احذروا….!
هل أنا منافق؟أليس هذا مخالفا للحقيقة التي خلقنا بها الله علي صورته ومثاله؟يقول شكسبير:حتي خلقك الله,صنع لك وجها,وبعد أن خلقك الله,تصنع لنفسك وجها آخر ما أصعب أن نتقابل مع أشخاص منافقين في الكلام والسلوك,فهذا النفاق ناتج عن أشياء كثيرة سواء في أسلوب التربية أو ضعف الشخصية أو المصلحة الذاتية التي يتطلع إليها الفرد,لكن لايستطيع أي أنسان أن يستمر في هذه الرذيلة دون أن يفتضح أمره,ويقول المثل:تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت,وتستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت,ولكنك لا تستطيع أن تخدع الناس جميعهم كل الوقت.
للأسف نجد هذا العيب الخطير في رموز وأمثلة مختلفة من المجتمع وفي مجالات مختلفة,الشخص المنافق يدعي بأنه يجهل أشياء بعينها وهي معروفة جيدا للجميع,كما أنه يدعي بمعرفة أشياء ولكن في الواقع هو يجهلها,يدعي بأنه يفهم مواضيع مستحيلة الفهم بالنسبة له,ولايفهم أشياء واضحة أمامه,كما أنه يدعي القوة خلاف حقيقته,ويتظاهر بأنه حكيم وعميق التفكير,ولكن حقيقته تثبت سطحيته,لأن النفاق والكذب والتعالي والخداع هم أسلحته التي يستخدمها في علاقته بالآخرين في المجتمع الذي يعيش فيه,ولكن تأتي اللحظة الحاسمة وهي كشف أمره أمام الناس.
يوصف ذلك الكاتب الإسباني Baltasar Gracian:نكتشف في حياتنا اليومية وجود أشخاص مبنيين ومؤسسين علي الشكل الخارجي فقط وما نسميه بالواجهة,كالمنازل التي لم تكتمل بعد بسبب نقص الموارد والمؤون,نجد مدخلا عظيما كأنك داخل قصر,ولكن الحجرات فقيرة جدا كالأكواخ,وهذا ما نكتشفه في التعامل مع بعض الناس,نري فيهم الواجهة الجذابة والحسنة ولكن الداخل كله فراغ وسطحية,وكما صرح السيد المسيح قائلا:الويل لكم أيها الكتبة والفريسون المراؤون فإنكم أشبه بالقبور المكلسة,يبدو ظاهرها جميلا,وأما باطنها فممتلئ من عظام الموتي وكل نجاسة(مت23:27) وكما نري في ديكورات السينما التي تظهر لنا واجهة بديعة,ولكن خلفها نجد أعمدة وحوائط لتسندها ويقول ميكافيللي:يري الناس ظاهرك فقط,وقليلون الذين يعلمون من تكون لماذا كل هذا؟يرجع البعض هذا إلي تربية الوالدين الصارمة واستخدام العقاب المستمر والعنيف فينتج عنه طابع النفاق والخداع,لأن الأبناء يتسلحون بهذه الأساليب لينالوا رضا وإعجاب الوالدين ثم ينتهي بهم المطاف إلي عادة الكذب حتي علي أنفسهم فالتخويف الدائم والمستمر لا يخلق شخصية سوية أبدا,ولا يبني إنسانا حقيقا صادقا سويا,ولا يعني هذا أننا نرفض استخدام الشدة من الوالدين أحيانا في تربية أبنائهما,ولكن ليس المقصود به الرعب الذي يحمل الأبناء للجوء إلي الخداع كوسيلة دفاع عن النفس ويظل هذا معهم ويتأصل فيهم في التعامل مع الجميع,وهذا هو التصنع الذي ينتج عنه الغش والنفاق والكذب والإنسان ذو الوجهين.
ويقول جبران خليل جبران:ليتني طفل لايكبر أبدا فلا أنافق ولا أهادن ولا أكره أحدا إذا لا يستطيع أحد لوقت طويل أن يصنع له وجها ليظهر به أمام نفسه وآخر ليكشفه للناس دون أن يقع في الحيرة وعدم التركيز ليميز أيهما الحقيقي وأيهما المزيف,لأن الخداع لايستمر طويلا وستأتي اللحظة التي تظهر فيها حقيقة الشخص,ويقول المثل:احترس من المنافقين,فالأطعمة السكرية تسوس الأسنان داود النبي شكا لله مرارا وتكرارا من أقرب الناس له قائلا:لو أن عدوا عيرني لاحتملته,لو أن مبغضي تعاظم عل لتواريت عنه.
ولكنك أنت ياندي وأليفي وأنيسي يامن تربطني به أملي معاشرة حين كنا معا في بيت الله نسير…فمه ألين من الزبد وقلبه يشن القتال كلماته أرق من الزيت وهي سيوف مسلولة(مز54:13-15, 22) وهنا يفضح داود خيانة الصديق المقرب إلي قلبه,ويفضفض لله حتي يعينه ويمنحه القوة,ويتكلم عن التحول المخزي والمخجل من الصديق والرفيق وموضع الثقة والعشرة الطيبة إلي عدو ممتلئ بغضا ومروج الإشاعات فكلمات الحب تحولت إلي كلمات الخداع والإهانات وأدوات السلام الأنعم من الزبد والزيت أصبحت أساليب القتال بالسيف.وهنا نتذكر كلمات كاتب الدراما الفرنسيRacine :كلما أهانني عزيز علي,شعرت بثقل الإهانة فالشائعات هي أخبار سيئة تنتقل بسرعة البرق,والضعيف له سلاح واحد وهو أخطاء الأقوياء فالخطوة الكبري للنفاق هو عيب كله خداع لأنه يتجمل ويرتدي صورة الفضائل,وينصحنا الكاتب الساخر الإيطالي Giovanni Papini قائلا:لانضع ثقتنا في المظاهر حتي ولو علي نطاق ديني,لأن الجمال تركع أيضا والممثلون يتلون صلوات وابتهالات,ومن يقطعون شرائح البصل بيكون…
فهذا المرض منتشر كثيرا وفي مجالات عدة, ونحن نعيش في عالم ملئ بالمظاهر الخادعة والسطحية,ولكن من يريد الحقيقة والمصداقية,فهو بحاجة إلي الشجاعة والتواضع والصدق مع النفس,ويقول الكاتب الأمريكي Mark Twain:لأن التربية الصحيحة تكمن في إخفاء ما نعتبره صالحا في داخلنا وماهو سئ في الآخرين,لأنه من السهل أن نقع في فخ الرياء في غياب الآخرين ونتحدث عنهم بكل ما هو سئ,ولكن في اللحظة التي يظهرون فيها أمامنا يتبدل كلامنا المنمق ويصبح رياء ونفاقا في الحديث عنهم ويقول الكاتبAndre Guide :لو عرف كل واحد منا ما يقوله عنه الآخرون لما تحدث أحد عن أحد.كما يوجد أناس يفضلون الحل الوسط لتجنب المجادلات مع الآخرين ويرون أن الكمال دائما في هذا الحل الوسط,من يستطيع أن يجزم بأن الحل الوسط في الأمور هو الكمال والاتزان والعقل؟لأننا لا نستطيع أن نختار الحل الوسط بين الخير والشر,الحق والضلال,العدل والظلم,لأن هدف هؤلاء الأشخاص هو راحة بالهم وتجنب المشاكل,ويفضلون الحق كما يتراءي لهم ومايعود عليهم من منفعة مهما كانت النتائج وكل هذا نطلق عليه نفاقا وليس اعتدالا,ويقول فيكتور هوجو:لئن ضررت من جراء جهري بالحق,خير من أن يضر الحق من جراء إحجامي عن الجهر به.إذا علينا أن نتعود علي قول الحقيقة مهما كفلنا الأمر,فالنفاق والكذب والخداع لن يدوموا طويلا وستظهر الحقيقة إن آجلا أو عاجلا ونختم بكلمات لاروشفكو:خير لنا أن نظهر في ثوبنا الحقيقي من أن نتبختر في حلة جميلة مستعارة.
وطنى