاعة ويحيى المتظاهرين والمعتصمين، ويؤكد أننا سننتصر بإذن الله، بعدها انتقلت إلى العيادة للإقامة بها وحضور الاجتماعات، وكنت أفترش الأرض بصحبة الدكتور عبد الجليل مصطفى والمهندس يحيى حسين عبد الهادى والدكتور أحمد دراج. كانت القوى الوطنية تترد على المكان باستمرار إلا أن اجتماع الصباح الذى كان يعقد عند تمام التاسعة هو الاجتماع الأهم الذى يتم تدارس الموقف فيه، والوصول إلى قرار يعبر عن موقف الجمعية بمكوناتها المختلفة.

 

 

الحلقة القادمة «الأربعاء»..الإخوان وعمر سليمان وصفقة إخلاء الميدان

 

الدستور الأصلى

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى