الأخبار

شرعية التسلخات

images (4)

تكون ظالما لو أنكرت أن جماعة الإخوان أصبح لها في وقت قصير بصمة خاصة في الانحطاط السياسي، لن تجد في العالم بسهولة أناسا يتخيلون أن جرائم السلطة يمكن تبريرها بنقل الحديث مباشرة إلى جرائم يرتكبها بلطجية في الشارع، تشير لهؤلاء إلى الجرائم المزرية التي ارتكبتها الشرطة في السويس وبورسعيد وأمام قصر الاتحادية من ضرب عشوائي للنيران لم يفرق بين العاطل والباطل دون تطبيق لأبسط المعايير الدولية في فض التجمعات ومن سحل للمتظاهرين وضربهم وتعريتهم بدلا من تطبيق القانون عليهم فور اعتقالهم، فيردون عليك بكل برود وتلامة «يعني عاجبك اللي حصل التحرش والاغتصاب اللي حصل للبنات في التحرير؟»، مع أن هؤلاء ذاتهم هم أصحاب شعار «وهي إيه اللي وداها هناك» الذي ساعد المجلس العسكري على الإفلات سياسيا من جريمة تعرية ست البنات في التحرير في 2011، لكنهم الآن عندما أصبح لهم مصلحة سياسية أصبحوا يشهرون في وجه كل من يعارضهم ما تم نشره من فيديوهات تكشف وقائع التحرش والاغتصاب في التحرير، كأن تلك الجرائم كافية لإسكات معارضيهم وإبقاء رئيسهم الفاشل الكذاب في مقعده على قصر الرئاسة، متناسين أن من أخرج تلك الوقائع إلى النور ولم يدفن رأسه في الرمال ويتبع سياسة الدياثة السياسية هم معارضو الإخوان الذين يتحدثون منذ أشهر عن ضرورة تطهير الميدان من العناصر المريبة التي استوطنت فيه، وهؤلاء الشباب والفتيات الذين أظهروا هذه الوقائع إلى النور لم يكتفوا فقط بالجأر بالشكوى منها، بل شكلوا قوة مدنية تحارب التحرش والانتهاكات الجنسية تعمل بكل شجاعة وجدية على تطهير ميدان التحرير من ممارسي الانتهاكات الجسدية، بينما يكتفي الإخوان بممارسة دور الضباع التي تقتات على الجيف السياسية.

دماغ جماعة الإخوان الآن فارغة إلا من هدف وحيد هو إبقاء محمد مرسي على كرسي الحكم أيا كان الثمن، ولذلك فهم لا يستمعون إلى أي صوت يحذرهم من ثمن العناد الذي ندفعه وسنظل حتى يختفي مرسي من على الساحة. مثلما كان مبارك يحكم مصر بشرعية «هنعمل إيه لو مشي؟»، أصبح مرسي يحكمها بشرعية القلق من عنف أنصاره الذين سيغضبون لو تمت الإطاحة به وشرعية الزهق من الدم ووقفة الحال، وشرعية الرضا الأمريكي عن دور مرسي في كبح جماح العناصر المتطرفة التي تخشاها واشنطن، وكل هذا لن يحقق لنا إلا استقرارا هشا على الطراز اللبناني، حيث نشهد فترات راحة وهدوء يتخللها انفجارات دموية عنيفة، كل ذلك لأننا نهرب من وجع تطهير الجراح قبل غلقها، ونتخيل أن إغلاقها على ما بها من قرف سيحقق لنا علاجا دائما للمرض، ومرضنا ببساطة هو أننا محكومون بحاكم كذب على شعبه وأخلف وعوده وبدلا من أن يصلح هذا الخطأ أخذ يتمادى فيه ليسقط عشرات القتلى والجرحى ويحقق انقساما في الشارع المصري لا أظنه يزول بسهولة، ولم يعد له بعد أن رفض كل فرصة في أن يعتدل، إلا أن يعتزل.

طيلة الأشهر الماضية رفض الإخوان كل النصائح المخلصة والصادقة التي لم تأتهم فقط من قيادات المعارضة، بل جاءتهم من بعض حلفائهم، وأصروا على رفع شعار «موتوا بغيظكم» في وجه الجميع، ساعين للتكويش على كل ما يمكن تكويشه في أسرع وقت بدعوى أنهم يحتاجون إلى فرصة كاملة لتنفيذ مشروعهم، ناسين أن هذا كان سيصبح حقا لهم لو كانوا قد نجحوا في الوصول إلى السلطة بمجهودهم منفردا، وأن وصولهم إليها بشرعية الاتفاق مع القوى الثورية على مطالب محددة تجعل تنفيذهم لتلك المطالب شرطا لوجود شرعية رئيسهم في السلطة، وإلا فإنهم سيواجهون حربا شرسة ليس مع الجيل الثوري الذي حاول مبارك والمجلس العسكري من قبلهم أن يحاربوه وفشلوا، بل إنهم ــ وهذا الأخطر ــ سيواجهون حربا مع أناس ضهرهم للحيط يسعدهم جدا أن يميتونا جميعا بغيظهم، أناس لا يعرفون لغة الحوار ولا التفاوض السياسي ولا يرون في السياسيين المعارضين كبيرا يستحق الاحترام، ووجود هؤلاء في حرب الشوارع اليومية لن ينتهي بالقمع أبدا ولن تحله الحواجز الخرا.. سانية، وهو ما سيزيد من مناخ الفوضى الذي أصبح يجذب إليه كل الذين يعانون من عنف اجتماعي غير مشبع بسبب الفقر والظلم واليأس، وسيجد هؤلاء في الحرب اليومية مع الشرطة التي يكرهونها منفذا لتفريغ طاقتهم التدميرية التي لن تفرق بين فتاة يتم التحرش بها أو ممثل للسلطة يتم الفتك به، لكن كل هذا لا يدركه الإخوان ولا يفكرون به لأنهم مشغولون طيلة الليل والنهار في الوصول إلى أي دليل مادي يربط قادة المعارضة بما يجري في الشارع من وقائع عنف ليقدموها للأمريكان ليثبتوا لهم أن ما يجري في مصر ليس صراعا سياسيا بل جرائم جنائية لا تستوجب سحب الغطاء الأمريكي والدولي عن الإخوان.

ما الحل؟، الحل أن يدرك الإخوان أنه من الخطورة البالغة أن يصروا على دعم حاكم فقد هيبته وثبت ضعف كفاءته وتورط في إسالة دم مصريين بسبب قراراته الفاشلة، وأن من الحكمة أن يخرجوا من هذا المأزق بإجبار مرسي على الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة يقدمون فيها وجها ناجحا غيره، أو يعودوا ثانية إلى حالة المشاركة لا المغالبة التي تعهدوا بها عقب الثورة ثم نقضوا وعودهم، فمشكلتهم لم تعد مع قيادات معارضة عجوزة وخائرة، أو مع إعلام يشككون في صدق نواياه، بل مع جيل ثوري تورطوا في عداوته وسفك دمائه، جيل رفع في وجه المجلس العسكري شعارا كان الأولى بالإخوان أن يفهموه «لو مش هتسيبونا نحلم.. مش هنسيبكو تناموا».

ختاما، قلتها أنا وغيري بدل المرة مائة مرة: التغيير على وساخة يجيب تسلخات، وفي كل مرة يثبت الواقع صحة هذه النظرية ومع ذلك يصمم البعض على الوساخة دون تغيير فهنيئا لهم بالتسلخات.

الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى