الأخبار

حكايات مرضى ”فيروس C”

189

 

 

 

ساحة انتظار دائرية بدأ روادها في الانصراف مع قدوم ساعات العصر، شرع أصحاب ”البالطو الأبيض” في الاستعداد لساعة الاستراحة، بينما هم بعضهم للمرور بين العنابر لتفقد الحالات المقيمة، أحدهم يضبط منظم المحلول، والأخرى تتابع نتائج التحاليل، والثالثة ممرضة بدأت في حقن أحدهم لخروجه للتو من غرفة العمليات، إلا أنه تنبهت جيدا؛ فالتقرير الطبي الخاص به يفيد اصابته بـ”فيروس سي”.

”تروللي” مكتوب عليه ”متوطنة C” يفيدك علما بأن أقدامك تطأ ”قسم الأمراض المتوطنة” التابع لقسم الأمراض الباطنة بمستشفى الدمرداش الجامعي، فـ”فيروس C الكبدي الفيروسي المزمن” هو أحد الأمراض المتوطنة بمصر كالبلهارسيا والملاريا. طرقات المستشفى تكاد تخلوا من أقدام كانت تتزاحم في وقت الظهيرة، أحدها يهرول وراء الطبيب المختص ليتابع حالة أحد أقربائه، والأخر جاء يزور قريبا له أجرى إحدى الجراحات الكبدية، والآخرون ”طلاب الامتياز والنواب”، وهم ”أشباه المقيمين” في هذا المكان لحين اشعار ”التخرج”.

حسين ”أخرة ”الفتاكة” إصابة بـفيروس  C”

انفاس متهدجة ووجه شاحب، عمر تخطت سنواته الأربعين بقليل، ملابس أنيقة دلت أن صاحبها من ذوي الحال المستور وليس الميسور، جلس يرتاح قليلا على ”دكة” الانتظار، وفي يده علبة عصير تناولها بعد تعاطي ”الانسولين” لتقيه شر ”غيبوبة السكر” ، هذا العدو الصديق الذي تبينت الاصابة به منذ شهور قليلة خلت.

”حسين. أ” القادم من إحدى قرى الفيوم للإقامة والعمل بالعاصمة، قال: ”في يوم واحد قريبنا في البلد احتاج نقل دم وأنا دخلت اتبرعت له بدمي، بس ياريتني ما عملت (فتك) لأن التعقيم مكانش مظبوط وبعدها بكام شهر اكتشفوا إن عندي فيروس سي” وهي الاصابة التي تدخل عامها الثالث بحلول رمضان القادم كما أشار، بيد أن أزمة الرجل الأربعيني زادها ألما اصابته بهذا المرض المزمن ”السكري”، فقال: ”دمي اتعقد و ملاحظتش السكر إلا أما جتني غيبوبة مرتين”.

حسين المصاب بمرضين مزمنين، قال أنه يتابع مع أطباء المستشفى هنا حالته الصحية، فهو يعلم جيدا أنه لن يشفى، ولكنه على يقين تام من تحسن صحته إن سار على الدرب الصحيح، لكن النظام العلاجي الذي تكفله له شركته لا يوفر له سوى أدوية السكر، في حين أن جرعات علاج فيروس C والتحاليل والمتابعة المطلوبة يأتي ليجريها هنا بالمستشفى الجامعي.

مهجة ووالدتها” رفيقتا السكن والمرض

على حجرها جلس صغيرها ذو الثلاثة أعوام، غلبه النعاس وغلبها هي الأخرى، جلست ترافق والدتها المسنة القادمة من حلمية الزيتون لإجراء فحوصات طبية، فالوالدة المصابة منذ زمن بعيد بفيروس C لم تكن لها مرافقة سوى ابنتها ”مهجة”، والتي اصيبت هي الأخرى بهذا الفيروس ”بسبب خدمتها لأمها”.

تحكي وهي تغالب دمعة مختنقة بضحكة سخرية واستهتار بمرضها، فهي الشابة العفية (اللي صحتها بعشر رجالة)، لكن (الخضة وحشة) والمرض أكثر وحشة، تقول: ”أنا عايشة مع أمي في نفس الشارع وانا اللي بخدمها، ومرة تعبت وكانت بتقوم من السرير بالعافية ورجلها اتقرحت عشان عندها سكر، وانا كنت بغيرلها على الجرح واطهره، بس مخدتش بالي إني انا كمان ايدي متعورة من عمايل المطبخ”، لتختتم قصتها بقول: ”وجرى أمر الله”، مسلمة أمرها إليه بقول ”الحمدلله الصحة دي بتاعة ربنا، وأدينا بناخد بالأسباب ونتابع بالأدوية”.

”قرار علاج على نفقة الدولة” هو ما أنقذ السيدة المسنة من معاناة مرضها، فالجرعات العلاجية كانت تذهب ”مهجة” لتأتي لوالدتها بها من ”حميات العباسية” لأن بها طبيبا يعرفوه جيدا، لكنها واجهت أزمة بعد اصابتها هي الأخرى بالمرض، فكان الحل في مستشفى (حكومة ومجاني) لكيلا تستطيع أن تتعالج بشكل جيد.

”مهجة” ليست بالمنعزلة عن الأخبار وما يدور في المجتمع، فهي الحاصلة على دبلوم المدارس التجارية، وهي التي عملت لفترة لا بأس بها قبل الزواج، وهي أيضا المتابعة للفضائيات والملتقطة أعينها لصفحات الجرائد الأولى بعناوينها المتصدرة، قالت: ”سمعت عن علاج الجيش بس معرفش تفاصيل”، مضيفة: ”والله ياريت يطلع بحق”.

عز: من الأميرية للدمرداش لتلقي ”الخلطة العلاجية”

أسرة بيضاء خلت لتوها من شاغليها، وهي التي ازدحمت بداية الاسبوع الماضي بالخارجين لتوهم من غرفة العمليات، فهم أتوا لتوهم لعلمهم بأن فريق طبي على أعلى مستوى جاء لقسم الباطنة والكبد لإجراء عمليات جراحية، وحالفهم الحظ أن يكونوا من ضمن قائمة أسماء من يجري لهم هذا الفريق الطبي الجراحات الكبدية، مع ملاحظة أن ضمن التشخيصات المرضية المرافقة لسجلاتهم ”الاصابة بفيروس كبدي C”.

جلس على سريره بالقرب من نافذة الغرفة، تعلقت يمينه بأنبوب رفيع يمده بالمحاليل الطبية، تدثر ببطاطين تقي جسده النحيل تقلبات الجو، وتقي مناعته الضعيفة احتماليات الاصابة بالبرد، في حين جلس ابنه المرافق له يتحدث معه لحين قدوم فترة مرور الأطباء.

”عز” الرجل الستيني والعامل سابقا بإحدى الجهات الحكومية، شخصت حالته بـورم سرطاني بالكبد، فضلا عن إصابته بإلتهاب كبدي فيروسي مزمن (فئة C)، جاء للمستشفى يوم الأربعاء الماضي لإجراء ”حقن كيماوي للورم”، وجلس بعدها تحت الملاحظة لحين استقرار حالته.

”أدوية بـ1090 جنيه جبناهم قبل العملية، ولسه ماعرفش العلاج بكام”، قالها الرجل الستيني وهو يتحدث عن كواليس استعداده للحقن الكيماوي، وقال: ”خلطة الحقنة نفسها جبناها من بره قبل العملية”، واصفا جرعة الكيماوي حسب ظنه، في حين أن المتابعات بالسونار والتحاليل تتحملها المستشفى لتقديمها العلاج بشكل مجاني واقتصادي لتلك الفئة من الأمراض المزمنة.

”سرير” بجوار الأب، جهزه الابن ”محمد” ليكون مرافقا لوالده طيلة فترة بقائه بالمستشفى، لا يفارقه إلا حين تأتي ساعات عمله صباحا، ليتواجد بدلا منه أخيه الأصغر، في حين وزعت عليهم ”تعليمات مكافحة العدوى”، والتي تفيد بعدم ملامسة دم المريض في حالة وجود جروح أو تقيحات بجسد المساعد، وهو ما وصفته طبيبة الامتياز المعالجة بقول: ”الممرضين هنا بيعملوا كل حاجة، بس المرافق ممكن يوقف تدفق المحلول إن خلص، أو يساعده في الحركة مش أكتر”.

رغم تسجيل ”عز” على قوائم المؤمن عليها صحيا والتابعين للدولة، إلا أن أسرته اصرت على المجيئ به من ”الأميرية” للدمرداش لإجراء الجراحة وتلقي العلاج، فعلى حد وصف الابن قال: ”هنا الاهتمام هيكون أحسن من التأمين الصحي والاستعدادات أكتر”، إلا أنه قال أيضا أن في حالة معاناته هو شخصيا من مرض ما، فإنه سيذهب للتأمين الصحي (الخاص بطبيعة عمله).

علاقة المريض بالطبيب: ”معايشة” و”كونتاكت” و ”شكة ابرة”

غرفة أو اثنتين تجمع ”النواب والأمتياز”، سرير وطاولة وكومة من عبوات المحاليل، شنطة ملقاة على سرير اكتسى ببطانية، تجاورها كومة أخرى من التقارير الطبية الخاصة بالمرضى، أمامهم استقرت صورة لآشعة سينية لأحد مرضى القسم، و اثنان ”موبايل” أحدهما خاص بالطبيب النائب لاستعماله الشخصي، والأخر خصصه للتواصل مع مرضاه ومتابعة خطواتهم بشكل يومي.

”احنا بنتابع كثر من 5 آلاف حالة مسجلة (فيروس C)، وبيكون الاصابة بالفيروس بجانب اصابة بمرض تاني جايين يتعالجوا منه هنا” قالها نائب القسم لوصف الحالات المسجلة لديهم، مضيفا: ”المستشفى هنا جامعي يعني فيها عدد كبير جدا من مرضى فيروس C، بس مش شرط أبدا مريض الفيروس يقيم في المستشفى، هو بيجي يتعالج أو يعمل فحوصات وبنتابعه، إنما الاقامة بتكون للعلاج من عرض تاني إضافي”.

”كشف ظاهري، وظائف كبد كاملة، وظائف كلى، صورة دم، معدل السيولة، سونار على البطن، ربما يحتاج إلى منظار للمعدة، أو متابعة إن حدث تضخم بالطحال أو دوالي، تحليل دلالة أورام”.. كل هذه الفحوصات تكون خيارات مطروحة أمام الطبيب هنا بقسم ”الأمراض المتوطنة”، إلا أنه قال: ”تقريبا كلها بيكون مجاني وموجود في المستشفى باستثناء تحاليل دلالات الأورام والدلالات المناعية”، أو انها تكون مدعمة بنسبة 50 في المئة مثل ”تحليل العدد الكمي للفيروس” ويدفع فيها المريض 290 جنيه، ”ودا بيفيدنا نعرف نسبة الفيروس في الدم”.

”كونتاكت المريض مهم جدا بالنسبالنا، اصله مش مجرد ورقة”، هكذا لخصت الطبيبة الشابة ”مروى” الأمر والعلاقة بينهم وبين المرضى، وبين المريض والطبيب الاستشاري بالمستشفى، فهم المتابعون بصفة مستمرة للحالات، ويكاد الشخص فيهم أن يداوم لأكثر من 12 ساعة يوميا بالمستشفى، في حين يكون دوام الطبيب النائب اسبوعا كاملا بالمستشفى، أما الطبيب الاستشاري فيتابع الأمر أثناء مروره على المرضى وتلقيه ردود الفعل وشكوى المريض، لكن الحالة الصحية تكون من خلال ”النائب و الامتياز”.

”بيحصل إن دكتور يتشك بإبرة مثلا ويتصاب من مريض بفيروس C”، قالها الطبيب ”محمد”، مضيفا أنه في مثل هذه الحالة يكون الطبيب مريضا، إلا أنه يتابع حياته مثل بقية مرضاه، ويجري معهم كافة الاجراءات التشخيصية والعلاجية، مردفا: ”الدكتور بيكون عارف الاجراءات الوقائية، وإذا حصل ولمس دمه دم مريض مصاب فبيتابع ردة فعل جسمه أثناء فترة حضانة الفيروس (من شهر إلى 3 شهور)، وإن تأكدت اصابته بالفيروس بيتعالج زي باقي مرضاه”.

 

 

مصراوى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى