الأخبار

محمد الباز يكتب: لِم مشايخك يا دكتور طيب

قبل أن تنزعج وتقول إننى ألوى عنق ما جرى من الشيخ سالم عبدالجليل فى حق المسيحيين، جاعلًا منه منصة للهجوم على الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، سأقول لك: لا تنزعج مطلقًا مما سأقوله، لكن فقط فكر قليلًا، وتأمل تتابع الأحداث، لتعرف أن الأزهر وبشكل كامل مسئول عما حدث.

سالم عبدالجليل وصف عقيدة المسيحيين بأنها فاسدة، وبأنهم كفرة، قامت الدنيا عليه، أنهت قناة «المحور» – التى تحدث من خلالها – تعاقدها معه، منعه وزير الأوقاف من صعود المنابر قبل أن يعتذر، وبالفعل أصدر سالم بيانًا، قال فيه إنه يعتذر لمن جرح مشاعرهم بكلامه، لكنه فى النهاية لا يمكنه أن يتراجع عن الكلام الذى قاله لأنه بالنسبة له يمثل صحيح الدين.

«سالم» قال إن ما صدر منه كان فى سياق تفسير بدأه للقرآن منذ عام، وحتى ينقذ نفسه من المهالك قال إن الحكم الشرعى بفساد عقيدة غير المسلمين لا يعنى استحلال الدم أو العرض أو المال بأى حال من الأحوال.

على نفس الموجة سار شيخ أزهرى آخر هو عبدالله رشدى، بل أيده تمامًا، مؤكدًا أن ما قاله الشيخ سالم هو ما ورد فى القرآن، وبتعالٍ شديد قال: لكننا يمكن أن نتلاقى فى وطن يسعنا جميعًا، نبنيه معًا، ونحرسه معًا، يعامل كل منا شريكه بإنسانية، وتحضر، كما وسعت المدينة الرسول مع اليهود وهم يكفرون به.

حتى دار الإفتاء، ورغم أنها عابت على ما جرى، وانتقدته من خلال بيان أمينها الشيخ عصام الزفتاوى، الذى حذر من الحوار فى العقائد على مسامع العامة وفى العلن، لأن الحوار فى العقائد بهذه الطريقة سيهلك الحرث والنسل ويؤدى إلى خراب البلاد لم يتعرض لمضمون ما قاله سالم، لكنه اختلف فقط فى الطريقة، فالخلافات بين العقائد ليست من أمور العامة.

كان لابد أن يتحدث الأزهر الشريف، وفى ضربة استباقية صدر بيان عن مجمع البحوث، ليقول كلامًا عامًا ونظريًا، فطبقًا للبيان فإن ما صدر عن الدكتور سالم عبدالجليل تعبير عن رأى شخصى له، لا يعبر عن الأزهر الذى لا يملك تكفير الناس، ولا عن أى هيئة من هيئاته المنوط بها التفسير والتحدث باسمه.

كتب مجمع البحوث شهادة براءة كاملة من سالم، وحدد من يمثله، وهم الإمام الأكبر، والقرارات الصادرة عن هيئة كبار العلماء مجتمعة، ومجمع البحوث الإسلامية مجتمعا، أو دار الإفتاء فيما تصدره من فتاوى تلتزم بالأصول الإسلامية التى لا خلاف عليها فى الأزهر الشريف وبين علمائه.

كان يمكن أن يزيل هذا البيان كل الأثر السيئ الذى خلفه سالم عبدالجليل ومن بعده عبدالله رشدى، لكنه للأسف الشديد بدا بيانًا وظيفيًا، يدفع به الأزهر التهمة عن نفسه، بصرف النظر عن الجريمة الكبرى التى ارتكبها مشايخ تعلموا فى النهاية فى الأزهر، وتلقوا العلم من مشايخه، وجلسوا فى معاهده، وحصلوا على أعلى الدرجات العلمية من جامعاته، وأعتقد أن ما قاله سالم، يقوله مشايخ كثيرون ينتمون إلى الأزهر، درسوه فى مناهجهم، ويتحدثون به للناس فى المساجد والبرامج.

ستقول لى: وما الذى على شيخ الأزهر أن يفعله، وقد أصدر بيانًا تبرأ فيه مما فعله من ينتمى للأزهر؟.. سأقول لك: المسئولية كلها معلقة فى رقبته، فهؤلاء أولاده الذين ينتشرون بيننا يتحدثون باسم الدين، وإذا كانت المؤسسة الكبيرة مضت خطوات فى تعديل المناهج، فعليها أن تعيد تأهيل من تخرجوا فيها، وتتواصل معهم، لأنهم يشكلون خطرًا كبيرًا على الدين وعلى المجتمع وعلى الناس.

أنا مع الإجراءات العنيفة التى ستمنع المتطاولين على عقائد الآخرين، ويجب ألا يتهاون أحد مع من يتطاولون على الإسلام بالمناسبة، لكن إلى جانب هذه الإجراءات لابد من دور واضح للأزهر، ولشيخه، حتى ننقذ من تم تشويههم بمناهج الأزهر فى السنوات الماضية، فهؤلاء قنابل مدمرة، أعتقد أنها لن تهدأ إلا بعد أن تجعلنا فى مواجهة حادة تأتى على الأخضر واليابس.

على الدكتور أحمد الطيب أن يلم مشايخه بالمعنى الحرفى للكلمة، ولا يحتج أحد علىّ بأن هؤلاء يعملون فى وزارة الأوقاف، وهى المسئولة عنهم إداريًا، وقد بادر الدكتور مختار جمعة بإصدار قرارات فورية لمواجهة هذه الفوضى، لأن المسئولية هنا فكرية، يقف الأزهر خلفها وحده، لأنه من يضع المناهج ومن يعلم ومن يدرب.. اجمع مشايخك مرة أخرى يا دكتور طيب وتواصل معهم، ونَقَّ ما لبس فى عقولهم، فالمشرحة لا ينقصها قتلى.

الدستور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى