منوعات

“هزيمة الإسكندرية”: مفيش مصيفين.. الكل في الساحل والسخنة

 

 

 

«غزو الإسكندرية»، وصف يستخدمه أهالى «عروس البحر المتوسط» للتدليل على الهجوم الكاسح من قبل المصطافين على المدينة فى أشهر الصيف، فالشوارع تزدحم بالسيارات والمارّة، والشواطئ تمتلئ عن آخرها، ومن يملك شقة قريبة من البحر، كمن يملك كنزًا. لكن شيئًا ما خفّض إقبال المصيفين على «بحر إسكندرية» عن المعتاد بشكل ملحوظ، فشارع الكورنيش ليس به الازدحام المعروف، وكراسى المقاهى ليست محجوزة بالكامل مثل السنوات الماضية، وحتى الباعة الجائلون على الكورنيش يسألون: «أين المصيفون؟».

«الدستور» أجرت جولة فى الإسكندرية لرصد حالة الهروب من المصيف الأعرق فى مصر، فأصحاب الشقق المخصصة للتأجير باليوم، لاحظوا ضعف الطلب على شققهم، وأصحاب الشواطئ صارت لديهم أماكن شاغرة أمام البحر، ينتظرون المصطافين يوميًا، أما بقايا المصطافين الملتزمين بشاطئ المدينة القديمة، فلديهم تفسيرات عديدة، منها الحالة الاقتصادية للمواطنين، وتفضيل آخرين لرحلات اليوم الواحد.

أصحاب شقق: نبحث عن المستأجرين عبر «أوليكس» و«فيسبوك».. والأعداد تراجعت جدًا
تنتشر إعلانات عبر الإنترنت عن شقق فاخرة ومجهزة بأرخص الأسعار، فى موقع متميز قرب الشاطئ، لكن على غير العادة، لا تجد تلك الإعلانات إقبالًا، فبعد أن كان الحصول على شقة بتلك المواصفات أمرًا صعبًا فى السنوات الماضية، صارت تلك الشقق تنتظر مستجيبًا، حسب كلام أصحاب الشقق والسماسرة، الذين تحدثنا إليهم فى مناطق مختلفة بالمدينة الساحلية.

يقول أحمد جاد، سمسار فى منطقة «ميامى»، إن أسعار الشقق تبدأ من ٦٠٠ جنيه فى الأسبوع، وترتفع بحسب إمكانيات الشقة، وحسب قربها من شارع الكورنيش، إضافة إلى كونها مكيفة أم لا، لافتًا إلى أن تلك الأسعار منذ العام الماضى وليست وليدة هذا العام: «الأسعار مزادتش السنة دى، لأن مفيش سبب يخلينا نغلى سعر إيجار الشقق». ويكشف «جاد» عن أنه مسئول عن تأجير عدد من الشقق مقابل نسبة، كما هو متعارف فى الإسكندرية، وكان فى الأعوام الماضية يأتى إليه المصيفون فى مكان تواجده بالمقهى، أو يتصلون به عبر أرقامه المنتشرة بين سكان المنطقة، لكن هذا لم يحدث فى الصيف الحالى، فاضطر إلى استخدام وسائل أخرى للترويج للشقق، مثل مواقع الإنترنت و«فيسبوك»، من أجل العثور على مستأجرين.

عندما تحدثنا مع عدد من أصحاب الشقق، انقسمت آراؤهم حول الأمر، لكنهم يؤكدون أن أعداد المصيفين انخفضت هذا العام.
يحكى سعيد سعد عن شقته بمنطقة سيدى بشر: «هذا العام، اضطررت للإعلان عن تأجير الشقة من خلال المواقع، مثل (أوليكس) و(عقار ماب)، لكن قبل هذا الصيف لم أكن أبذل مجهودًا فى تأجيرها، أكثر من أن أعرّف البواب بأن الشقة معروضة للإيجار، والذى كان يأتى بالمصيفين بصورة شبه يومية، يسألون عن شقق فارغة للإيجار بالليلة». أما هناء كيلانى، تملك شقة بشارع خالد ابن الوليد، فتلفت أولًا إلى أن هذا الشارع هو الأشهر بين المصيفين، خاصة القادمين من محافظات الدلتا عبر الطريق الدولى، فهو يعتبر وجهة أساسية لهم، وبالتالى هو من أكثر الأماكن ازدحامًا خلال فترة الصيف.

وتقول: «فى العادى لو حد نزل الشارع ده فى الصيف كان يخبط فى الناس من كتر الزحمة، لأنه عبارة عن تجمعات بشر تخفى الأسفلت، لكن السنة دى تلاقيه هادئ، وكأننا فى الشتاء».

وتشير إلى تأجيرها شقتها ٥ مرات فقط خلال هذا الصيف، كل مرة منها استمرت ليومين، أى أن المصيفين استخدموا الشقة لمدة ١٠ أيام طوال الشهرين الماضيين، وهذا ما لم يحدث منذ أن اشترت الشقة فى ٢٠١٠ من أجل استثمارها فى الإيجار.

عمال الشواطئ والباعة: رحلات اليوم الواحد سرقت رزقنا
صفوف من الكراسى المربوطة بالسلاسل، تجاورها الشماسى المغلقة على الرمال، وإلى جوارها يجلس شابّان يحرسانها، اعتادا وزملاؤهما فى وقت الصيف على شعار «لا وقت للراحة»، فأغلب ساعات العمل تضيع بين نصب الشماسى أمام البحر فى صفوف متوازية، وبين استقبال القادمين إلى الشاطئ، وتحصيل المقابل منهم، ومتابعة أى شكاوى من أوضاع الشماسى والكراسى.

خلال هذا الصيف اختلفت أوضاع المسئولين عن الشواطئ والعاملين بها، عن ذلك يقول «على» إن مشهد الكراسى والشماسى غير المستخدمة غير مألوف عليه، فهو يراه للمرة الأولى منذ سنوات الثورة، ففى عام الثورة كان الإقبال ضعيفًا بسبب الأوضاع الأمنية، أما فى هذا العام فقد فوجئ بغياب المصيفين.

«الناس قلّت بس الرزق موجود»، بدأ بها «جلال»، بائع جائل، حديثه عن ظاهرة قلة الإقبال على شواطئ الإسكندرية، ويضيف أنه اعتاد فى السنوات الماضية على ملء صندوق «الفريسكا» بالكامل وبيعه ٣ مرات على الأقل، خلال ساعات نهار اليوم الواحد، لكن هذا العام بالكاد يبيع صندوقًا واحدًا، قبل أن يخيم الليل.

عصام حسانين، بائع مشروبات مثلجة، يقف بعربته أمام أحد أبواب شاطئ سيدى بشر، يرجع ضعف الإقبال إلى «موضة» الساحل الشمالى أو مرسى مطروح أو مصايف اليوم الواحد فى العين السخنة، هربًا من الازدحام المعتاد فى الإسكندرية، ورغبة فى التجديد، إلى جانب الأزمة الاقتصادية.

رغم همومهم، إلا أن المتحدثين أعلاه، يجمعون على ثقتهم بأن المصيفين سيعودون إلى الإسكندرية، لأنها أرخص مصيف فى مصر، ولأنها الأقرب إلى سكان الدلتا.

مشهد الزحمة واكتمال العدد، كان معتادًا لمقاهى الإسكندرية، المتراصة على طول الكورنيش، فمن يحتاج إلى كرسى للجلوس قليلًا كان يبحث بين عدة «كافيهات»، الآن الحال تبدل وصارت المقاهى متاحة بسهولة، ويمكن للزبائن الاختيار بمنتهى الحرية بينها، والسبب اختفاء ما يقرب من نصف المصيفين، هذا الموسم.

مواطنون: أصبحت وجهة الفقراء وكبار السن.. ويمكن زيارة القرى السياحية فى الإسماعيلية والسويس بـ1000 جنيه فقط
ضحكات الأطفال على هدير أمواج البحر تمتزج بنداءات البائعين، بينما يحمل آباء أبناءهم داخل المياه يعلّمونهم السباحة، ويتقاذف آخرون كرات الرمل، فيما يمارس شباب كرة القدم المائية، على طريقتهم الخاصة.. هكذا تبدو الأوضاع داخل الشواطئ، فقد جاء البعض لقضاء أيام، بعيدًا عن ضغوط العمل.
وخلال لقاءاتنا بعدد من المصطافين، تحدثوا لنا عن أسباب تراجع القدوم إلى الإسكندرية هذا العام، وبينهم أحمد الحسينى، ثلاثينى، الذى يقضى مع أسرته أسبوعًا هربًا من الطقس الحار فى طنطا، للاستمتاع بالإجازة الصيفية، وكان يأتى مع أسرته وأصدقائه وعائلاتهم فى الأعوام الماضية، أما هذا العام فقد جاء مع أسرته فقط، لأن أغلب الأصدقاء امتنعوا عن المجىء إلى الإسكندرية.
يقول «الحسينى»: «كذا سبب دفع زملائى لعدم الحضور معنا، فرمضان والعيد جاءا فى بداية الصيف، وتزامنًا مع امتحانات الثانوية العامة، وبعدها حدثت زيادات فى الأسعار، الناس ملحقوش ياخدوا نفسهم».
سبب آخر يراه «فارس»، وهو أربعينى قادم من كفر الشيخ، مع أسرته، يقول إن زملاء العمل فضلوا مصايف اليوم الواحد، التى تنطلق إلى العين السخنة والقرى السياحية فى الإسماعيلية والسويس، لأنها رحلات اقتصادية، فبدلًا من إنفاق ٥ آلاف جنيه، مثلًا، فى يومين أو ثلاثة أيام فى الإسكندرية، يكتفى بألف يذهب بها مع أسرته إلى المصيف ليوم واحد.
ويقول: «بيفرحوا أولادهم وزوجاتهم، وفى نفس الوقت ميتحمّلوش أسعارًا مضاعفة، فمن الممكن لأسرة كاملة أن تصطاف بألف جنيه فى العين السخنة أو السويس».
بينما يرى أحمد الجمّال، صاحب الأربعين سنة، أن الإسكندرية صارت مصيف كبار السن، بينما تحوّلت قرى الساحل الشمالى إلى الوجهة المفضلة للشباب، بسبب الخدمات الأرقى ولابتعادها عن الزحام، فهو على معرفة بكثير من أصدقائه الأصغر سنًا، كلهم ذهبوا إلى هذين المكانين، ويرونها نوعًا من الوجاهة الاجتماعية.

الدستور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى