الأخبار

دعوات تخصيص الأدب تدمير لعفوية النص

 

31-1

في حين أباح الأدباء كسر حدود النص الأدبي وتداخله مع غيره، وأصبحت الأجناس الأدبية تعاني من احتمال تداخلها مع غيرها، تغص الساحة الثقافية بمن يحمل في تقديم اسمه عددا من الأجناس الأدبية التي أهلته لأن يكون شاعرا وقاصا وروائيا ونحو ذلك عن جدارة وتمكن في كل جنس أدبي، بينما هناك في المقابل من منح نفسه كل تلك الأجناس وهو لا يكاد يجيد تمييز العناصر الفنية لكل جنس أدبي.
وأكد أدباء ومثقفون أن الأشكال الأدبية تظل ذات خصائص معينة، ولم يعد النص الأدبي جنسا محكم الحماية والمناعة لا يقبل غير جنسه ويكتفي ذاتيا.
عزل
يقول الروائي عبدالله زايد إن الدعوات التي تحث على التزام التخصص في الكتابة والتأليف في جنس أدبي واحد بمثابة تدمير لحرية الإبداع وعفوية النص، وقال “إن تجنيس النص يخدم الناقد لا يخدم المبدع (المؤلف)، وببساطة متناهية التجنيس مشكلة الآخرين، وليست مشكلة المبدع (المؤلف) مشيرا إلى أن المبدع لديه غاية وهدف أهم من الاهتمام بنوع النص، فلماذا أهتم بالنوع –الجنس- وهو المحصلة النهائية التي ستظهر في نهاية المطاف”.
وتابع “إن المبدع لديه غاية وهدف أهم من الاهتمام بنوع النص، وكثيرون لديهم هوس – إذا صح التعبير – بالتخصص في الكتابة، وهم بطريقة أو أخرى يقصدون النوع (الجنس الأدبي) وفي هذا الإطار يضعون شروطا وهالات ومتطلبات لكل صنف، وهذه الأطر من يتجاوزها يكون كمن جدف ضد مسلمات أو مقدسات، لكن هذه الممارسة قديمة وهي شاملة ضد أي إبداع إنساني، وليس في المجال الأدبي وحسب”.
وأكمل “إن الاهتمام باستخدام مصطلح الجنس الأدبي يعود للدراسات الغربية الحديثة بسبب ظهور أجناس جديدة من التأليف الأدبي في اللغات الأوروبية المختلفة، لكن مثل هذه المحاولة نجدها ماثلة في عصور وحقب أكثر قدما مثل تراث الأدبي الإغريقي، حيث وجدت في بعض المنجزات الكتابية بوادر للجنس الأدبي، والبعض يشير لمؤلفات أرسطو 322 ق.م وهوراس إذ تقدم المأساة والملحمة على أنهما نوعان متميزان رئيسان، ونجد أيضا أن كلا من أفلاطون وأرسطو ميزا بين الأجناس الأدبية الأساسية، وهذه الأجناس هي الشعر الغنائي والشعر الملحمي والمسرحية”.
وأشار في السياق ذاته إلى أنه دائما ما تظهر وتطفو على السطح نظريات وآراء في مجال الكتابة الإبداعية، حيث تؤطر وتحدد وتضع متطلبات وشروط، وهذا يتنافى مع الإبداع ومتطلباته، مشيرا إلى أن هناك سؤالا يوضح عمق المبحث الذي وصل له أنصار التخصص عند التأليف، ما الأكثر عمومية الجنس أم النوع؟ ثم تأتي الإجابة بأن الجنس أكثر عمومية، وعندما نسأل عن السبب يقال إن الحيوان جنس، أما الإنسان نوع.
وأشار إلى أنه من وجهة نظره يهدف تجنيس الأدب لعزله خلف حائط مغلق وإضفاء مسحة من التقديس والمهابة غير المبررة على النص، وببساطة نحن نحاول إرهاب المؤلف الذي يظل مشغولا بعدم الخروج عن الإطار وبتنفيذ شروط النوع الذي يكتب فيه وليس الإبداع والتميز وتقديم نص متميز، عندما نحبس: (الشعر، الرواية، القصة القصيرة…) فنحن نضع لكل واحدا منها صفات وأشكالا، ومعالم ثم نحافظ على هذا الشكل.
وذكر أن كل من قام بالتجديف ضد الأشكال السائدة الثابتة هو رائد في مجال تحرير الأدب من قبضة ثلة تريده هيكلا جامدا لا روح فيه، فعندما حررنا القصة القصيرة من سياج التجنيس، ظهرت القصة القصيرة جدا، وعندما حررنا الشعر الموزون – المعروف، من (سياج التجنيس) ظهرت أنواع إبداعية عدة من الشعر: النثر، والعمودي، عندما تم تحرير الرواية من (سياج التجنيس) ظهرت النوفيلا “الرواية القصيرة”.
ووجه زايد دعوة لكل من كتب وألف بأن يرفض الجنس الأدبي وأن لا يصغي لأي كلمة تقال حول النوع، وأن هذه قصة وهذا شعر، وهذا له شروط ومتطلبات، مشيرا إلى أنه يوجه دعوته لكل مبدع لسبب بسيط أن مثل هذه الشروط والمتطلبات تتنافى مع طبيعة الإبداع، لأنها بمثابة قيد يتم ربطه بإحكام حول عنق المبدع، لأنه يتعارض مع العفوية عند الكتابة والتأليف، ويدمر مفهوم اقتناص الفرصة التي تعد التحدي الرئيس لهذا المؤلف، ولأن التجنيس أو النوع يقضي تماما على تشكل النص وملامحه بعفوية ووفق الأفكار التي يترجمها وينقلها المؤلف على الورق.
البراعة واردة
وقال أستاذ الأدب والنقد بجامعة الطائف الدكتور عالي القرشي إن الأمر يختلف باختلاف الشخصيات وباختلاف الأنواع الأدبية، حيث نجد الدكتور غازي القصيبي – يرحمه الله – برع في الجانبين جانب الشعر والرواية، والروائي “نجيب محفوظ” كذلك وهو القامة الأدبية لم يشتغل على أي لون آخر سوى الرواية، وأيضا نجد “نبيل سليمان” اشتغل على جانب النقد فأبدع وجانب الرواية وأبدع كذلك.
وبين القرشي أن المسألة في الجنس الأدبي تختلف باختلاف الشخصيات والأنواع الأدبية، وبين أن الشخص الذي يريد أن يكون حاضرا في كل جنس أدبي ربما هذا الحضور يجعله غير مركز في اتجاه ما وأشار إلى أن ذلك كله يختلف باختلاف الفنون، فمثلا رجاء عالم لديها حس فني في تذوق الفنون، ولذلك تشترك مع شقيقتها شادية في عمل روائي تشكيلي.
وختم حديثه بقوله “أحيانا قد تجور الأمور على الإبداع” مشيرا إلى أنه لم يلاحظ أن هناك روائيا ويزعم أنه شاعر بينما أجد شيئا من هذا الزعم في الجانب النقدي لدى الروائي علي الشدوي الذي يمارس العمل النقدي.

 

الوطن اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى