الأخبار

الإيطاليون يؤسسون الشرطة المصرية

4

المسافة الزمنية بين مقتل الباحث والطالب الإيطالي جوليو ريجيني في مصر بطريقة بشعة الذي تشغل قصيته الرأي العام المصري والعالمي حاليا وتاريخ وثائق سجلات تاريخ الإجرام في مصر 130 سنة، وهي الوثائق التي أظهرت تأثير الإيطاليين على تأسيس الشرطة المصرية التي كانوا يقومون بإدارتها آنذاك، ووضع اللبنة الأولي لها في مصر.

يؤكد التاريخ، أنه حين تولي الخديو إسماعيل حكم مصر، قام بتشكيل قوة من الشرطة عهد إليها حفظ الأمن فى البلاد، مستعيناً فى إدارتها بالأجانب وكان أغلب الأجانب الذين كانوا يتولون إدارة جهاز الشرطة المصرية معظمهم من الإيطاليين.

الشرطة المصرية التي أسسها الإيطاليون اقترفت الكثير من الأخطاء في حق المواطنين وهي الأخطاء التي رصدها انفراد “بوابة الأهرام” في سجلات تاريج المجرمين، حيث أظهرت الوثائق مقتل ضحايا في أقسام السجون، ونفى المعارضون لمدينة قازوغلي بالقرب من الحدود السودانية- الإثيوبية، وكذلك جرجرة المواطنين للأقسام بدون ذنب اقترفوه مثلما حدث مع الجارحي موسي الذي أخطأ معاون مأمور البحيرة في حقه فتعمد القبض عليه رغم أنه كان بمأمورية لضبط متهم رئيسي في واقعة لا تذكرها الوثيقة.

في أواخر شهر مايو من عام 1887م فتح قومسيون أشقياء وزارة الداخلية تحقيقات في واقعة قيام معاون مأمور بوليس مركز النجيلة بالبحيرة بضبط مواطن بدوي عن طريق الخطأ حال ذهاب معاون المأمور لضبط متهم رئيسي يدعى حشبشي من عزبة الشيخ أحمد عبدالغني، وكان معاون مأمور البحيرة الذي لم تذكر الوثيقة اسمه، قد أرسل خطابا نمرة 6 بأنه أثناء توجهه لجهة عزبة رحيم ثعلب بأراضي الصواف لضبط متهم يدعي حشبشي من عزبة الشيخ أحمد عبدالغني وجد شخص عربي – كما وصفته الوثيقة – ولاشتباهه فيه أجرى ضبطه ووجد معه جبخانة معجرة “توضع فيها طلقات نارية أسلحة”.

كان العربي الذي وصفته الوثيقة اسمه الجارحي موسي من عربان قبائل أولاد علي، ويبلغ من العمر 45 سنة الأغرب والمثير للدهشة أن معاون بوليس مركز النجيلة أجرى تحقيقا مع الجارحي، لأنه اشتبه به وأن الجارحي أعترف له ببياناته كاملة بداية من اسمه ونهاية بعمره، كما يقول الباحث التاريخي أحمد الشقيري لــ”بوابة الأهرام”، لافتا أن الوثائق التاريخية تؤكد أنه في عصر الخديو إسماعيل تم تأسيس الشرطة المصرية على يد الإيطاليين، لافتا أن الإيطاليين استمروا في إدارة الشرطة المصرية حتي تم تغذية البوليس ببعض أفراد من الجيش مع الأجانب في عام 1891م دون تدريب على الأعمال الأمنية أو القانونية.

واستمر الوضع علي ماهو عليه وأن يدير الإيطاليون والأجانب وبعض أفراد من الجيش شأن الشرطة التي كانت لا ترعي حقوق المواطنين حتى أن الرحالة الأجنبي برتون، كان يقول إن المرء في مصر إذا تعامل مع ضُبَّاط الشرطة أو دخل مركز الشرطة لأي أمر، فلا بُدَّ أن يضربهُ الضابط أو المسئول على قفاه حتى قبل أن تثبت عليه التهمة.

ويوضح الشقيري أنه حين تم إنشاء مدرسة البوليس في عهد الخديو توفيق أجبرت على تنحيه شرطا مهما وهو الحصول على الشهادة الابتدائية للراغبين في الالتحاق بالبوليس والعمل في جهاز الشرطة، مما يعني أن كل المحاضر التي تم تحريرها كانت من قبل ضباط كانوا لا يعرفون القراءة، ولا الكتابة ومن مهمتهم التعامل بقسوة مع المواطنين لخدمة سياسات الملك والاحتلال الإنجليزي والمؤسسين للشرطة، وهم الإيطاليون حيث كان من مهمتها حفظ الأمن بأي شكل كان.

في عام 1842م ولد الجارحي قبل وفاة محمد علي باشا وإلي مصر بـ7 سنوات وهو العام الذي ولد فيه السلطان عبدالحميد الثاني وهو العام الذي شهدت آخر علمية لاستكشاف منابع نهر النيل في عهد محمد علي باشا باشا بقيادة سليم قبطان الذي قام بـ3 رحلات استكشافية لمنابع النيل، كما شهد الجارحي في سنوات عمره حكم إبراهيم باشا وعباس وسعيد باشا والخديو إسماعيل ونجله توفيق لمصر، وشهد في سنوات عمره صعود مصر وتأسيس امبراطوريتها التي كانت تمتد حتي السودان وإثيوبيا وأريتريا والصومال وأجزاء من أوغندا، كما شهد وقوعها في براثن الاحتلال الإنجليزي إثر الأزمة الاقتصادية الطاحنة في عهد توفيق وضياع الإمبراطورية المصرية.

كما شهد الجارحي قيام الخديو إسماعيل بالاستعانة بالإيطاليين للإشراف علي حفظ الأمن وتأسيس الشرطة المصرية، وهي الشرطة التي اقتادته من الصحراء للأقسام بدون ذنب اقترفه.

ويؤكد الشقيري أن الوثيقة التي قام بكتابتها محمد عبدالفتاح كاتب جلسة قومسيون أشقياء وزارة الداخلية، أظهرت أن معاون مأمور البحيرة كان يتوجه لضبط متهم وشخص يدعي حشبشي دون أن تظهر الوثيقة أيضا ماذا فعل المتهم من جناية، كما تظهر الوثيقة أنه اشتبه في الجارحي لأسباب غير معلومة، وقام بضبطه وجرجرته في الأقسام لمدة 3 شهور حتي قام أفراد من القبائل العربية بالذهاب للقومسيون وقبول ضمانته.

وصفت الوثيقة الجارحي أنه عربي ليس تأكيدا أنه من قبائل البدو وهيئته التي كان يتزين بها، وهو العقال ولكن تأكيدا للوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمصر الذي كانت تسيطر الجاليات الأجنبية على مقاليد الأمور فيه دون أبناء الوطن المصريون وطوائفهم من فلاحين وقبائل عربية.
ويضيف الشقيري أنه بعد مرور سنوات طويلة تقدر بربع قرن علي واقعة الجارحي وضبطه قامت وزارة الداخلية بتدريس المواد القانونية وخاصة قانون العقوبات وقانون تحقيق الجنايات مما جعله موازيا لمنهج دراسة الحقوق كما قامت بوضع قانون أن لا يلتحق بالمدرسة غير المتعلمين ومن معهم شهادة تعليمية.

وأوضح أن الداخلية في عهد الجارحي وعهد تأسيسها علي يد الإيطاليين كانت تجهل القوانين، وكان فوق المحاسبة رغم أخطائها العديدة التي تعج بها وثائق تاريخ المجرمين.

في شهر مايو من عام 1887م اعترف الجارحي موسي بالواقعة التي أدت أن يتحول من إنسان بدوي حر طليق لا يعرف غير الصحراء والأودية إلي إنسان سجين قام معاون مأمور البحيرة باقتناصه من عالمه واقتياده لعالم لا يعرفه، ولم يكن يسمع عنه، وهو أقسام الشرطة وسجون الحكومة وقوانين بشرية تجعله يقبع في جدارن مرتفعة اسمها السجن.

من شهر رجب حتي شهر رمضان الذي كان يوافق شهر مايو في عام 1887م تمت جرجرة الجارحي في الأقسام وكان عليه أن يعترف بفطرة بأنه انطلق من قرية حسين بك أبوحسين من كفر ربيع بأراضي عمروس من مديرية المنوفية وأنه من شياخة منشاوي سكران وأنه كان يقصد التوجه لمديرية البحيرة وأنه فوجئ بشخص يقوم بالقبض عليه حين اتجه لعزبة رحيم ثعلب بالبحيرة واقتياده لأقسام الشرطة.

الوثيقة رغم أنها أظهرت أن الجارحي كان معه “جبخانة” أسلحة توضع فيها الطلقات النارية إلا أنها لم تظهر كم عدد الطلقات الموجودة معه، بل إن القومسيون لم يحقق فيها ولم يسأله عنها حيث انشغلت الوثيقة في تسجيل اعترافات الجارحي التي كانت قاصرة فقط علي المناطق التي مر بها من مديرية المنوفية حتي مديرية البحيرة.

في الشهر الذي أجرت الداخلية تحقيقاتها مع البدوي الجارحي مصر قدم أحمد المنشاوي بك من زيارته لمدينة نابولي بإيطاليا والذي وصفته الصحف المصرية المؤيدة للخديو توفيق بأنه نصير للإنسانية بسبب قيامه بأيواء الأجانب في مزارعه الكثيرة بعد حدوث اضطرابات ومذبحة الاسكندرية في عام 1882م والتي أدت لمقتل المئات من المصريين والعشرات من الاجانب والتي أدت لضرب الإسكندرية بالمدافع الإنجليزية واحتلال مصر ووقوعها في براثن الاحتلال الإنجليزي بحجة حماية الأقليات والتي رفعت شعارها إنجلترا.

وصفت الصحف المنشاوي أن مواقفه كانت مشهودة أيام الحوادث العربية، ومنها وقوفه ضد الثائر أحمد عرابي الذي طالب بدخول أبناء البدو والعربان للجيش المصري حيث رفض بحجة أنه ستحدث فتنة، ويؤكد أحمد الشقيري أن في شهر مايو كان علي منشاوي سكران ومحمود عامر والساعدي رغا وهم من قبائل أولاد علي التوجه لقومسيون أشقياء وزارة الداخلية لضمان الجارحي وأخراجه من السجن، وأكدوا أنه ليس له سوابق إجرامية مشيرا إلي إن سكران أكد لوزارة الداخلية بأنه سيقوم بضمانه.

قرر القومسيون الأفراج عن الجارحي ما لم يكن مسجونا على أي قضية دون أن يتجرأ الجارحي أن يقوم بالدفع بمحضر ضد معاون مأمور بوليس البحيرة الذي جرجره في الاقسام لمدة 3 شهور بدون ذنب اقترفه غير أنه كان يسير في طرق وشوارع وطنه حرا طليقا، حيث لم تكن الشرطة المصرية التي أسسها الإيطاليون تملك قواعد قانونية أو قواعد إنسانية في احترام حقوق الإنسان أيضا.

الاهرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى