الأخبار

كيف تدير مصر سياستها الخارجية في بؤر التوتر؟

منذ إعلان مصر عدم مشاركتها بقوات برية عسكرية في اليمن ومعارضتها المملكة العربية السعودية في عدد من المواقف في الأزمة السورية، بات واضحًا أن مصر تهتم بالأساس بأمنها القومي الأربعة جهات التي تمثل الأعماق الاستراتيجية لها. فتعمل على تهدئة في سوريا وتسعى لمنع حربًا كانت تُدق طبولها ضد حزب الله، وتستضيف اجتماعات ضباط الجيش الليبي بالقاهرة لتوحيد القوات المسلحة.

لم يتوقف الأمر عند ذلك فقد استضافت جهود السلام وإيقاف الحرب في جنوب السودان، في وقت تتصاعد في التوترات مع الخرطوم التي أعلن وزير خارجيتها خلال هذا الأسبوع أن مصر والسودان “حبايب إلى أن تأتي حلايب”.

يرى اللواء سيد غنيم استشاري وأستاذ زائر للأمن الدولي بأكاديمية دفاع الناتو، أن التحركات المصرية نحو تهدئة الأوضاع في كل من لبنان وسوريا وأيضًا جنوب السودان، بجانب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى قبرص مؤخرًا، تهدف إلى تأمين أعماقها الاستراتيجية الأربعة، وبالتالي منع اندلاع حرب إقليمية مترابطة تخسر فيها أكبر مما قد تكسب.

وتشير نهى بكر، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إلى أن الدبلوماسية المصرية لديها استراتيجية خارجية أعلنها الرئيس السيسي في القمة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة وأول أسسها هي المحافظة على كينونة الدولة وسيادة ووطنية الدول وألا تُقسم أي دولة أو تُعالج الخريطة.

ويحاول مصراوي إبراز التحركات المصرية نحو التهدئة أو منع فتيل أزمات جديدة في المنطقة، سواء على الجانب الشرقي في سوريا ولبنان أو الغربي في ليبيا أو الجنوبي الذي يشهد علاقة متوترة مع السودان وسعي نحو كسب مصري لورقة ضغط جديدة في دارفور.

ليبيا

في وقت تواجه فيه مصر العناصر الإرهابية التي تتسلل من ليبيا عبر الصحراء الغربية لتنفذ عملياتها في الداخل، استضافت القاهرة خلال الأسبوع الماضي اجتماعات ضباط الجيش الليبي لبحث توحيد المؤسسة العسكرية الليبية وإعادة هيكلة الجيش. وحضرت هذه الاجتماعات قيادات من المناطق الشرقية والغربية ومصراته.

تؤمن نهى بكر أن مصر تدرك أهمية وحدة ليبيا، وتعمل على كيفية إدماج الفصائل المختلفة وإيجاد جيش ليبي واحد. وأضافت أن مصر استقبلت عدة وفود وعملت بجدية من أجل السعي لتوحيد الفصائل وتقريب وجهات النظر بين الشرق والغرب وإيجاد حل لوضع أمني مستقر في ليبيا.

وأضافت في تصريحات خاصة لمصراوي: “هنا مصر تلعب دول لصالح أمنها القومي ولصالح دول شمال أوروبا التي تعاني من الهجرة غير الشرعية والإرهاب”.

وعقب ست سنوات من إسقاط نظام الزعيم الليبي معمر القذافي ومقتله، ذكرت شبكة بي بي سي أن ليبيا إلى الآن تحت رحمة حوالي 1600 مجموعة مسلحة وثلاث حكومات متصارعة على الفوز بحكم ليبيا والاعتراف الدولي.

فهناك حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا ومقرها في طرابلس بالغرب، وهناك حكومة الإنقاذ الوطني التي تشكلت في عام 2014 ومقرها طرابلس ولا تحظى بالاعتراف الدولي ورئيسها هو خليفة الغويل.

كما توجد حكومة طبرق والتي ينبثق منها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

ويقول غنيم في تصريحات خاصة لمصراوي، إن هناك جهود قائمة في اتجاه العمق الاستراتيجي الغربي لمصر حيث تعمل مصر بالتعاون مع الإمارات بصورة ناجحة لتهدئة الموقف الليبي وبما يرجح كفتهما كأطراف إقليمية في ليبيا أمام نظيرتهما قطر وتركيا.

وأضاف أن ما دعم نجاح مصر والإمارات هو أنهما “تدخلا بمنطق المصلحة العامة في ليبيا وألا يُغلّب طرف على آخر، حتى أنهما شجعا في إطار توافقي مع جهود الجزائر وتونس على قبول تمثيل كافة الأطراف بما فيها الأطراف الدينية المتشددة كالعناصر الإخوانية والسلفية، وصار الشغل الشاغل هو وجود توافق بين جميع الأطراف الليبية حكومة وبرلمان وقوات مسلحة.”

لبنان – سوريا

لم تتفق مصر مع السعودية في كثير من المواقف فيما يخص الأوضاع في سوريا ولبنان، فالقاهرة تعمل على تهدئة الأوضاع وإنهاء الحرب والتي رأت معظم دول العالم أنها لن تتحقق إلا ببقاء الرئيس بشار الأسد لفترة مؤقتة في السلطة، وليس إبعاده فورًا كما كانت الدعوات قبل ذلك.

وفي هذا الشأن يقول غنيم إن الكثير يفهمون كلمة “مسافة السكة” بشكل خاطئ، فحينما قالها الرئيس السيسي مشيرًا إلى أن أمن الخليج من أمن مصر، لم يقصد إنه مع دول الخليج في أي عمل عسكري لها خارج أراضيها.

وأضاف أن الرئيس كان يشير إلى التصدي لأي عمل عدائي ضد الدول الخليجية داخل أراضيهم، وتابع: “أظن أن موقف مصر الدائم هو التهدئة وليس التشجيع على أي عمل عسكري سواء ضد إيران أو حزب الله”. واعتبر غنيم أن لقاء السيسي مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري هو مكمل لزيارات بدأها وزير الخارجية سامح شكري بشكل مكوكي إلى دول الخليج، وأتم: “من وجه نظري كان غرضها التهدئة وتمهيد للقاء الحريري”.

وفسر غنيم موقف مصر بأن المنطقة لم تعد تحتمل، فوسط التوترات الجارية في المنطقة “مجرد تحرك من زورق سريع مسلح من البحرية الإيرانية في الخليج العربي بشكل غير محسوب ممكن يبهدل الدنيا”.

وأضاف: “أي ضربة عسكرية توجه نتيجتها استهلاك وقت كبير في دمار المنطقة وحال لم تشارك (مصر) ستحافظ على قدراتها العسكرية. ولكن في نفس الوقت لو اندلعت ضد حزب الله مثلاً في لبنان ستمتد لسوريا التي تميل إلى التهدئة الآن، فترجعها لسيرتها الأولى من عدم الاستقرار”.

وحاليا يتم العمل على تجزئة الصراعات وعزلها وتسويتها كل على حدة، بحسب غنيم، على كافة المسرح الإقليمي من اليمن إلى لبنان وسوريا مروراً بالعراق وقريباً في ليبيا، خشية التصاعد والتوتر الذي قد يتسبب “لا قدر الله في حرب إقليمية مباشرة بالمعنى الحرفي لها والتي لن يمكن السيطرة عليها بسهولة ولا يمكن ضمان عقباها”.

واتفقت أستاذة العلوم السياسية مع غنيم في القول بأن القاهرة قبلت وجود الأسد لفترة مؤقتة حتى لا يحدث أي فجوة في السلطة ويؤدي لمزيد من التطاحن بين الشعب السوري ولا يحدث تقسيم ورسم خطوط جديدة للدولة السورية. وأضافت: “ثبت الآن صحة رأي مصر وتوجهات مصر واتجه العالم لقبول وجود بشار لفترة مؤقتة”.

وذكرت أن تصاعد التوتر بين السعودية وإيران مع سياسة الأخيرة التوسعية عبر أذرعها في اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان، تسبب في أزمة استقالة الحريري.

وأشارت إلى أن الأزمة انتهت بعد تدخل مصر وفرنسا وتراجع الحريري في استقالته بعد عودته إلى بيروت، و”اتضح أن الاستقالة لم يكن مخطط لها من الداخل اللبناني”.

وحول تعارض موقف مصر مع السعودية في لبنان، قالت نهى بكر “بعد الأزمة الأخيرة وتعليق السعودية للبترول بات هناك توافق ضمني بين مصر والمملكة على وجود اتفاق بمناطق واختلاف في مناطق أخرى وكل دولة تحترم توجهات الدولة الأخرى”.

وعاد الحريري إلى لبنان وعدل عن الاستقالة مشيرًا إلى أن الأطراف اللبنانية سوف تعمل على التوافق من أجل سياسة نحو النأي بلبنان بعيدًا عن أي أعمال خارجية.

السودان

لا تنته التصريحات الرسمية السودانية على مدار السنوات الأخيرة من الإشارة إلى وضع مثلث حلايب وزعم امتلاكهم له، وجاء أخرها تصريح وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور بأن مصر استخدمت لسنوات طويلة حصة السودان من مياه النيل، وأن مصر والسودان متقاربتان حتى تظهر أزمة حلايب.

وهو ما استدعى رد وزارة الخارجية المصرية عبر بيان رسمي تعجبت فيه من توقيت تصريحات الخارجية السودانية وقت إعلان مصر تعثر المفاوضات الفنية لسد النهضة في إثيوبيا.

وربما يكون هذا التباعد هو سبب ظهور جنوب السودان، وتوقيع وثيقة القاهرة لتوحيد الحركة الشعبية لتحرير السودان، وسط مساع مصرية لوقف الحرب أيضًا هناك.

ويعتبر اللواء سيد غنيم أن السودان يناوش مصر حاليًا في أزمة سد النهضة ومياه نهر النيل، وأن موقفه يوحي بالسلبية تجاه مصر ومساعدة إثيوبيا.

وأشار إلى أن العمل على تهدئة الأمور في جنوب السودان، هي محاولة لإيجاد ورقة ضغط على السودان وإثيوبيا.

ويتفق مع غنيم، الكاتب الصحفي من جنوب السودان، دينق ألينق، في مقال له بصحيفة الشروق، والذي اعتبر فيه أن احتضان مصر لمؤتمر حركة تحرير جنوب السودان يعود إلى سعي القاهرة لتحجيم دور السودان وإثيوبيا فى الجنوب.

وأضاف أيضًا أن مصر تريد أن تدعم “حكومة جنوب السودان مقابل ألا تقيم الأخيرة أي مشاريع يمكن أن تؤثر على منسوب المياه والانسياب شمالا.”

 

مصراوى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى