أخبار عاجلة

كعادته كل عام .. “النور المقدس” يضيء قبر المسيح

لا يعبئون بالشكوك التي تثار حوله، فقط يحملون قلوبهم على أكفاف أرواحهم ويقفون في حضرة الله، ينتظرون أن يعلن عن ذاته كل عام كما يخبرهم إيمانهم، فذاك النور الذي يشع من قبر معتم قدسه جسد مخلصهم، يضيء حياتهم ويثبت خطوات إيمانهم، وتلمع أعينهم من ضوء الشموع التي يحملونها، ليصرخوا من قلوبهم داخل كنيسة القيامة “المسيح قام.. بالحقيقة قام”، النور المقدس، الذي ينتظره ملايين المسيحيين حول العالم كل عام، قبيل “عيد القيامة”.

وحول القبر المقدس الذي تحتضنه كنيسة القيامة بالقدس، حيث دفن المسيح، يجتمع آلاف المسيحيين، يلتفون حول بطريرك الروم الأرثوذكس ومعه رئيس أساقفة الأرمن، وعشرات من رجال الدين، يرددون الألحان والترانيم، في انتظار ظهور النور الذي يشع من القبر ذاتيا، يطوفون ثلاث مرات حول الكنيسة، ثم يأتي بطريرك أورشليم أو رئيس أساقفة الأرثوذكس، يتلو صلاة ويخلع ملابسه الكهنوتية، ويخضع للتفتيش الدقيق جدا، من قبل الشرطة الإسرائيلية.

تنتشر الشرطة الإسرائيلية داخل كنيسة القيامة صباح يوم “سبت النور”، قبيل خروج النور المقدس من القبر، حيث يتم فحص القبر فحصا دقيقا كل عام، للتأكد من عدم وجود أي مسببات بشرية تؤدي لانبعاث النور من القبر، ويظل الفحص من العاشرة حتى الحادية عشرة صباحا، يشرف عليه رئيس شرطة إسرائيل بنفسه ورئيس المدينة اليهودي، وبعد الانتهاء من فحص القبر وتفتيشه جيدا، يتم وضع ختم من العسل الممزوج بالشمع على باب القبر. يسمح للبطريرك بالدخول للقبر، بعد أن يتعرض للتفتيش الدقيق أيضا، للتأكد من عدم حمله أي مواد يشعل بها النار داخل القبر، ويدخل تحت حراسة أمنية إسرائيلية، ويبقى رئيس أساقفة الأرمن في موضع ظهور الملاك لمريم المجدلية حين بشرها بقيامة المسيح، وسط ترديد المصلين بالخارج “كريى ليسون”، بعدها تنزل النار على 33 شمعة بيضاء مرتبطة ببعضها يمسكها البطريرك داخل القبر.

يخرج البطريرك من القبر، يتم توزيع الشموع على المصليين، وإضاءة الشموع التي يحملونها بواسطة تلك التي أشعلها البطريرك في القبر، 33 دقيقة هي مدة اشتعال النور المقدس، وهي تمثل عمر المسيح على الأرض، بعدها يتحول إلى نار ويكتسب خواص النار التي تحرق وتؤذي عند ملامستها الجسم، وفي عشرات الشهادات للمصليين داخل كنيسة القيامة والبث المباشر للنور المقدس، يظهر أن نيران تلك الشموع لا تؤذي أو تحرق من يلمسها.

من التقليد الأرثوذكسي، يشار إلى أن أول انبثاق للنور المقدس في كنيسة القيامة، كان في أوائل القرن الرابع، ووفقا للمؤرخ إيفسيفي من القرن الرابع، فإنه في زمن البطريرك ناريسيس من القرن الثاني، حدثت معجزة إنه لم يكن هناك زيتا كافيا لإيقاد المصابيح، فملأ رجل مصباحه من ماء بركة سلوام، وفجأة اشتعل هذا المصباح بالنور المقدس واستمر مشتعل حتى نهاية خدمة احتفالات القيامة، ورغم ظهورات النور المقدس السابقة، إلا أنه وثق لأول مرة في العام 1106.

وتبث معظم دول العالم ذلك الحدث مباشرة من القدس، ليراها سكان العالم أجمع، خاصة مع التشكيكات والانتقادات التي يتعرض لها خروج النور المقدس، وندد بها رجال دين كثيرون من أديان مختلفة بينهم المسيحية، معتبرين أن ذلك احتيال من رجال الدين، مستخدمين الفوسفور الأبيض الذي له خاصية الإشعال الذاتي حيث ملامسته الهواء، إلا أنه يرد على ذلك بأن النور المقدس عكس الفوسفور الأبيض، لا يحرق الجلد.

وذكر العديد من المؤرخين وأصحاب الديانات المختلفة، ظاهرة النور المقدس في كتبهم، فأشار الجاحظ في كتابه “الحيوان” إلى “معجزة النار المقدسة” وانتقدها، كما أشار المؤرخ العربي المسعودي إلى هذه الظاهرة حيث سافر للقدس في العام 926، وقال إن النار نزلت من السماء وأشعلت شموع الكنيسة والحاضرين.

كما تطرق المقريزي، في كتابه “المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار” إلى هذه الظاهرة، وبين الانتقادات والشكوك التي يتعرض له النور المقدس، والإيمان به، يشاهده الجميع كل عام في سبت النور، قبل يوم من الاحتفال بعيد القيامة.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى