منوعات

الفراعنة «لما كانوا شباب»: حب وحرب وفسح ورياضة

«أحفاد الفراعنة» هكذا اعتاد المصريون أن يتفاخروا بأنفسهم، حضارة 7 آلاف عام ينظر إليها العالم بانبهار، وتجعل مصر دائماً فى مقدمة الدول ذات تاريخ يدرسه ويتعلم منه باقى شعوب العالم، ولكننا اعتدنا أن نذكر أجدادنا الفراعنة الذين بنوا الأهرامات وصنعوا تاريخاً توارثناه وتفاخرنا به أمام شعوب العالم، ولكن كيف عاش أجدادنا شبابهم، ماذا أحبوا وماذا كرهوا، ما وسائل الترفيه التى كانوا يميلون إليها، كيف كان تصرفهم عندما يقعون فى حب فتاة ما، وما الوظائف التى اعتادوا العمل بها؟

فى هذه السطور سنحاول القراءة فى حياة الشاب الفرعونى.

فتشنا فى صفحات التاريخ الفرعونى بالاستعانة بأساتذة تاريخ وخبراء أثريين لمعرفة كيف كان يعيش الشاب الفرعونى فى أطواره المختلفة، وأوضحوا فى حديثهم، أن حياة الشاب فى مصر القديمة لم تختلف كثيراً عن الشاب المصرى فى الوقت الحاضر.

لعبة «الحكشة» كانت الأكثر تفضيلاً.. ونقوش السباحة تعود إلى عصر ما قبل الأسرات

بداية من وسائل الترفيه والألعاب الرياضية التى ابتكرها الشاب الفرعونى وما زالت موجودة حتى الآن، حيث يروى الدكتور حازم الكريتى، الباحث فى التاريخ الفرعونى ومفتش آثار بمنطقة سقارة لـ«الوطن»، عن وسائل الترفيه التى كان يستخدمها الشاب الفرعونى، حيث كانت هواية الصيد من أكثر الوسائل الترفيهية لديهم، مستشهداً بقصة الشاب «نخت» حينما حصل على إجازة ثلاثة أيام من عمله كقائد جيش فى إحدى الحروب، وأتيح له الفراغ للترفيه عن نفسه والخروح مع أصدقائه ومحبوبته، وخصص اليومين الأول والثانى للتنزه مع أصدقائه والصيد، مع بداية اليوم الأول فى إجازته خرج مع أصدقائه فى الصباح الباكر ونصبوا خيامهم فى الصحراء العالية وسط الغزلان والحيوانات البرية، أما اليوم الثانى خصصه «نخت» لصيد أفراس النهر والأسماك.

وفى اليوم الثالث قرر «نخت» قضاءه مع محبوبته «نزمت» حيث خرج معها فى رحلة قصيرة لصيد الطيور والنزهة فى الحدائق التى تطل على بحيرة.

واستكمل «الكريتى» الحديث عن وسائل الترفيه للشاب الفرعونى، التى شملت التنزه فى الحدائق والمتنزهات والاستماع إلى الموسيقى، بالإضافة إلى صناعة بعض الأطعمة الخاصة وتناولها مع الأصدقاء.

لم تقتصر وسائل الترفيه عند الشاب الفرعونى على المتنزهات والصيد فى الصحراء ونهر النيل، لكن ممارسة الرياضة كانت شيئاً أساسياً فى حياة الشباب، حيث عرف المصرى القديم الألعاب الرياضية التى ما زالت حتى الآن وتحولت إلى بطولات عالمية.

الشاب كان يحب فتاة الحى ويدّعى المرض ليزوره الجيران بصحبة حبيبته

وانتقل معنا إلى الوراء الدكتور عماد مهدى، الخبير الأثرى وعضو اتحاد الأثريين، حيث ذكر أن رياضة السباحة كانت من أشهر الألعاب الرياضية، التى تعود إلى عصر ما قبل الأسرات، حيث عثر على نقوش لشباب مصرى يسبح، وتعتبر أقدم النقوش المصرية عن رياضة السباحة.

وأما لعبة الهوكى فيعود أصلها إلى مصر القديمة، وكانت تسمى بـ«الحكشة»، ولعبها الشباب قديماً بسيقان من جريد النخيل المعكوف والمنحنى عند أطرافه.

واستعرض «مهدى» باقى الألعاب التى يلعبها المصرى القديم واستمرت حتى الآن، منها رياضة الجمباز حيث عثر على نقش بمقبرة الأمير «باكت» بمقابر بنى حسن لمجموعة من أربعة شباب يمارسون الجمباز.

وهذا بخلاف الوثب العالى، وكرة اليد، والرماية، والفروسية، والتحطيب، والمصارعة، ورياضات أخرى كثيرة عثر على نقوش لها فى مقابر القدماء المصريين.

وبعد أن استعرض «مهدى» الرياضات التى كان يمارسها الشاب الفرعونى، انتقل بنا إلى كيف كان يعيش الفتى المصرى مرحلة المراهقة.

يقول الخبير الأثرى «ما أن يصل الفتى المصرى لسن المراهقة كانت تداعبه أحلام ارتباطه بفتاة جميلة، وكانت تقع معظم علاقات الحب والعاطفة للمراهقين بين الشباب من سكان الحى الواحد، وأوضحت ذلك نصوص البرديات القديمة»، وفقاً لما قاله الدكتور عماد مهدى، الخبير الأثرى وعضو اتحاد الأثريين العرب فى حديثه لـ«الوطن».

وذكر «مهدى» أن الفتى المصرى كان يبتكر الحيل لرؤية محبوبته، منها ادعاؤه للمرض حتى يأتى الجيران لزيارته ومعهم محبوبته، وذلك ما أظهرته بردية هاريس.

وأما الفتاة المصرية فكانت تحاول إخفاء مشاعرها فى بداية الأمر لابن الجيران، وتظهر العفة والحياء، وأوضح ذلك من بردية هاريس حيث سجلت «لا تدع يا قلبى الناس تقول إنها امرأة ذهب الحب بعقلها»، لكن ما إن تقع فريسة فى حبه ولا تستطيع مقاومة إخفاء مشاعرها، تصر على الزواج من حبيبها وتتحدى أهلها إذا رفضوا من تحبه، ونظمت من أجله الكثير من القصائد للتعبير عن حبها الكامن.

واستطرد «مهدى» فى حديثه أن الشاب المصرى القديم كان ينظم القصائد لمحبوبته، مثلما ذكرت بردية شيستر بيتى.

– يقول الشاب فى قصيدته:

«بنت واحدة لا مثيل لها بين البنات

أجمل من أى بنت عداها

ها هى تشرق مثل ربة النجوم

عندما تشرق فى بداية عام سعيد

بيضاء فى بهاء النور وبشرتها مضيئة

بعينين جميلتين ترى

وبشفتين حلوتين تتحدث

شعرها لازورد صافٍ

وذراعاها فى ألق الذهب

أصابعها فى روعة زهور اللوتس

محظوظ من يراها».

وبعد أن قدم «مهدى» ملمحاً من ملامح حياة الشاب الفرعونى فى طور المراهقة، استكمل معنا الحديث عن طور جديد فى حياة الشاب الفرعونى، وهو البحث عن مستقبله وتحقيق طموحه.

كان يسعى إلى اختيار الوظيفة التى تناسبه وكان الأب يلعب دور المرشد فى اختيار أرقى الوظائف فى مصر القديمة، وتابع الدكتور عماد مهدى فى حديثه، أن وظيفة الكاتب كانت أكثر المهن التى تتمتع بشىء من الوقار والهيبة، لذا كانت مطمعاً لكثير من الشباب المصرى حيث ينعم بالعديد من المزايا لم ينعم بها الشاب العادى، وكان الرمز الهيروغليفى لكلمة كاتب يرسم على شكل نبات بردى لفائف الكتابة وأدوات الكتابة الحبر والقلم.

واستطرد «مهدى» فى حديثه، عن شرف الالتحاق بهذه المهنة ووصفها بأنها أحسن وسيلة يضمن بها الشاب المصرى القديم الالتحاق بالسلك البيروقراطى والترقى فى المناصب الإدارية، حيث كانت مهنة لا تقتصر على النسخ والتسجيل فحسب، لكن لها دور أساسى فى الحياة الفكرية والثقافية فى مصر القديمة.

وأوضح «مهدى» أن مهنة الكتابة تحتاج إلى التعليم الشاق والتدريب، وبعد أن يتأهل الشاب ويصبح كاتباً مبتدئاً تكون الدنيا ابتسمت له، وحينما عقد «مهدى» مقارنة بين مهنة الكاتب والمهن الشاقة الأخرى أوضح أن الكاتب معفى من التجنيد الإجبارى عند الحرب ومن الأعمال البدنية المجهدة مثل الفلاحة والأعمال الشاقة الأخرى.

وبعد فترة التدريب يصبح الشاب مؤهلاً للعمل الرسمى فور تخرجه ويحصل على وظيفة مرموقة ثم يصبح من ذوى النفوذ فى الحكومة المصرية، واستشهد «مهدى» على ذلك بوصف الحكيم «نب ماعت رع نخت» فى نصه «كن كاتباً تظل أطرافك ناعمة، فالكتابة مهنة ممتازة تناسبك تماماً إذا ناديت واحداً أجابك ألف وإذا مشيت فى طريق أفسحوا لك وسوف ترأس الآخرين».

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى