الأخبار

حين تصبح السينما مدخل إلى عالم العلوم الخفية

51

بعد النجاح الساحق الذي حققه فيلم “انترسيلار” أو “المسافر بين النجوم” من إخراج “كريستوفر نولان” وبطولة “ماثيو ماكوناهي”، والذي ظهر في قائمة الأفلام الأعلي مبيعًا في الولايات المتحدة، وفرنسا و62 دولة أخرى، كما حقق نجاحًا كبيرًا بعد عرضه مؤخرًا في مصر، نحن لسنا بصدد الترويج لفيلم سنيمائي بعينه، لكننا بصدد التنويه عن بعض النظريات العلمية التي تناولها الفيلم، والتي قامت بتغيير نظرتنا للعالم في خلال المائة العام الأخيرة.

 

نظريات مثل الأوتار، والنسبية الخاصة والعامة، ليس من السهل هضمها والتعامل معها، لكنها تستلزم منا الوقوف ولو لبعض الوقت، حتى نفهم القليل عن تلك الأفكار العظيمة، التي تشغل العالم في وقتنا الحاضر، وتمثل الذروة فيما وصل إليه الإنسان في فهمه للكون الذي يعيش فيه، لن نقول أنه سيفوتك الكثير إذا لم تقرأ هذا الموضوع، لكن سيفوتك الكثير إذا لم تتوقف هنا لدقائق لتغير نظرتك للعالم.

لعلنا نعرض ولو جزءًا يسيرًا عما أسلفنا ذكره بأبسط ما يمكن أن يتناوله ذهن القارئ غير المتخصص، ولعل الطريقة الأمثل لذلك أن نورد بعض الأحداث المهمة في الفيلم ونربطها بالنظرية العلمية، لكننا سنتناول بعض الحقائق العلمية المهمة قبل ذلك.

لماذا انترستيلار؟

لم يكن كريستوفر نولان يفكر في صناعة فيلم للخيال العلمي، يعتمد علي الخيال الذي تجود به قريحة المؤلف فقط، بل كان يهدف لإعداد عمل سنيمائي لا يفتقد إلي الدقة العلمية علي قدر ما يحتوي من المشاعر الإنسانية والإثارة والتشويق، لذلك لم يكن غريبًا أن يستعين بأحد علماء الفيزياء والفلك، في مراجعة دقة تطبيق النظريات العلمية في أحداث الفيلم وفي صناعة الصورة السنيمائية، وهو في مجمله لا يخالف المعادلات الرياضية التي تحويها هذه النظريات، اللهم إلا إذا في موضع واحد في رسمه لصورة الثقب الأسود، فقد أحدث بها بعض التغييرات لمنحها بعض الجاذبية لعين المشاهد، لكنها لم تخالف الدقة العلمية بشكل كبير، بحسب “كيب ثورني” المستشار العلمي لصناع الفيلم.

ما هو الكون الذي نعيش فيه؟

لدينا فكرة مسبقة عن أن الكون الذي نعيش فيه، هو أكبر بكثير من الكرة الأرضية؛ الكوكب الذي يمنحنا الحياة، فهو يمتد لمجموعة من الكواكب تدور حول الشمس، فيما يعرف بالمجموعة الشمسية، و هذه المجموعة الشمسية الهائلة التي نعيش فيها، تدور بكاملها في كيان أكبر بكثير يسمي مجرة درب التبانة، ودرب التبانة هي إحدي المجرات الكثيرة التي تسبح في الكون، ويجمعها بناء متراص واحد يسمي “البناء المترابط العظيم”، هذا البناء هو الذي يكون الكون الذي لا يستطيع شخص ما أن يتنبأ بحجمه حتي الآن، وحينما نعرف أن المجرة الواحدة تتكون من عدد كبير جدًا من النجوم، وإذا عرفنا أن الشمس التي تعادل مليون مرة حجم كوكب الأرض هي نجم متوسط الحجم، فلنا أن نتخيل حجم هذا الكون.

حقيقتان غاية في الأهمية، الأولى هي أن الكون الذي نحيا به، غير ثابت الحجم، فهو يتمدد باستمرار، وهي الحقيقة الوحيدة التي ندم إينشتاين أكبر عباقرة القرن العشرين أنه لم ينتبه لها.

والحقيقة الثانية، ربما لم تصبح حقيقة بعد لكن المعادلات الرياضية التي أنتجها علماء الفيزياء في السنوات الماضية تؤكد صحتها، وهي أن العالم الذي يجمعنا والذي نتخيل أنه غير متناهي، وأنه هو كل شئ، ليس هو بالعالم الوحيد، فهناك العديد من العوالم الأخرى تتواجد حولنا وتتوازى مع عالمنا، وتتداخل معه في بعض الأحيان، لكننا لا نستطيع رؤيتها، وتلك العوالم هي التي تكون النسيج الكبير للكون، لعلي أقرأ علامات الدهشة لدي القارئ الذى لم يتعرض لمثل هذه الأفكار من قبل، لكنها نفس الأفكار التي تشغل بال العلماء في أهم الجامعات والمراكز البحثية في العالم، ولنراجع بعض المصادر، علي سبيل المثال “موقع ساينس دايلي” العلمي.

ولعلنا نتعرض لفكرة العوالم المتعددة التي يبحث أبطال الفيلم علي وطن جديد للبشرية بإحداها، في معظم أحداث الفيلم، وسوف نتعرف عليها بتفصيل أكبرعند شرح نظرية “الأوتار” في معرض حديثنا.

أبعاد الفراغ

للفراغ ثلاثة أبعاد مكانية، فتخيل نخلة تنبت من بطن الأرض على سبيل المثال، هذه النخلة تتواجد في بعد رأسي هو طول النخلة، وبعد عرضي هو عرض النخلة، كما أن الأرض التي تقف عليها، هي البعد الثالث الأفقي، أي شكل مجسم في عالمنا هو عبارة عن تلك الأبعاد الثلاثة، لكن أينشتاين أضاف إليهم بعدًا رابعًا وهو الزمن.

الزمكان

كان “أينشتاين” يملك أسبابًا وجيهة لإضافة الزمن كبعد رابع للفراغ، فتخيل أن كل الأجسام التي يحتويها الفراغ الكوني، هي أجسام لا تكف عن الحركة والدوران، واخيل مثلًا أنك تريد أن تحدد مكان سيارة متحركة بالنسبة لسيارة متحركة أخري في نفس الاتجاه أو الاتجاه المضاد، سوف تقول أن السيارة1 كانت تبعد عن السيارة 2 بمسافة 2 كيلومتر في الدقيقة 20، وهذه هي الطريقة الوحيدة لوصف الأمر، كان لابد أن تستعين بعامل الزمن في ذلك (في الدقيقة20)، لذلك فإن مكان أي جسم في الكون هو نسبي بالنسبة لجسم آخر في إطار زمني محدد، وبالنسبة للزمن في الكون العريض الذي لا يحتوي علي ساعات، فإن الزمن هو الوقت الذي كان فيه الكوكب 1 يبعد عن الكوكب 2 بمسافة ما، لذلك كان منطقيًا جدًا أن نستبدل كلمتي الزمان والمكان، بلفظة واحدة أكثر دقة هي “الزمكان”.

ولذلك فإن الزمكان هو نسيج الكون، وأي جسم يدور في الفراغ الكوني هو جزء من الزمكان.

لكن المدهش في النظريات العلمية الأخيرة، هو تلك الإشارة الغامضة إلي أن الكون يمتلك 11 بعد ، 10 أبعاد + الزمن، لا أربعة أبعاد فقط (3+ الزمن)، إنها فكرة مذهلة، أنا نفسي لا أستطيع تخيلها كيف لجسم ما أن يمتلك أكثر من ثلاثة أبعاد طول وعرض وارتفاع، إنها غير قابلة للتخيل، لعلنا نفهم منها أكثر عندما نتعرف علي نظرية الأوتار.

إنحناء الزمكان والجاذبية الأرضية

كان العلماء يعتقدون أن الكون يتكون من خطوط مستقيمة، إلا أن “أينشتاين” أوضح فكرة مختلفة عن ذلك، فالزمكان الذي يكون نسيج الكون يظهر علي شكل خطوط منحنية، وأن الأجسام الكبيرة التي تدور في الزمكان، مثل الشمس، تجبره علي الإنحناء، مما يجبر الأجسام الأصغر، مثل الأرض علي أن تسير في ظل انحناء الزمكان الذي سببته الشمس، مما يسبب دوران الأرض حول الشمس، هذا هو التفسير الأقرب للواقع لظاهرة الجاذبية، فالجاذبية تنتج عن انحناء الزمكان، وكان “أينشتاين” نفسه يتوقع اختلال الجاذبية إذا حدث تشوه للزمكان مسببًا انتهاء الحياة علي كوكب الأرض.

إنترستيلار

تبدأ أحداث الفيلم بواقعة غريبة، وهي أن الأرض تتعرض لكارثة كبيرة، تعرض النباتات للهلاك، مما ينذر بهلاك البشرية، فهناك مشكلة كبيرة حدثت في نظام الجاذبية الخاص بالأرض، مما يسمح بهبوب التراب في عواصف عاتية تهلك المحاصيل الزراعية، بعكس قوانين الجاذبية المعتادة، لعلها تبدو من قبيل الأفكار الخيالية المعتادة في أفلام الخيال العلمي، لكن نظريات “الجاذبية والكم” و”الجاذبية العامة”، تشير إلي احتماليات حدوث هذا الخلل المتعلق بجاذبية الأرض، إنه تشوه الزمكان الذي أشرنا إليه في السابق.

بعدها يبدأ البطل رائد الفضاء”كوبر” في مهمة عاجلة لإنقاذ الجنس البشري، عن طريق البحث عن كوكب بديل للإنسان في واحد من تلك العوالم المتعددة.

نظرية الأوتار والعوالم المتعددة

تعد نظرية الأوتار واحدة من أكثر النظريات المثيرة للجدل في العقود الأخيرة، ظهرت أول خطوط للنظرية خلال عام 1960، كما يوليها أهم علماء الفيزياء في العالم ثقة كبيرة، وهي تتلخص في وصف الجاذبية، والآشعة والمادة، أي توحيد المكونات الأولى لكل ما يتعلق بالكون في وحدات صغيرة تدعي كل منها “الوتر”.

لفهم كيفية عمل الأوتار، علينا فهم الأبعاد الهندسية، فبالنظر للورقة المسطحة مثلًا فإننا نراها في بعدين، طول وعرض، لكن هذه الورقة لها سمك أيضَا مما يجعلها شكلًا ثلاثي الأبعاد، طول وعرض وسمك، أي أنها شكل مجسم، بينما النقطة التي ترسم علي الورقة هي ذات بعد واحد (الوتر)، ويعد هذا مثالًا جيدًا لفهم الوتر، فالوتر هو نقطة سطحية “أي ذات بعد واحد” تعبر عن جسيم صغير أو ما شابه، هذا الوتر المغلق، أما الوتر النفتوح فهو يهتز باستمرار في الفراغ بشكل يمنحه القدرة علي أن تبدو في أكثر من بعد ربما ثلاثة أبعاد، لكن المعادلات الرياضية التي أنشأها العلماء تعبر عن أن الوتر الواحد يمتلك إحد عشر بعدًا.

علي سبيل التبسيط لا الدقة، تخيل وتر الجيتار، عندما تدفعه بإصبعك ليهتز، كم من الأشكال الفراغية سوف تراها بعينيك، لهذا الوتر ثلاثي الأبعاد

لعل الرقم يكون صاعقًا للكثيرين ومن بينهم أنا، لأن العقل البشري لا يمكنه تخيل جسم بأكثر من ثلاثة أبعاد، ولعل الفكرة الأكثر صدامًا هي أننا نعيش في عالم ثلاثي الأبعاد يلتصق أو يتداخل مع عدد من العوالم التي تمتلك إحد عشر بعدًا.

وفي خبر مدهش، نشر على موقع “ساينس دايلي” العلمي، في يونيو 2012، لاحظ علماء جامعة “إكويلي”، خروج بعض “النيوترونات الذرية” عن ذاراتها الطبيعية، ثم تلاشيها تمامًا كأنها لم توجد، وحيث أنه من المعروف أن المادة لا تفنى، فإن التفسير الوحيد الذي أوجده العلماء، كان تفسير الإيطالي “زوراب برزياني” عن هروب تلك النيوترونات لأحد العوالم الأخرى.

يبدو الأمر على أنه مزحة، أو من قبيل الخرافة، أو حتى من باب التصديق علي بعض المعتقدات الشعبية التي تؤمن بوجود أشباح يعيشون في عوالم أخري تتقاطع مع عالمنا ولا نراها، لكنهم ينتجون بعض التأثيرات في عالمنا المادي من آن لآخر، لكن نظرية العوالم المتعددة تختلف عن ذلك كثيرًا.

تتوجه النظريات الحديثة، إلي أن أوتار الجاذبية، هي التي تفصل تلك العوالم عن بعضها البعض، وتجعلها غير مرئية أي أنها تعمل كمرايا لا تعكس ما خلفها، كما أن تلك العوالم التي تتقاطع وتتداخل، لا يؤثر أي منها علي الآخر، ولا تحدث أي تسريبات من مكونات العالم الذي يجاورنا إلي عالمنا مثلًا.

وكان حدث تطور للنظرية ذلك الذي أحرزه علماء جامعة جريفيث، مايكل هال”، و “هوارد وايزمان”، حول أننا نعيش في عالم ثلاثي الأبعاد يفصله عن العوالم الأخري ذات الإحدى عشر بعدًا غلاف رقيق من الأوتار، بينما نحن غير قادرين علي رؤيتها، ولا تستطيع عقولنا ترجمة هذا الكم الهائل من الأبعاد في الفراغ، لكن يحدث من آن لآخر تأثير أوتار الجاذبية في أحد العوالم الأخري علي المجال الإشعاعي في عالمنا ثلاثي الأبعاد.

الثقب الدودي

ربما نشاهده في محلة ما من أحداث الفيلم، حينما حدث تشوه في كوكب المريخ، منتجًا ما يسمي بالثقب الدودي، وكان علي “كوبر” أن يقود سفينته الفضائية داخل هذا الثقب لينطلق منه إلي إحدي العوالم الكثيرة فائقة الأبعاد.

تشير نظرية الأوتار، إلي إنه إذا أحدثنا ثقبًا في هذه الأغشية التي تفصل العوالم المتعددة عن بعضها البعض، ثقبًا في النسيج الكوني “الزمكان” فإننا سوف نستطيع العبور من خلاله إلي أحد تلك العوالم الغير مرئية، لكن الحقيقة هي أن الثقب الدودي مازال فكرة نظرية ليس إلا وغير قابلة للتطبيق العملي، بحسب تعبير الكثير من علماء الفيزياء.

مما تتكون المجرات؟

تتكون المجرة من عدد هائل من النجوم، وغالبًا ما تحتوي المجرات على ما يسمى بالمراكز النشطة، والمركز النشط هو هو عبارة عن كيانات ظلت تحير العلماء علي مدى عقود تسمى بالثقوب السوداء، تحاط هذا الثقوب بأجسام هائلة تشبه النجوم تسمى الكوازرات، حيث تقوم الكوازرات بتوليد أكبر كم من الطاقة ينتجه جسم عبر المجرة، لذلك تسمي بالمراكز النشطة، وقد ظهرت الكوازرات في بعض المقاطع من الفيلم حينما تعرض البطل الذي يمثل شخصية رائد الفضاء “كوب” لها قبل أن يبتلع في الثقب الأسود.

ما هي الثقوب السوداء؟

أول من أشارت نظرياته لاحتمالية وجود الثقوب السوداء، هو العالم الألماني “أبرت أينشتاين”، والثقب الأسود هو كيان مكثف من المادة يمتلك طاقة جاذبية هائلة، بالشكل الذي يمنحها القدرة علي ابتلاع الأجسام المحيطة بها، ولا تسمح بخروجها أبدًا، وهي تبتلع الضوء ولا تسمح بخروجه أو انعكاسه، وهو ما يجعلها تيدو مظلمة، ويرجح العلماء إلى أن هناك مخرج واحد للثقب الأسود، إذا دخل جسم من خلاله فإنه ينجح بالهروب فيما يسمي بـ”الثقب الأبيض”، لكنه يخرج إلي عالم آخر من الأكوان المتعددة التي أشرنا إليها في السابق، وهي التي ابتلعت “كوبر” ثم قذفته إلي أحد تلك العوالم.

وأخيرًا تباطؤ الزمن و تسارع الزمن

كانت نظرية النسبية الخاصة أينايشتين، تتحث عن نسبية الزمن، فبينما نحن نقيس الوقت بوحدة الثانية، الثانية الواحدة التي يشعر بها إنسان علي كوكب الأرض، قد توازي مرور علي كامل علي كوكب آخر.

لنتخيل رائد فضاء هبط علي كوكب يبعد عنا بملايين السنين الضوئية، في نفس الوقت الذي يشعر فيه بمرور ساعة واحدة علي هذا لكوكب، يكون قد مر العديد من السنوات علي كوكب الأرض، والعكس صحيح.

نحن لا نلاحظ ذلك في السرعات المعتادة التي نعرفها علي سطح الأرض، لكنه يكون واضحًا في السرعات الكبيرة جدّا، سرعة صاروخ فضائي علي سبيل المثال، فالمسافر عبر هذا الصاروخ الشديد السرعة، يتعرض لما يعرف بتباطؤ الزمن، وكلما زادت السرعة كلما تباطئ الزمن.

واجهتنا بعض هذه الحقائق في مواضع عديدة من “انترستيلار” فأبطال الفيلم اللذين هبطوا علي كوكب غريب، كان مرور ساعة واحدة على هذا الكوكب، يوازي 7 سنوات علي كوكب الأرض وكان علي كوبر الذي غادر ابنته علي كوكب الأرض في سن الطفولة، أن يعود ليجد ابنته قد تخطت عمر المائة عند عودته، بينما كان “كوبر” الأب ما يزال شابًا في الثلاثين من العمر.

يعود ذلك إلي أن سرعة دوران هذا الكوكب الغريب في الفراغ الكوني، تزيد عن سرعة الأرض بأضعاف مضاعفة، وكما أسلفنا الذكر بأنه كلما زادت السرعة تباطئ الزمن، فساعة كوبر التي كانت تقرأ مرور يوم واحد علي هذا الكوكب، وازت مرور كم من الأعوام علي سطح الأرض في ساعة ابنته.

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى