الأخبار

شعبية السيسي تتآكل

 

102

 

 

“عراب المصالحات”.. مصلح يطلق على الدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، فهو يخرج بين الحين والآخر طارحًا نصوص مصالحة بين “النظام والإخوان”، إلا أنَّ جميعها تولد ميتة.

طرح المصالحات من “سعد الدين إبراهيم” وضعه تحت “سدة التخوين”، فوجِّهت إليه اتهامات عديدة بأنه يتبع جماعة الإخوان “المدرجة كتنظيم إرهابي”، فما أن يطرح مبادرةً إلا ونال سهامًا عديدة من الانتقادات والهجوم، في مناخٍ رافضٍ للمصالحة.

“التحرير” حاورت “سعد الدين إبراهيم”.. فتحدَّث عن الحريات في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وممارسات وزارة الداخلية، وما يوجَّه إليها من اتهامات بممارسة “انتهاكات” ضد المواطنين.

بعد عامين من تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي.. ماذا عن شعبيته؟

بعد إحصاءات عديدة لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية تبيَّن أنَّ شعبيته تتآكل، فهي تراجعت إلى ما يقرب من 30% بعد عامين “من 96% إلى 63%”.

ماذا عن أسباب تراجع شعبية الرئيس وحكومته؟

أسباب عديدة جزء منها يرجع بشكل كبير إلى أنَّ حجم الإنجازات التي كان يتوقعها الشعب منه لم تظهر آثارها وثمارها للعامة ومعظم هذه المشروعات بعيدة المدى كمثلث التنمية وقناة السويس الجديدة وشرق التفريعة والعاصمة الإدارية وغيرها من المشروعات التي لم يلمس من خلالها المواطن أي تفعيل لها على أرض الواقع، فضلاً عن الوضع الاقتصادي المتردي وقفزات الدولار وارتفاع أسعار السلع الذي يمس لقمة عيش رجل الشارع المصري بصورة كبيرة أسهمت في تآكل شرعية السيسي في ظل حكومة “النوم في العسل” التي تراكم الأزمات فوق بعضها بدلاً من وضع خطة عاجلة أو حتى بعيدة المدى لمواجهة تلك الأزمات المتتالية.

هل تراجعت الحريات في عهد السيسي؟ 

تراجعت بشكل مخيف.. وهذا شيء من الغباء كما لو كانت الأجهزة الأمنية تحارب بعضها على حساب الشعب وسمعة مصر، وإلا لماذا يمنع رأي يقال أو تصادر فكرة تطرح أو يسجن صحفي نشط؟ ورغم ذلك كله لم أفقد الأمل أبدًا في التغيير رغم كل ممارسات القمع الجارية وتزايد حالات الاختفاء القسري من وقت لآخر، ومطاردة أصحاب الفكر والرأي والحقوقيين المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر ولابد أن نكون متفائلين بالمستقبل رغم كل ذلك.

اتخذ البرلمان الأوروبي عدة توصيات ضد مصر بعد مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.. كيف ترى انعكاس ذلك؟ 

هذه القرارات تهدف إلى تهدئة غضب الرأي العام الإيطالي بصفة خاصة والأوروبي بشكل عام بشأن الباحث الشاب، والرواية المصرية الرسمية لم تقنع أحدًا.. وهذه ليست المرة الأولى التي تعاقب فيها مصر بسبب فشل أجهزة الدولة في مصارحة الناس واتخاذ الإجراءات اللازمة بالسرعة والشفافية المطلوبة.

ماذا تقصد بأنَّها ليست المرة الأولى التي تعاقب فيها مصر دوليًّا؟

طبعًا فيه حالات كثيرة ثبت فيها فشل الأجهزة الأمنية وأنتهز الفرصة لأقول إنَّ وزارة الداخلية تستعصي على إصلاح نفسها من الداخل، والمطلوب لجنة مشتركة من البرلمان والمنظمات الحقوقية لإعادة اقتراح مشروع بقانون لإعادة هيكلة تلك الوزارة وتحديث أساليبها في التعامل مع المواطنين والزائرين الأجانب.

لكن قسم التشريع بمجلس الدولة أدخل عدة تعديلات جديدة على قانون هيئة الشرطة تضبط تعاملاتهم مع المواطنين؟

هذا تصرف مقبول وأشهد أنَّه خلال الشهور الماضية حاولت مرارًا مع ثلاثة وزراء داخلية لتحديث وإعادة هيكلة الوزارة ولكن في كل مرة فشلت كل المحاولات.

هل كانوا يرفضون مقترحاتك بإعادة الهيكلة؟ 

بالعكس.. دائمًا كانوا يرحِّبون بالمبادرة ويقولون لي نعم اترك لنا الخطة والمقترح والمنحة التي حصلت عليها من الاتحاد الأوروبي ولكن المؤسسة تتعالى فوق أي تعدبلات أو مقترحات وخبرات تأتيها من الخارج.

هل عقيدة الشرطة وقوانينها ترفض ذلك؟ 

طبعًا ابتداءً من تدريب كليات الشرطة منذ السنة الثانية وهم متعودون على مناداتهم بلقب الباشا ويستمر ذلك بعد التخرج، وبالتالي فإنَّ الباشوات لا يمكن للأفندية “أي مدني من خارج الوزارة” أن يفرض عليهم مقترحاتهم ومن ثمَّ فإنني فقدت أي أمل في إصلاح الشرطة من داخلها.

بعد كل ذلك هل فقدت الأمل في الإصلاح؟

هناك مؤسستان تستعصيان على الإصلاح من الداخل، الأزهر والداخلية.. المؤسسة الأولى ترفض كل محاولات الإصلاح والتطوير وتجديد الخطاب الديني وتفصل كل من يسعى نحو ذلك بشكل تعسفي، كما حدث من قبل مع الأئمة المجددين أمثال محمد عبده وعلي عبد الرازق ومصطفى عبد الرازق وأحمد لطفي منصور الذين خرجوا مضطهدين وتمَّ إقصاؤهم قسرًا.

لماذا الإصرار على ذلك من وجهة نظرك؟

بسبب غطرسة القوى وادعاء الفضيلة.. لا أحد يتخذ أي قرار ولا يستجيب لأي دعاوي إصلاحية وإصرارهم على رفض كل محاولات الإصلاح لتحقيق مصالح شخصية للقيادات، وكلي ألم ووجع وحزن على حالنا بعد خطابات الرئيس عبد الفتاح السيسي ودعواته العديدة لتجديد الخطاب الديني ولكن شيوخ الأزهر غير قادرين على ذلك.

غير قادرين أم لا يريدون ذلك؟

غياب القدرة والإرادة وراء فقدان الأمل في أي دعاوي للتجديد، وما زالت الكتب الصفراء تدرس منذ القرن العاشر الهجري أي منذ أكثر من ألف عام دون أن تطرأ على الأزهر أي محاولات للتجديد.

نعود من جديد إلى قرار البرلمان الأوروبي بشأن إعادة النظر في العلاقات مع مصر بعد مقتل ريجيني؟

سأذكر لك عن واقعة حدثت معي منذ عدة شهور، خاصة بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، حين نما إلى علمنا أن الاتحاد الأوروبي على وشك اتخاذ إجراءات شديدة إزاء الاستخدام المفرط للقوة بواسطة الشرطة المصرية للمتظاهرين ومعاقبة مصر على ذلك بقطع المعونات الاقتصادية الأوروبية.

حينذاك توجَّهت مع وفد مصري آخر ممثلين عن منظمات المجتمع المدني واتحاد كتاب مصر دون وجود ممثلين عن الحكومة المصرية أو السفارات، وكان على رأسهم المحامية الحقوقية منى ذو الفقار والكاتب الصحفي محمد سلماوي ورجل الأعمال نجيب ساويرس إلى بروكسل، والتقينا زعماء البرلمان الأوروبي وأبدينا وجهة نظر مغايرة تمامًا لما كانت لديهم عن مصر بأنَّ السلطات المصرية والأجهزة الأمنية فضَّت الاعتصام السلمي بالقوة، فأوضحنا لهم أنَّ السلطات حاولت أن تفض الاعتصام سلميًّا أكثر من أربع مرات والإخوان تصوروا أنهم باعتصامهم في ميداني رابعة العدوية والنهضة سوف يستخدمونهما كورقة ضغط لابتزاز واستفزاز الحكومة المصرية وبدؤوا بإطلاق النار.

هل نجحت محاولاتكم لإقناع زعماء البرلمان الأوروبي بالتراجع عن قراراته السابقة المناهضة للنظام المصري؟

بالفعل نجحنا في ذلك ولعدة أيام أوقفنا القرار.. حيث صدر قرار من البرلمان الأوروبي يطالب الحكومة المصرية بالالتزام والصبر وضبط النفس في التعامل مع مثل هذه المواقف، وإعادة تدريب الشرطة المصرية على الاستخدام المقنن للقوة، ورمينا الكرة في ملعبهم، فقال لهم الوفد المصري علمونا إزاي؟ حينذاك عرض الاتحاد الأوروبي في بيانه الرسمي أنَّه على استعداد لتدريب 400 عنصر من ضباط الشرطة المصرية على أحدث وسائل فض التظاهرات السلمية.

ماذا كان رد فعل وزارة الداخلية المصرية بعد عرض التوصيات عليها؟ 

قالوا لنا حرفيًّا: كتر خيرهم متشكرين وإحنا مقدرين كل ده واحنا عارفين قد إيه إنت راجل وطني ومخلص، وقال لي نواب الوزير هذه مبادرة طيبة لا تأتي إلا من وطني مخلص.

هل تتوقع أن تستمر هذه المبادرات من جديد بعد توصيات البرلمان الأوروبي الأخيرة؟

مافيش مانع من تكرار ذلك، لكن حتى الآن لم يكلمني أحد وبعد بومين سأحضر المؤتمر السنوي لحقوق الإنسان في جنيف.

ماذا عن توصيات الكونجرس الأمريكي تجاه اعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية؟ 

أرحِّب بهذا القرار بشدة، ولو فيه لوبي مصري نشط في الخارج يستطيع أن يروج لذلك المقترح ويفرضه على جميع دول الاتحاد الأوروبي وكل الولايات الأمريكية ولكن لم يطلب مني أحد ذلك حتى الآن.

كيف ترحب بوضع إخوان الخارج على قوائم الإرهاب وتطرح المصالحة معهم في الداخل؟

مبادرتي في الأساس جاءت من أجل السلام والاستقرار الداخلي ووقف نزيف الدماء الذي يجري في كل شبر في مصر، والذي ينتج عنه تباطؤ شديد من قبل المستثمرين الأجانب في ظل عدم الاستقرار، ولكن ترحيبي بتوصية الكونجرس لأنهم يمثلون جماعات ضغط في الخارج على مصر.

من أين يستمد الشعب الأمل وكل ما حوله ينضح بالألم؟

هذا الأمل جزء منه أن هذا الشعب العظيم لم يعد يخاف أو يعرف طريق الخوف بعد أن كسر كل جبال الخوف إلى غير رجعة منذ ثورة يناير، بعد أن كانوا يخافون من السلطة ورموزها في كل العصور من فرعون وسلطان وملك ورئيس.

لكن تلك الثورة يتم تشويهها اليوم واحتجاز رموزها بدلاً من تكريمهم؟

هذا كله هراء، ولا يحدث إلا في الدول المتخلفة حين يحكم أعداء الثورة ممن يرون القضية كما لو كانت مقايضة بين ثورتين حقيقيتين كلتاهما امتداد للأخرى، إحداهما كانت ضد الاستبداد والفساد العسكري والأخرى ضد الفاشية الدينية.

إلى متى يستمر هذا التربص بالرموز الوطنية؟

في ناس كتير مستفيدين من ممارسات الدولة العميقة.. دولة المباحث وأجهزة الأمن الوطني والمخابرات الحربية والعامة هي التي تحكم وتتخذ كل القرارات.. الناس تعبت وغالبية الناس انضمت إلى حزب الكنبة.

كيف تنظر إلى مبادرة حمدين صباحي لصنع البديل؟

مبادرة جيدة، وأرحب بأي مبادرات تأتي في هذا الوقت من أجل إنقاذ الوطن من حالة التردي.

 

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى