حوادث

“مأمورية الفجر”.. قصة الـ60 دقيقة “رصاص” لإنهاء أسطورة “القناص” بأسوان

طوال 7 أشهر متواصلة، لم يكتف “القناص” -كما يُلقبه الأهالي- بأعماله غير المشروعة وراح يدق أبواب الشر واحدًا تلو الآخر، بدءا من تجارة السلاح والذخائر غير المرخصة مرورا بالمخدرات ووصل به الأمر لارتكاب جرائم قتل، وبات يشكل خطرا على السكان.

على بعد 37 كيلو مترا شمال محافظة أسوان، يقع نجع أم حامض بقرية المنصورية التابعة لمركز دراو، غالبية قاطنيه من البسطاء الذين يعملون في الفلاحة وتجارة الجمال، الهدوء هو الطابع المعتاد إلا أن الأحوال تبدلت مع نشاط “عبد الوهاب بوشاشين” وشهرته “القناص” وشقيقه اللذان ينتميان لإحدى عائلات القرية.

اقترن ذكر الشقيقين مع أعمال البلطجة وتجارة السلاح، بل وصلا إلى محطة عالم الإتجار في المخدرات، خاصة الأقراص المخدرة ونبات البانجو. واستقطب الشقيقان عددا من العناصر الإجرامية الخطرة ذوي المعلومات الجنائية ليكونوا تشكيلا عصابيا بات يهدد أمن وسلامة المواطنين.

رويدا رويدا، بدأت الأمور تزداد سوءًا، ارتكب “القناص” 3 جرائم قتل في تحدٍ ضارخ لجهاز الشرطة، خاصة مأموريات عدة لم تحقق الهدف المنشود وتشفي غليل البسطاء الذين بات جُل حلمهم الخلاص من تلك العصابة.

في يوليو الماضي، شملت حركة التنقلات العامة لوزارة الداخلية تعيين اللواء نائل رشاد مديرًا لأمن أسوان، الذي صرح منذ اليوم الأول له بأن تطهير المحافظة من البؤر الإجرامية وفرض السيطرة الأمنية بالشارع الأسواني تتصدران أولوياته.

بالعودة إلى قرية أم حامض، كان الحدث الأبرز هو مقتل شخص على يد “القناص” بعدما طالبه باستعادة ملكية قطعة أرض استولى عليها بطريقة وضع اليد، فكان مصيره القتل رميا بالرصاص لتزداد مع تلك الواقعة أسطورة ذلك العنصر الإجرامي حتى وصفه البعض بأنه “خُط الصعيد الجديد”.

لم تكن الجريمة كسابقيها، تعليمات رفيعة المستوى جاءت بوضع نهاية لذلك التشكيل العصابي، وتشكيل فريق بحث على أعلى مستوى يترأسه مفتشو الأمن العام لجنوب الصعيد وأسوان يختص بجمع المعلومات الدقيقة حول الأماكن التي يتردد عليها العانصر الإجرامية.

أولى المفاجآت كانت أن “القناص” يتخذ عقارا مكون من 3 طوابق أسفله مسجد نقطة انطلاق تنفيذ أعماله الإجرامية، وأنه وأعوانه منعوا الأهالي من أداء الصلاة في المسجد، وحولوه مخزنا للأسلحة والذخائر والمخدرات، مما أثار حفيظة القيادات الشرطية بشكل أكبر.

وكشفت تحريات الرائد كريم أبو العباس، رئيس مباحث دراو، أن المتهم صادر ضده حكم بالسجن المؤبد في قضية “قتل عمد”، والسجن 3 سنوات بقضية “مخدرات”، إضافة إلى كونه مطلوب ضبطه وإحضاره في واقعة قتل شخصين وقضية سرقة بالإكراه.

داخل غرفة الاجتماعات الرئيسية بديوان مديرية أمن أسوان المُطلة على كورنيش النيل، دارت فعاليات الاجتماع بحضور اللواء إبراهيم مبارك، مدير إدارة البحث الجنائي، واللواء أسامة الشريف، مدير منطقة جنوب الصعيد للأمن المركزي؛ لوضع خطة محكمة لمداهمة وكر “القناص” وتسليمه إلى العدالة.

وتركزت الخطة على محاصرة العقار من الجهات كافة، وتوخي الحذر في التعامل مع المتهمين حرصا على حياة الأهالي، إذ أنه داخل حي سكني ضيق الشوارع، ليوجه مدير الأمن بمراجعة تفاصيل المأمورية “الهم” منذ قدومه منعا لوقوع أية خسائر بين صفوف القوات.

الخامسة فجر أمس الخميس، انطلقت 10 مجموعات قتالية -إحداها للدعم- من قطاعي الأمن المركزي بقنا وأسوان بالإضافة إلى عناصر البحث الجنائي بمشاركة الرائد كريم أبو العباس، رئيس مباحث دراو، والرائد عمرو مصطفى، رئيس قسم ثان أسوان، والرائد محمود حامد، رئيس مباحث قسم أول، والنقيب معتز عزت والنقيب محمود عبد الحميد من مكافحة المخدرات.

عربات مصفحة، مدرعات حديثة، أسلحة ثقيلة، قيادات أمنية، تصف الكلمات “مأمورية الفجر” التي لم ير الأهالي مثلها منذ زمن بعيد. مع وصول القوات، تم تقسيم المجموعات حسب الأدوار لتطويق العقار المستهدف، لكن أحد عناصر التشكيل العصابي لاحظ صعود بعض الضباط أحد العقارات المرتفعة الكاشفة للمنطقة، ليحذر شركاؤه الذين بادروا باستهداف القوات بطلقات “الجرينوف”.

على مدار نحو 60 دقيقة كاملة -حسب بيان الداخلية- تبادل الطرفان إطلاق النار وسط حذر شديد من رجال الشرطة على حياة المدنيين، حيث أن منازلهم جنبًا إلى جنب العقار المستهدف فضلا عن حيطة “القناص” الذي أقام “دُشم” خرسانية وأخرى رملية أعلى السطح تحسبا لذلك اليوم.

الأمور بدت أكثر صعوبة، خاصة مع امتلاك العناصر الإجرامية أسلحة ثقيلة وكمية كبيرة من الذخيرة، مما دفع القوات لاستخدام 5 قذائف “لانشر” الحارقة التي أربكتهم، ودفعت عددا كبيرا منهم للهرب عبر الزراعات المتاخمة للموقع.

25 مترا فصلت القوات عن العقار، لتزداد معها حمية المعركة التي سطر فيها رجال الأمن المركزي ملحمة قوية، انتهت بإصابة القناص وأحد أعوانه، لكن الأول حاول الهروب عبر فتحة من السقف تصل إلى المسجد، ليجد القوات في انتظاره إلا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة، ولاذ شقيقه بالهرب، وعُثر على جثة “جابرالله عبد الباسط”، مطلوب ضبطه في قضية ضرب ومخدرات، أعلى السطح.

وعثرت القوات على بندقيتين آليتين وشريطين جرينوف، و18 خزينة آلية، و360 طلقة نارية، و5 كجم من نبات البانجو و140 قرصا مخدرًا، وتم نقل الجثتين للمشرحة العمومية بدراو، وسط انتشار أمني مكثف لرجال الشرطة ليتلقوا إشادة من مدير الأمن عبر جهاز اللاسلكي “الله ينور يا رجالة.. إنتم أبطال”.

مصراوى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى