الأخبار

”الميدان” بقى ”600 حتة”

 

 

392

 

كتبت- يسرا سلامة وإشراق أحمد ودعاء الفولي:

”الميدان” تلك الكلمة التي لخصت معنى الثورة في دائرة بوسط القاهرة، كانت مُلهمة للوحدة، مُعبرة لليد الواحدة، والنسيج المتألف، قبل أن تُضحي سببا في الدخول لمعارك التناحر؛ يبحث كل فصيل عن ”ميدانه”، تارة لمن اتخذوا من الوقوف بجوار مبارك سبيلا في ”مصطفى محمود” حتى من قبل رحيله، ومن رأى في مصر ”دولة تحتاج لتقويم من حاكم أصوله عسكرية” فراح يهتف في ”العباسية” بتسليم السلطة للمشير خلفا لمبارك، وثالث اعتبر أن جماعته آن لها أن تبقى في الحكم بضع سنين رغم حنق الغاضبين، فكان ميدان ”رابعة العدوية” مستقرا لاعتصامه.. فيما كان آخرون ينتقلون بين الميادين جمعاء؛ يوثقون الحدث بعين الخبير.

”ندى”.. انتصرت لـ”مبارك” ولو بعد ”ثورة”

من وسط احتفالات وحضور إعلامي حظى به ميدان التحرير، كانت ”ندى” على بعد أمتار في ميدان آخر، تعبر فيه عن صوتها السياسي، في ميدان مصطفى محمود بحي المهندسين، ممسكة بيدها صورة لزعيم رفعت قِبل صورته الأحذية في ميدان التحرير.

قبل 25 يناير لم تكن السياسة تشغل ”ندى محمد”-طالبة الهندسة، فكانت بالنسبة لها الأمور مستقرة سياسياً، و”مصر كانت في أمان”، بعكس ما كان يجرى في بلاد مجاورة، بل لكن دعوة عبر موقع ”فيسبوك” لمجموعة من محبي الرئيس مبارك كانت مشجعا لـ”ندى”، وجدت فيها ضالتها للتعبير عن رفضها لما يحدث، وقفة في ميدان ”مصطفى محمود” في صباح الثاني من فبراير استعدت الفتاة للنزول إلى الميدان دون أن تخبر أهلها، تعللت بشراء بعض الحاجات لتهرب من المنزل إلى الميدان، لتعبر عن أسفها لمبارك عمن خذلوه، حسب رأيها.

ساعتان كاملتان قطعتهما الفتاة من مدينة السلام إلى ميدان ”مصطفى محمود”، وسط تكهنات تدور بخلدها عما سيحدث في اليوم، ”شفت ناس بسيطة من كل الطبقات.. كلها بتحب مبارك.. وضد إهانة رئيس عسكري مش معقول 30 سنة كلهم كانوا فساد”.

مرت الفتاة العشرينية على ميدان التحرير فى طريق إيابها إلى المنزل، لتشاهد أجزاء من موقعة الجمل مباشرةً، تقول إنها لا تزال تتذكر تفاصيل اليوم، أخذت ”طوبة” من أحد المتظاهرين، لكن ما حدث فى الإعلام من تهويل للحدث -بحسب رأيها- زاد من الأزمة.

”أنا مش فاهمة سياسة ..بس نزلت أعبر عن رأيي في الميدان تلقائيًا.. حتى لو ناس كتير مع التحرير أنا عندي رأى مختلف”.. كلمات نطقتها الفتاة التي تفخر بصورتها حاملة لصورة الرئيس الأسبق، جعلتها الأحداث تعود إلى بعض كتب التاريخ والإنترنت لتعرف أن مبارك رجل عسكري حارب إسرائيل وأمريكا، فكيف يتهموه بـ”العمالة”؟.

لكن الإجابة لتلك الأسئلة كانت أبسط لـ”ندى”، فما حدث في الثورة تلخصه في كلمة واحدة ..”مؤامرة” على البلد والرئيس، من عملاء ”الخارج والداخل”، ومن شباب أفلحت جماعة ذو قوة تنظيمية في حشدهم لصالحها، فما كان من الوضع أن أصبح من سيئ لأسوأ، بحسب ما ترى.

لا تحلم ”ندى” في ذكرى الثورة الثالثة بالإفراج عن ”مبارك”، لكنها تتمنى أن يطبق عليه القانون، وإن أنصفه القضاء لا يُستمع إلى نشطاء ”عملاء” يتهمونه زوراً، وأن تتوقف الاتهامات لرجل قال عنه ”السادات” ”بيحترموه هناك في إسرائيل”.

كريم: الفلول مش كلمة وحشة

”فلول”، لقب لحق به منذ ثلاثة أعوام، عندما نجحت الجموع أن تُسقط حكم ”مبارك”، بينما اعترض هو على الثورة، آمن أنها غيرت حال البلد للأسوأ، وأن ميدانها ”التحرير” استأثر الذين نزلوه بكل شيء، فكوّنوا ديكتاتورية جديدة على أرضه، ودولة داخل الدولة، وفي ذكراها الثالثة، لازال يعشق ميدان العباسية الذي خرج له أكثر من مرة، تارة لتكريم ”مبارك”، ومرات عدة للتأكيد على احترام القوات المسلحة المصرية، التي يعتقد أن النشطاء المصريين أهانوها.

”كريم حُسين”، لا يُبالي بالألقاب التي تُطلق عليه، ”الفلول هما الناس اللي متضحكش عليهم باسم الثورة ولا الإخوان ضحكوا عليهم باسم الدين”، التحرير ليس مكانا مفضلا بالنسبة له، حتى حين خرج في تظاهرات 30 يونيو التي أرادت الإطاحة بحكم ”مرسي”، ”نزلت وقتها الاتحادية.. بس منزلتس التحرير لأني أصلا مش مقتنع به”

التصنيفات التي يتبعها تخوين أمرا يرفضه الشاب العشريني ”الفلول ناس ليها وجهة نظر بتعبر عن تيار موجود.. مينفيش عنهم أي وطنية أو إخلاص”، أما ثورة يناير، فلن يقربها ”كريم” في ذكراها، ولو للاحتفال ”انا شايف إن الثورة خربت الدنيا.. هي عملتلي ايه عشان انزل أحتفل بيها؟”.

علاقات ”كريم” بأصدقائه من تيارات الميادين الأخرى لم تتأثر كثيرا بسبب السياسة ”25 يناير فيه ناس أيدتها وناس عارضتها.. والأيام بتبين مين كان صادق أو لأ”.

”إيناس” …”التحرير” الأمل و”رابعة” الألم

حقيبة ظهر بها ما تحتاجه لمواصلة اليوم من مياه وكاميرا لتوثيق الحدث، حذاء رياضي، قليل من المال، تليفون رخيص الثمن، ما يكفي من التوقع يساعدها على كتمان الفزع حين وقوعه، هكذا اعتادت ”إيناس عبد الله” قبل ثلاثة أعوام حينما كان البدء ”ميدان التحرير”.

أحداث مرت على الفتاة العشرينية عايشتها رؤى العين، بين الأمل والألم، من التحرير إلى رابعة العدوية.

لم تذق ”إيناس” الظلم بشكل شخصي يدفعها للنزول مع الدعوات الطالبة بالاحتشاد لكنها تضامنت مع المتضررين، في البدء كان تعبير عن الرأي بالتحرير لكن مع رؤية الغاز المسيل للدموع، وسماع دوي طلقات الرصاص وسقوط الأجساد غارقة في دمائها يوم 28 يناير 2011 تحول الأمر إلى ثورة ضد القمع والفساد، وقضية تطالب بالعدالة والقصاص لأجل الشهداء .

ما بين الأعوام الثلاث لم تغب خريجة الإعلام عن الأحداث، فتنل منها إصابة بالقدم في أحداث مجلس الوزراء، خلاف الحساسية التي تصيبها من الغاز المسيل للدموع، استطاعت أن تُكون رؤيتها الخاصة النابعة بعيدًا عن النقل فالعين ترى والأذن تسمع.

”الشعب يريد إسقاط النظام” أول هتاف تلفظت به ”إيناس” شأنها كالجموع التي خرجت قرب نقابتي الصحفيين والمحاميين في طريقهم إلى ميدان التحرير في 26 يناير لحقته بأخر ”الجيش والشعب إيد واحدة” جوار إحدى الدبابات يوم 11 فبراير المعروف بيوم ”التنحي”، تتذكر تلك الأيام فلا شبيه لها بميدان رابعة العدوية حيث قررت المشاركة معتصمة يوم واحد ومتواجدة بقية 47 يوم، لكن دون هتاف، فقط توثيقا للأحداث .

”من يوم 3 يوليو لما ظهر السيسي في الصورة بقى عندي يقين إن ده انقلاب، بمعنى إن مرسي جه بالصندوق، وناس طالبت بعزله يبقى يمشي ويتعمل انتخابات رئاسية مش يجي حد يطلع على الكرسي” هكذا قررت ”إيناس” النزول لميدان رابعة العدوية بعد عزل ”محمد مرسي” الذي انتخبته بعد ترشحه خوفًا من فوز المنافس ”أحمد شفيق” لأن ”مكنتش عايزة نظام مبارك يرجع”.

ورغم يقينها بضعف ”مرسي” وأنه سبب رئيس فيما آلت إليه الأمور لكنها ما نزلت إلا مساندة لمطالب المعتصمين ”وإن لم أكن مؤيداها لكن حقهم”. ”إيناس” لم تكن يومًا منتمية لجماعة الإخوان المسلمين كما ظن البعض بعد توافدها على الميدان حتى إنها تختلف معهم وقت الاعتصام وبعده، على حد قولها.

ما بين ”التحرير” و”رابعة” معان لدى الفتاة العشرينية فوحدة الصف التي لم تجدها بعده أكثر ما يميز ميدان التحرير ”حتى الناس اللي بتتسمى حزب الكنبة كان منهم مع الثورة” على عكس أي ميدان تواجدت به ”إيناس” أما ”الجو الإيماني” أكثر ما تأثرت به في رابعة العدوية ”الحالة اللي كان عاملينا المعتصمين يمكن عشان كان فصيل واحد فالناس كانت تقريبًا شبه بعض”.

الطيبة الزائدة حسبما وصفت أسوأ ما اكتشفته ”إيناس” بعد ترك التحرير ليقابلها ”المنصة وخطابات القادة” في رابعة العدوية، ومع مشاهد الضرب والقنص التي عايشتها الفتاة العشرينية في التحرير غير أن ذكراها لازالت ترتبط بالأمل لم تتألم يومًا عند المرور كما ”رابعة” على حد وصفها وحتى أثناء تواجدها به.

ذكرى القتل ليست فقط سبب الألم بل رد فعل الناس تجاه كل من الاعتصامين زادها ضيقًا، فالتحرير بالنسبة لها كسب تعاطف ”حتى الناس اللي كانت بتأيد مبارك ماكنتش عايزة الناس تموت” وذلك على عكس ما رأته رابعة ”أقرب الناس استحلت الدم” متذكرة مكالمة عمها وقت فض اعتصام رابعة، تواجدت حينها، مختبئة بإحدى العقارات لتستقبل مكالمة عمها –الذي لم يكن يعلم بتواجدها- يخبرها أن ”بيفضوا الاعتصامين، هيخلوا البلد تمشي”.

ندى محمد

 

مصراوى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى