الأخبار

“ضد البابا”.. كل شىء عن “حماة الإيمان” المتهمة بـ”معارضة الإصلاح”

 

 

منذ حادث اغتيال الأنبا أبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار فى وادى النطرون، يتردد اسم «رابطة حماة الإيمان» كثيرًا داخل أروقة الكنيسة الأرثوذكسية، باعتبارها تعارض رغبة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، فى التجديد.

ادعاء «حماة الإيمان» دفاعها عن فكر البابا الراحل شنودة الثالث، ودعمها من أساقفة رافضيين الفكر التجديدى والإصلاحى للبطريرك الحالى، حوّل المشهد إلى ما يشبه الحرب، تجسد ذروته فى قول البابا خلال عظته الأخيرة، الأربعاء الماضى: «لا يوجد حماة للإيمان المسيحى، فإيمان الكنيسة محمى بصاحب الكنيسة وهو المسيح».
وارتبط اسم «حماة الإيمان» بالتشدد، منذ اغتيال «أبيفانيوس» على وجه التحديد، وصاحب ذلك اتهامات لمؤسسى الرابطة بمحاولات السعى لـ«انقلاب شعبى» على البابا تواضروس، واستندت الاتهامات إلى واقعة نشر الرابطة فيديوهات تزعم تزوير الانتخابات البابوية والقرع الهيكلية أواخر ٢٠١٧.

تأسست فى 2011.. وبيان تعريفها: مهاجمونا يخالفون الإيمان
ظهرت رابطة «حماة الإيمان» منذ عام ٢٠١١، حين أسسها مينا أسعد، الباحث فى لجنة «العقيدة القبطية الأرثوذكسية» بأسقفية الشباب، والذى جمع بها مجموعة من الشباب الدارسين أكاديميا، بهدف «الرد على أى شبهة أو اتهام يوجه للعقيدة المسيحية أو الكنيسة القبطية، بكل محبة ونقاش علمى أكاديمى»، وفق الوصف الوارد من مسئولى الرابطة على موقعها الرسمى.
وأضاف مسئولو الرابطة فى تعريفها: «ظهر فى الآونة الأخيرة الكثير ممن يهاجمون المسيحية، مدلين بتصريحات ومبثين لأفكار، وغرض هذه الرابطة هى بيان فساد معتقداتهم وفضح أغراض هجومهم على الإيمان».
وشددوا على أن الرابطة «لا تشارك فى أى وقفات أو مظاهرات أو تجمعات، وتكتفى بإصدار بيانات تعريفية عن موقفها، وردود علمية على المعارضين، إلا فى حالات نادرة وضرورية». وبالفعل أصدرت الرابطة عدة بيانات، لعل أهمها ذلك الذى رفضت خلاله «توحيد المعمودية» بعد زيارة بابا الفاتيكان لمصر.
وأشاروا إلى حق أعضاء الرابطة فى ممارسة حقوقهم الدستورية بأى شكل، وأن ينتموا لرابطات أخرى، بشرط ألا تتعارض أهدافها مع أهداف «حماة الإيمان»، التى «لا تمتلك أى مواقف سياسية ولن يكون لها رأى فى سياسة الدولة، إلا لو اضطر الأمر لبيان موقفها من حقوق الأقباط».
وحظرت الرابطة على أعضائها الحوار حول إيمان المسلمين، فـ «لا شأن لنا بإيمانهم أو عقيدتهم، ولهم منا كل احترام وتقدير، حتى وإن استدعى الأمر أن نرد على أحدهم، فلا علاقة لنا بإيمانه ومعتقده ويقتصر الرد بما يتعلق بهجومه على المسيحية»، وفق ما هو وارد على موقع الرابطة الرسمى.
وذكرت أن أعضاءها لا يعملون على أى نوع من الأجندات الخاصة، وعلاقتهم بالآباء شخصية بين الابن وآبائه، مشددة على أنه «لا يملى عليها أحد»، مضيفة: «أعطينا نفسنا الحق فى أن نتقدم باقتراحات للعمل الإدارى الكنسى، كما يستدعى الحال، وفعلنا ذلك فى اقتراحاتنا للأحوال الشخصية، وهذا ليس تدخلا وليس دفاعا عن أحد».
وحرصت «حماة الإيمان»، على الخروج من مأزق توجيه أصابع الاتهام إليها من قبل بعض اللاهوتيين والمتابعين للمشهد القبطى، بشأن علاقتها بقتلة الأب أبيفانيوس، وحاولت خلال الأيام الماضية تبرئة نفسها.
ونشرت على صفحتها: «التزمنا بالصمت طوال الفترة السابقة، بعد الحادث المؤسف، ثقة فيما نفعله، لأنه لا يوجد أى شىء يديننا، فجميعها ادعاءات وأكاذيب لا يوجد ما يثبتها، وثانيًا انتظارًا لانتهاء التحقيقات، واحتراما لجهات التحقيق».
وعقب إعلان اسم القاتل ومعاونه، رأت الرابطة أن ذلك يبرئها، لأن «الدافع لم يكن عقيدًيا أو طائفيًا، كما حاول البعض أن يروج على خلاف الحقيقة».
وقالت صفحة الرابطة إن «محاولة الإساءة لـ(حماة الإيمان) وخدامها وحملات التشهير ضدهم، كانت من شخصيات لها أفكار غير سليمة أو مخالفة فى الإيمان، الذين سبق أن ناقشت الصفحة هذه الأفكار غير السليمة بالرد العلمى الآبائى الكتابى عليها، لذلك كان الأمر أشبه بالثأر».
وأضافت: «محاولة وضع اسم الصفحة وسط صفحات أخرى، لا علاقة لنا بها تهاجم أو تسىء، محاولة بائسة لأن صفحتنا معروفة ومكشوفة للجميع، ومن يدخل ويتابع ما فيها من منشورات لا يجد أى تطاول أو إساءة أو هجوم على الكنيسة أو البابا تواضروس الثانى».
وشددت الرابطة على استمرارها فى قضيتها: «سيستمر أسلوبنا فى طرح أى قضية أو موضوع، وهو الأسلوب الأكاديمى بالأدلة والبراهين، فى طرح الفكر المدافع عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ونخضع للكنيسة وآبائها، لأننا أبناؤها، نحبها ولا نهاجمها أبدًا، ولا نسىء إليها، كما يفعل البعض، المعروفة انتماءاتهم وتوجهاتهم».
وفيما يبدو ردًا على تصريحات البابا تواضروس، قالت الرابطة: «نحن لم ولن ندّعى أننا حماة الإيمان، ولكننا أبناء حماة الإيمان الحقيقيين، الذين لولاهم ما وصل لنا الإيمان نقيًا ومستقيمًا، فنحن أبناؤهم نسير على دربهم ونسعى بكل قوتنا إلى الحفاظ على الإيمان الأرثوذكسى نقيًا، لنسلمه لأبنائنا كما تسلمناه من آبائنا، وهذا واجب، ليس علينا نحن فقط، بل على كل قبطى أرثوذكسى»، معتبرة أعضاء الرابطة «أبناء القديسين أثناسيوس وكيرلس وديسقورس والبابا شنودة».
وأضافت: «لنا الحق فى الرد على كل من اتهم أو تطاول أو أساء للصفحة أو خدامها، والرد عليه بالأسلوب والشكل القانونى الذى نراه»، مشيرة إلى أن أبوابها مفتوحة للجميع وأن من يخدمون فيها شخصيات معروفة بالاسم، وليست شخصية مجهولة.
وتابعت: «دعوة لكل من يهاجم أو من يصدق الادعاءات والاتهامات ضدنا أن يدخل ويتابع ما نُشر وما يُنشر من مقالات وأبحاث ومنشورات، ليعرف أن كل ما يتم ترويجه أكاذيب معروف من وراءها، وما سببها».
واستشهدت فى ختام رسالتها بإحدى رسائل بولس الرسول: «أستودعك إياها حسب النبوات، التى سبقت عليك، لكى تحارب فيها المحاربة الحسنة».

معارضة توحيد المعمودية تكشف دعم أغاثون وبيشوى للرابطة
على الرغم من نفى الرابطة ارتباطها بأى من أساقفة الكنيسة، فى البيانات التى تصدرها أو فى مواقفها المختلفة التى تخص الكنيسة، فإن ذلك يناقض اتفاق آرائها بالنص مع آراء بعض الأساقفة، ودفاع هؤلاء الأساقفة عن مبدأ وجود «حماة للإيمان».
وفى مقدمة المتهمين بالوقوف خلف «حماة الإيمان»، الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة، وهو رجل البیانات المعارضة، الذى لا یفوت فرصة لإصدار بیان یرفض فیها تصرفات البابا.
وفى العامين الأخيرين، دأب الأنبا أغاثون على التصدى للبابا تواضروس الثانى، وإصدار العديد من البيانات ضده، ومعارضة إصلاحاته، ففى مارس أصدر بيانًا يعلن فيه رفض تصريحات الأنبا أنجيلوس، أسقف شبرا الشمالية، التى أقر فيها بـ«رمزية» الكتاب المقدس.
ومن أشهر مواقف الأنبا أغاثون ضد البابا، ما حدث عقب زیارة بابا الفاتیكان لمصر، فخلال الزيارة، أصدر أغاثون بیانًا، اتهم فيه الكنیسة الكاثولیكیة بالهرطقة، وألمح إلى أن توقیع البابا على بيان مشترك بين الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية حول المعمودية فيه تنازل عن الإیمان الأرثوذكسى.
وقال فى ذلك الوقت: «المعمودیات القانونیة والصحیحة التى تجرى فى الكنائس المتمسكة بالإیمان للكنیسة الجامعة، ولم تنشق علیها عام ٤٥١ میلادیا أو بعد ذلك، ومثال علیها كنائس العائلة الأرثوذكسیة، الشرقیة القبطیة، الأرثوذكسیة والسریانیة والأرمینیة، وبهذه الكنائس، المعمودیة واحدة ولا تعاد».
وخلال أحداث قضية مقتل أبيفانيوس، فى الآونة الأخيرة، أطلق أسقف مغاغة عظة له فى يوم «نهضة العذراء» يعلن خلالها رفضه قرار البابا تواضروس بوقف الكهنوت، مبررًا ذلك بأن «الكهان حماة الإيمان».
وأضاف: «الرسل ورجال الكهنوت داخل الكنيسة الأرثوذكسية هم المسئولون أمام الله، عن إيمان الكنيسة وعقائدها وأسرارها، والمؤتمنون على النفوس داخل الكنيسة»، لافتًا إلى أنه «سيأتى وقت وسيطلب فيه الله الحساب على وكالته، وسيحاسب كل مسئول عن النفوس وتفريطه للإيمان».
وشرح أغاثون: «آباء الكنيسة هم المسئولون أمام الله عن إيمان الكنيسة بكل أسرارها وطقوسها، والتمثيل بالنيابة عنهم»، مشددًا على أن «الرسل والكهنوت حماة للإيمان».
وتابع: «الرهبنة كمؤسسة كنسية يجب تقديرها واحترامها، نظرًا لمكانتها وما قدمته من سيرة حية لله، ولا ننسى أن الرهبنة عمود من أعمدة الكنيسة التى ترتكزون عليها، وبالنظر لتاريخ الكنيسة منذ تأسيسها، نجدها تعرضت لكثير من التجريح وتجارب متنوعة، من داخلها وخارجها، وفى جميعها خرجت منتصرة». ووضح معاداة الأنبا أغاثون لمحاولات الإصلاح البابوية، حين حذر مما سماه «التيارات الفكرية المختلفة والتعاليم الخاطئة»، قائلًا: «الإيمان المستقيم له ثوابت مسلمة تناسب كل إنسان وكل عصر، فالتحديث والتغيير فى ثوابت الإيمان مرفوض، لأنه يتسبب فى فساد الإيمان والإلحاد».
ونصح: «لا تفرط فى إيمانك أبدا ولا تسمع لمن يُعلم خطأ، نحن مطالبون بالدفاع عن إيماننا فى أوقات الهجوم عليه والتشكيك فيه، وذلك بتقديم التعليم الصحيح وبالطرق المشروعة».
إلى جانب «أغاثون»، هناك الأنبا بيشوى، مطران دمياط وسكرتير المجمع المقدس فى عهد البابا شنودة، وهو واحد ممن يعرفون بتعصبه الشديد للكنيسة الأرثوذكسية، رغم أنه ممثل لها فى لجنة الحوار بين الكنائس.
ويبدى الأنبا بيشوى دائما نزعة مضادة لمحاولات البابا تواضروس التقارب مع الكنائس الأخرى، وقال فى احتفالات «خمسين عامًا على ظهور العذراء»: «لم تظهر لأى طوائف أخرى، بل لكنيستنا الحقيقية، وهو مش تعصب ولا حاجة، بل لأننا الكنيسة الصح».
وخاض «بيشوى» معارك مع الأنبا بيفنوتيوس مطران سمالوط وتوابعها، المحسوب على التيار الإصلاحى، ورفض ما جاء فى كتاب الأخير «المرأة فى المسيحية»، الذى أباح خلاله تناول المرأة.

القس فلوباتير جميل: لا يفعلون شيئًا سوى «الإدانة».. يتجاوزون صلاحيات المجمع المقدس.. ولا نعرف مؤهلاتهم
عن فكرة إنشاء رابطة تحتكر فى اسمها الإيمان المسيحى، قال القس فلوباتير جميل، كاهن الكنيسة القبطية فى الولايات المتحدة الأمريكية: «لم يحدث فى التاريخ الكنسى، أن أطلق إنسان أو جماعة على نفسها أنهم حماة الإيمان أو صخرة الأرثوذكسية أو بطل الإيمان، فصحيح أنها ألقاب أطلقت من قبل على البعض، ولكن بعد مئات أو عشرات السنين على رحيلهم، فلا يليق بإنسان أو جماعة منح اللقب لأنفسهم، كما يحدث فى هذا الزمان».
وأضاف «جميل»، على حسابه الشخصى بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «حرصت الكنيسة على مر الزمان على عدم الانتماء لشخصيات بعينها، رغم عظمتهم، ولم يحدث هذا الانتساب إلى شخصيات، إلا خلال الستين عامًا الأخيرة».
وانتقد «ظهور مجموعات تسمى نفسها أبناء البابا فلان أو تلاميذ الأب فلان، وكأن التاريخ لدى هؤلاء قد بدأ وتوقف عند هذه الشخصيات، رغم عظمتهم ودورهم التاريخى، فهذا الأمر حذّر منه الكتاب المقدس (بولس وأبولوس)، وحذر بولس الرسول نفسه من الانتماء لشخصه، وما أدراكم من هو بولس الرسول».
وتابع القس فلوباتير: «هناك خطورة إذا تركت مهمة حماية الإيمان، فى حالة الاحتياج لها، لعامة الشعب أو الخدام أو حتى رجال الإكليروس بشكل فردى.. تكمن هذه الخطورة فى الاحتياج إلى الدراسة والعمق والبحث، وكل هذا لا يتوفر للكل، فالحقائق والثوابت الإيمانية لا يمكن دراستها والوقوف على صحتها إلا بالرجوع إلى أقوال الآباء وتفسيرات آبائية كثيرة، الأمر الذى لا يتوفر للعامة».
ورأى أن سقوط هذه الرابطة فى «خطية الإدانة»، يكون بالتركيز على التصرفات أو القرارات التى تتخذها الكنيسة أو أى جهة ما، فيظهر ذلك حالة من حالات التربص بكيان ما، من أجل إثبات فكرتهم ووجهة نظرهم، موضحا: «هناك شعرة فاصلة لا يستطيع إدراكها إلا من له مستوى روحى معين، بين إدانة الشخص أو مجموعة من الناس، وإدانة الفكرة أو الرأى».
وأضاف كاهن الكنيسة القبطية فى الولايات المتحدة الأمريكية: «إنشاء كيانات متحاربة ومتحزبة لفكرتها بسبب حبهم وانتمائهم لشخص أو لجماعة معينة، يصرف الناس عن الجهاد فى أمر خلاصهم وحياتهم الروحية، إلى إثبات فكرتهم ورأى حزبهم، وتغذية الانقسام والتحزب باسم الدفاع عن الإيمان وحمايته، والمعروف لدى الكافة أن كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب، وهو ما يعرض الكنيسة للخطر، فضلا عن الذات والكبرياء التى تكبر وتتضخم لدى هؤلاء بسبب فكرة أنهم يقومون بحماية الإيمان وبأفضلية فكرتهم ومنهجهم، الأمر الذى يمكن أن يكون بداية خطوات ضياعهم وهلاكهم».
وخلص إلى أن: «مهمة حماية الإيمان هى حق أصيل للمجامع المقدسة، المسكونى منها والمكانى، ولا يجوز أو يصح بأى حال من الأحوال أن يغتصب شخص ما أو جماعة ما هذا اللقب، ليطلقونه على أنفسهم، خادعين البسطاء من الناس، ومن له أذن للسمع فليسمع».
وتساءل عن «حماة الإيمان»: «من يكونون؟»، لافتًا إلى أن «جدلًا شديدًا ظهر حول فكرة حماية الإيمان، وهل فعلًا يحتاج الإيمان لحماية؟».
وواصل استنكاره: «إن كان هناك احتياج فعلى لحماية الإيمان، فمن يقوم بذلك؟! وما مؤهلاته؟!، وهل يمكن أن يدعى إنسان ما أو جماعة معينة أنها حماة للإيمان؟!، وهل احتاجت الكنيسة فى أى فترة من تاريخها- الممتد لأكثر من ألفى عام- إلى من يحمى إيمانها؟».

الدستور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى