اخبار عالمية

قمة «الشراكة الإستراتيجية» بين السيسى وبوتين اليوم..

يواصل الرئيس عبدالفتاح السيسي سعيه الحثيث لبناء علاقات متينة متوازنة فاعلة مع القوي العالمية الكبري، حيث يلتقي الرئيس السيسي، اليوم، نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، وهو لقاء يمكن وصفه بأنه «قمة الشراكة الإستراتيجية» بين قوة دولية كبري وقطب إقليمي فاعل، بعد أيام من لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نيويورك.

ولا أذيع سرا إذا قلت إن الدولة الروسية تنظر إلي زيارة السيسي إلي موسكو باهتمام بالغ، بوصفها حدثا استثنائيا، بالنظر إلي توقيتها ومخرجاتها والمعادلات التي يمكن أن تترتب عليها، مظاهر الاهتمام الروسي بدأت منذ ما قبل الزيارة، وصولا إلي إلقاء الرئيس كلمة تاريخية، أمس، أمام مجلس الفيدرالية الروسي، ليكون أول زعيم أجنبي يقوم بمثل هذه الخطوة، وسط حفاوة وتقدير متبادل، ومن المؤكد أن هذه الخطوة تفيض بالدلالات والرسائل الكاشفة، وتضع ثقلا إضافيا في موازين العلاقات التاريخية الممتدة منذ ٧٥ عاما، علي المستوى الرسمي، ومنذ ما قبل ذلك بكثير على مدار علاقات الشعبين الصديقين، وهو ما يمكن لمسه أيضا من لقاء السيسى رئيس الوزراء الروسى ميدفيديف، أمس، ثم القمة المصرية- الروسية فى سوتشى اليوم.

وبارتياح شديد، يمكنني القول إن القيادة الروسية -والرئيس بوتين شخصيا – تراهن علي الدور المصري لإعادة التوازن المفقود، في الشرق الأوسط، الإقليم الأهم في المدرك الإستراتيجي للقوي الكبري بثرواته وموقعه وكتل النيران المتصاعدة فيه.

وأحسب أن كلمة الرئيس السيسي أمام مجلس الفيدرالية تضمنت عددا من الرسائل الواضحة ووضعت النقاط فوق حروف العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، علي قاعدة المصالح المتبادلة التي تعد البنية التحتية لصياغة الإستراتيجيات ورسم مسارات الأحداث، هنا نتوقف عند عدد من النقاط الشديدة الأهمية في خطاب الرئيس السيسى ومضامينها الاستراتيجية.

في البداية، كلمة الرئيس تمثل جسرا لاطمئنان موسكو تجاه مع القاهرة، وأنه إستراتيجي مستديم، لا تكتيكي متزعزع، وقد كان لافتا أن الرئيس بوتين قابل السيسي في منتصف المسافة، بأن أوعز إلي الجهات المختصة في الدولة، بتوقيع اتفاق «الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجى» علي أعلي المستويات مع مصر، لتمثل الزيارة ومحاورها رافعة وطفرة نوعية فى مسارات العلاقات بين الدولتين.

ولا أبالغ لو قلت إنه سيكون لها انعكاساتها ليس علي المستوي الثنائي فحسب، بل الإقليمي والدولي.

أن الرئيس السيسي، خلال كلمته، علي مدي ١٥ دقيقة، حدد مسارات التقارب الواعدة بين الشعبين الصديقين، حيث أشاد بالعمق والخصوصية اللذين تحظي بهما علاقاتهما، مذكرا بمساندة روسيا لمصر في معركة البناء والتعمير خلال الستينيات: بناء السد العالي والقلاع الصناعية، منوها بأن هذا الدور سيظل دوما محل تقدير وامتنان.

وبوضوح قاطع علي نهج «الباب المفتوح» لتعزيز صور التعاون، أشار السيسي إلي تطلع القاهرة، إلي جذب المزيد من الاستثمارات والخبرات الروسية، لاسيما في منطقة قناة السويس، مبينا أن المنطقة الصناعية الروسية هناك تكفل تنامي حجم التبادل التجاري والتعاون الصناعي والاستثماري، وتوظف الميزات النسبية للسوق المصرية، باعتبارها بوابة للأسواق العربية والإفريقية والآسيوية.

وتوقف الرئيس عند الاتفاق المصري -الروسي علي إنشاء محطة الضبعة النووية، مشددا علي أنها ستكون «علامة مضيئة أخري» في صرح الشراكة الممتدة بين الجانبين. وأعرب الرئيس عن ثقته بعودة الطيران قريبا بين المدن الروسية والمصرية الأخري، بعد تتويج الجهود المشتركة بالنجاح في استئناف حركة الطيران المباشر بين القاهرة وموسكو.

وأظن أن الرئيس ومن قلب «عاصمة القياصرة»، أوضح سلامة التوجهات المصرية، وقدرتها علي تحديد مصادر الخطر علي الأمن والسلم الدوليين، من خلال تحذيراته من خطورة الإرهاب، وضرورة التكاتف بين الجميع لمواجهته، وهنا نسجل أن الدولتين بينهما توافق تام علي هذا النقطة.

كانت موسكو من أوائل العواصم التي ساندت ثورة الشعب المصري في ٣٠ يونيو، عندما استحضر الشعب مخزونه الحضاري، ليفرض إرادته، وينقذ هويته، ثم يحقق قفزات هائلة علي صعيد تمكين الشباب والمرأة، ويمضي في تنفيذ إصلاحات اقتصادية جريئة، وكان الرئيس واضحا تمام الوضوح في تحذيره من أن الإرهاب عدو الإنسانية جمعاء، يشكل خطراً وجودياً علي أمن المنطقة والعالم كله، ويحتاج منظورا جماعيا دوليا لكبحه واستئصاله. وذكر بأن روسيا تدخلت في سوريا حفاظا علي أمنها. ولم يفت الرئيس الإشادة بجهود الأزهر والقوات المسلحة والشرطة، في هذا السياق، مشيرا إلي مبادرة تجديد الخطاب الديني، والمواجهة المتعددة الأشكال للفكر المتطرف والإرهاب، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وفكريا وحضاريا. وأكد أنه لا حل وسط مع الإرهاب، ولا مجال للحلول الجزئية، ولا بديل عن الحلول الشاملة، حفاظا علي وحدة الدول وبقاء الشعوب.

ولأن رئيس مصر لا يمثل نفسه فحسب، بل العالم العربى جملة، فقد جالت كلمته بأوجاع البلاد العربية التى تعاني أزمات خطيرة، فلا تزال المنطقة تعاني أقدم وأعقد أزمة في التاريخ المعاصر، متمثلة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعدما عجز المجتمع الدولي عن إيجاد حل عادل وشامل لهذا الصراع الممتد ، يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، بل إن الأزمات تلاحقت بالمنطقة، وليخيم شبح تفكك وانقسام الدول ومؤسساتها الوطنية، ليفرض مزيدا من الأخطار، الأمر الذي يستدعي منا العمل معاً، وتسخير الطاقات وشحذ الهمم لمواجهتها.

وأرى أن السيسى رغم كل الظروف أصر علي تأكيد رؤيته القائمة علي نزع فتيل الأزمات من خلال إيجاد تسويات سياسية، فالحل العادل للقضية الفلسطينية جسر لاستقرار المنطقة والعالم، كما أوضح أهمية صياغة الدستور السوري لحلحلة الأزمة السورية، كذلك تبنى المبادرة الأممية في ليبيا وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، للوصول إلى مستقبل أفضل للشعوب، حيث لم يعد هناك مجال للاصطفاف فى محاور، لفرض رؤى بعينها.

ومن خلال مشاهداتى لوقائع زيارة الرئيس السيسى، التاريخية بحق، يمكننى أن أقول إن العلاقات بين الدولتين قد بلغت ذروة غير مسبوقة، علي المستويات كافة، وإن التقدير الذي يحظي به الرئيس لدي الشعب والقيادة الروسية، يؤشر على أننا أمام فصل جديد في هذه العلاقات لمصلحة الجميع، ويكفي أن نذكر ما قالته فالنتينا ماتفيينكو رئيسة مجلس الفيدرالية الروسى أن استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى يمثل شرفا كبيرا، وحدثا تاريخيا بالنسبة للمجلس الفيدرالى والبرلمان الروسى، واصفة السيسي بأنه «جندى يقاتل من أجل وطنه»، كونه زعيما يتمتع ببعد النظر.

الاهرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى