الأخبار

نهاية أسطورة السيسي!

 

 

 

176

ربما كان في الأستوديو، وربما كان في الشارع، عندما وقف مقدم برامج باحدى فضائيات الثورة المضادة يرقص مع فريق عمله، طرباً بالنتائج الأولية للانتخابات التي تؤكد تفوق السيسي على منافسه «باطل»، بعد تدحرج حمدين صباحي للمرتبة الثالثة.
الاستوديوهات في زمن الثورة المضادة، صارت أقرب إلى الحواري الرديئة، وفيها يُمارس «الكيد»، والرقص، و»يا عوازل فلفلوا». ومن خلالها وقفنا على أن الأخوان هم سبب هزيمتنا في الأندلس. ولا بأس فزعيمهم عبد الفتاح السيسي أعلن في ثقة الباحث المدقق، أن «الإسلام السياسي» قام بتعويق التقدم في «الغرب» لقرون، والتفت إلى زميله الباحث ضياء رشوان، فاتفق معه.
كان مشهد المذيع وهو يرقص فرحاً، يغلب عليه الاداء التمثيلي ويبدو افتعال الفرح واضحاً وبشكل لا تخطئ العين دلالته. ربما كانت زميلته المذيعة الطائرة بين الفضائيات، وهي ترقص أمام إحدى اللجان الانتخابية أكثر صدقاً منه. وان كان كلاهما حاول أن يمسك بعلم البلاد الذي يرفرف وينتقل بين أيدي الراقصين والراقصات، مما مثل إهانة لهذا العلم علي يد الانقلاب، ويكفي أن نعلم ان راقصة محترفة حولته إلى بدلة رقص، في إطار المكايدة السياسية، وإعلان انحيازها لعبد الفتاح السيسي، ولم يقل لها أحد من الانقلابيين أن هذا عيب.
قيم العيب، وتقاليد المجتمع المصري، جرى انتهاكها في زمن الانقلاب. وإذا كان للموت حُرمة في قلوب المصريين، فأنصار السيسي لا يقيمون لكل هذه التقاليد وقاراً، وهم يمارسون الرقص على دماء ضحايا الانقلاب بدون خجل أو وجل.. وهذا ليس هو الموضوع.
المذيعة العابرة للفضائيات، كانت في اليوم الأول ولا يزال مستقراً في وجدانها، أن أغلبية المصريين مع السيسي، فكان احتفالها من القلب، بالرغم من أنها تمارس الافتعال، ليل نهار. ويُذكر لها أنها استضافت من قدمتها على أنها ملحدة، وقيل إنها صديقتها، وعندما تكلمت ثارت عليها المذيعة الهمامة وطردتها من الأستوديو، لأنها تسيء للدين، كما لو كانت تنتظر من ملحدة أن تأتي وترفع راية الإسلام.
صاحبهم وهو يرقص كان يفتعل السعادة، فلو أقسمواعلي الماء فتجمد، ثم قالوا إن كل هذه الملايين ذهبت إلى لجان الاقتراع ما صدقهم أحد، ولما أنطلى كلامهم ولو على الجنين في بطن أمه.
مفاجأة الانتخابات
لقد شهدت الانتخابات عزوفاً غير مسبوق، وعلى نحو مثل مفاجأة لنا، فأنا من المؤمنين بأن شعبية السيسي وان كانت ليست ساحقة، إلا أنه يمثل عنواناً للأقلية، في مواجهة الأغلبية التي يمثلها الإسلاميون في الشارع المصري، بتنويعاتهم المختلفة، وليس من بين هذه التنويعات سلفيو «حزب النور»، الذين ينحازون لعبد الفتاح على قاعدة: «الإمام المتغلب»، الذي وجبت طاعته وإن أكل مالك وجلد ظهرك!
المفاجأة كانت في أن شعبيته ليست علي النحو الذي أشاعوا أو الذي اعتقدنا. وفي ظني أن السيسي نفسه فوجئ بأنه تقريباً بلا شعبية. وقد رددت على الذين يقولون إن الإقبال كان ضعيفاً، بأنه لا يوجد هناك إقبال ليكون ضعيفاً أو كثيفاً.
كنت غرفة عمليات متنقلة، في سعيي للوقوف على خط سير العملية الانتخابية في يومها الأول. واكتشفت انه في بعض اللجان لم يتجاوز الذين أدلوا بأصواتهم عدد أصابع اليد الواحدة، وفي بعضها تجاوزوا عدد أصابع الرجلين، بقليل!
وفي المساء كانت المناحة الكبرى، فمقدمو برامج «التوك شو» في فضائيات الثورة المضادة، كانوا في وصلة لطم للخدود، وشق للجيوب، بسبب هذا العزوف، الذي فسره أحدهم بأنه ليس له إلا معنى واحد، وهو فتح باب السجن، وإخراج محمد مرسي ليحكم مصر.
مرسي ليس بحاجة لإعلاميي حسني مبارك ليفتحوا له السجن. فالثورة هي من ستقوم بهذه المهمة. تماماً كما فعل الشعب الفنزويلي، عندما تصدى لخيانة قادة الجيش العملاء لـ « السي آي ايه»، والذين سجنوا الراحل هوغو شافيز. فأخرجه الشعب الفنزويلي رغم أنف الأمريكان وعملائهم.
عملية التخويف من مرسي لم تخف العازفين عن الإدلاء بأصواتهم، فلم ينفروا خفافاً وثقالاً إلى لجان الانتخاب. فقد كذب إعلام الثورة المضادة وصدق نفسه، من أن الناس تخشى من حكم الإخوان.. فماذا فعل الإخوان في حكمهم ليخيفوا أحداً؟ حتى المختلف معهم في العقيدة؟ فمن أخطاء الرئيس محمد مرسي أنه كرر أخطاء مبارك نفسها في التعامل مع الملف القبطي؛ فالتمثيل المسيحي في المجالس المختلفة، كان باختيار الكنيسة، التي اختارت واحدة من الفلول، هي منى مكرم عبيد، ليتم تعيينها في مجلس الشورى، وهي التي عينها مبارك من قبل في البرلمان. والأصل أن الدولة هي التي تمثل المسيحيين وليس الكنيسة.
وبعد الانقلاب كانت منى عبيد فخورة وهي تعلن أنه قبل أن يحتشد الناس في ميدان التحرير يوم 30 يونيه، شاركت في مخطط، أشرف عليه ضابط سابق بأمن الدولة، ووزير سابق من زمن مبارك، بأن يكتبوا بياناً باسم المثقفين المصريين يطالبون فيه الجيش بالانتصار للشعب. قبل حضوره!
فشل الاخوان
الذين كانوا ضد حكم الإخوان، كانوا مدفوعين في الأغلب الأعم، تحت ضغط الفشل في عدد من المجالات. لكن الشعب المصري الآن وقف على أن مرسي كان يتعرض لمؤامرة تستهدف إفشاله، على النحو الذي اعترف به وزير الداخلية في عهده وفي عهد الانقلاب، والذي قال لم نكن ننفذ تعليماته. والفشل الأمني كان محرضاً على الغضب على حكم الرئيس مرسي.
لقد عاش الناس الفشل الحقيقي في عهد الانقلاب، على نحو جعل شعارهم: لا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه.
فتخويف الناس بعودة مرسي، لم يدفعهم لينفروا إلى لجان التصويت، فظلت اللجان خاوية على عروشها، بعد التهديد، ووصلة لطم الخدود عبر الشاشات، ومحاولة البحث عن شماعة لهذا العزوف، فقال المستشار «المؤقت» عدلي منصور، أن ارتفاع درجة الحرارة هي السبب، وقال رئيس الحكومة الانقلابية إن السبب في أن اليوم الأول هو يوم عمل، فمنح الموظفين إجازة رسمية في اليوم الثاني، وجعل المواصلات العامة مجانية، سواء بين المحافظات أو داخل المحافظة الواحدة. ومع هذا ظلت اللجان على حالها.
زميلنا اليساري محمد منير، وهو من الذين خرجوا يوم 30 يونيه ضد مرسي، قال على صفحته على الـ»فيسبوك» إنه تعطل لدقيقتين من أجل أن يدلي بصوته. وزميلتنا القبطية حنان فكري قالت في اليوم الثالث إن ابنها ذهب ليدلي بصوته، فلم يجد احداً في اللجنة، وهناك قالوا له اذهب وأدعو أصحابك. وصاحت صحية الكرب: «يا لهوي» التي احتلت منها سطراً كاملاً. وحنان أيضا ضد الإخوان ومع 30 يونيه وما تلاها.
منير أكد على العزوف الجماهيري في اليوم الثاني في مداخلة على قناة «الجزيرة مباشر مصر». وقريب لي قال إنه ذهب في اليوم الثالث، فأيقظ القاضي وموظفيه من النوم.
كانت اللجنة العليا قد مدت الانتخابات ليوم ثالث بالمخالفة للقانون، الذي يؤكد على تحديد موعد الانتخابات سلفاً، ليتسن نشره في الجريدة الرسمية، وصحيفتين يوميتين من أوسع الصحف انتشاراً قبل الموعد المحدد، وهو ما لم يحدث.
وبدأت قناة « النهار» التلويح بسيف الغرامة للمقاطعين، ونسبت التهديد للجنة العليا للانتخابات. لكن اللجنة نفت، وأذاع التلفزيون المصري النفي، لكن التلويح بتوقيع هذه الغرامة المالية تم نسبته لجهات حكومية، ولما بدا هناك عدم اكتراث بذلك، فلا توجد نيابات ومحاكم يمكنها أن تحاكم الشعب المصري كله، قيل إن الغرامة ستخصم من مرتبات الموظفين دون الحاجة لمحاكم ونيابات.
وفي الريف المصري تم التهديد بوقف التعامل بالبطاقات التموينية، لمن يقاطعون الانتخابات.
وكان القوم في حالة ارتباك شديد، ومذيعة بالتلفزيون المصري ذهبت لتسأل عضوة في الهيئات القضائية، تشرف على إحدى اللجان عن عدد الذين أدلوا بأصواتهم فقالت ان عدد المقيدين في اللجنة 4400 ناخب، وان عدد الذين أدلوا بأصواتهم 4650، ولم تنتبه المذيعة بان هناك زيادة في أعداد الذين صوتوا عن عدد المقيدين فعلاً. فاذا كان المتحدث مجنوناً فليكن المستمع عاقلاً!
خلاصة القول: لقد جاء عزوف الجماهير كاشفاً، عن أن اعلام الثورة المضادة فقد قدرته على الحشد. ويعد هذا العزوف كاشفاً وليس منشئاً لأمر مهم وهو ان عبد الفتاح السيسي بلا شعبية.
لقد انتهت اسطورة السيسي التي شيدوها على مدى عشرة شهور، فاذا بنا أمام فعل ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى. لقد انتهي الدرس.
أخبا رمصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى