الأخبار

النور رفض المشاركة فى الحكومة

49

في الطابق الأول من أحد أجنحة قصر الاتحادية الرئاسي، الذي يستضيف الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور منذ أيام قليلة، يجلس مستشاره السياسى مصطفى حجازي، يتحدث بهدوئه المعتاد، لكن بحماس، وربما بكثير من التفاؤل، عن حكومة “الإغاثة”، وعن مفوضية للعدالة الانتقالية قد تؤسس للسلم المجتمعي في مصر المحتقنة والمنقسمة.

قبل توليه لمنصبه، كان حجازى مختصا بوضع استراتيجيات الشركات، وخطط الحوكمة للمجتمعات والدول، وهو يشارك اليوم فى تأسيس مرحلة جديدة، مرحلة قوامها “الكفاءة والعدالة الانتقالية”، وهو يؤكد أن الحكم الحالى فى مصر «مدنى بامتياز»، دون تدخل للجيش فيه، كما شدد على أنه لا يرى تغيرا قادما فى هذه الصيغة.

• كيف تدار الأيام الأولى لحكم مصر فى أعقاب موجة ثورية جديدة، ورئيس آخر يسقط، ونظام آخر يدير مرحلة انتقالية؟

ــ نحن فى مرحلة تأسيس، وليست مرحلة انتقالية، فالحديث عن “انتقال” يعنى القبول بتغيير الوجوه ما بين سياسى وآخر، أو تيار وآخر، دون تغيير فى قلب السياسات، أو قاعدة الحركة فى المجتمع، وهذا الخطأ الذى حدث بعد ثورة 25 يناير، فنحن واعون به هذه المرة.

ويقتضى التأسيس أن تكون المؤسسية هى المحور الأساسى فى العمل، أى أنه لا توجد أعمال عرفية، ونحن نتحدث أيضا عن قاعدة لوضع الأطر الصحيحة، فى حين أن البناء يأخذ وقته لاحقا، وكل ما نقوم به اليوم هو وضع هذه القاعدة الصحيحة.

• وما هو شكل هذه القاعدة التى تتحدث عنها؟

ــ فى تصورى، هناك 4 محاور خاصة بهذه المرحلة، وهى التى قبلت مهمتى على أساسها، الأول أن يوجد إطار استراتيجى للحركة الإصلاحية فى مصر، أى تحديد لماذا نقوم بهذا الأمر، وليس الاكتفاء بكيف نقوم به، والمحور الثانى هو وجود حكومة كفاءة قادرة على محاصرة وإدارة الأزمة، فنحن نمر بأزمات اقتصادية وأمنية، والمجتمع مأزوم، ويلزم أن يوجد لدينا مفوضية أزمة، وهى تساوى الحكومة.

أما المحور الثالث، فهو ما يسمى تمكين قوى المجتمع التى استطاعت أن تشكل كفاءة للاحتجاج، وتزيح ما لا تريد، فالوقت حان لأن تتحرك من هذه المساحة، إلى إدارة الواقع بالطريقة التى تناسبها، وأن نتحرك من مجرد ثقافة الاحتجاج إلى ثقافة البناء، ويبقى المحور الرابع وهو إيجاد قاعدة مصرية ثابتة للتعايش والسلم المجتمع، أساسها كيف يحيا المجتمع حياة دائمة السلم، وغير قابلة لتهديد هذا السلم، ويأتى من خلالها العدالة والمصالحة الانتقالية.

• لكن تشكيل هذه الحكومة أثار الكثير من الانتقادات حول الأسماء والتوجهات المعبرة عنها؟!

ــ طبيعة الحكومة هى الكفاءات، وليست تكنوقراط بالمعنى التقليدى، أى يلزم أن تكون لديها القدرة على فهم طبيعة التحديات الموجودة، والقدرة الفكرية على حلها، ثم القدرة على التعامل مع الواقع الإدارى فى كل وزارة، ولهذا فإن بعض الوجوه ليست جديدة، لأننا نحتاج من يستطيع أن يجد موطئ لقدمه فى اليوم الأول من العمل، ونحن وضعنا 3 معايير للاختيار، هى الكفاءة ثم طهارة اليد ثم القدرة على مواجهة تحديات العمل التنفيذى داخل الوزارة.

• بعض الانتقادات الموجهة إلى الحكومة ارتبطت تحديدا بطهارة اليد لبعض الوزراء، منهم وزير النقل الذى استبعد، ووزير الطيران الذى عين؟

ــ استبعاد وزير النقل يدل على أن المعيار قائم، أما وزير الطيران فهذا الأمر تم التعامل معه من قبل فى رئاسة الوزراء، وأنا علمت من رئيس الحكومة حازم الببلاوى، أنه تم التقصى حول علاقة الوزير بالاتهامات المنسوبة إليه بالتورط فى قضية كسب غير مشروع، وتم إبلاغى بأنه كانت هناك مجموعة من المكافآت أقرتها جمعية عمومية لشركة يعمل فيها، وتبين أنها عمل غير قانونى، أو قد تكون قيمة المكافآت مبالغا فيها، ولا يوجد معيار منطقى لصرفها، وهذا ما تم بموجبه التصالح بينه وبين جهاز الكسب غير المشروع، وفى النهاية قرر رئيس الوزراء مع الأجهزة الرقابية، عدم وجود شبهة فساد بحق الوزير.

• لماذا ضمت الحكومة وزيرا آخر ارتبط اسمه بقتل المتظاهرين، وهو وزير الداخلية؟

ــ كمواطن مصرى أعرف أنه على مدى العامين الماضيين، نعمل فى واقع فى منتهى السيولة، وأنا أتحدث عن المستقبل، وليس الوزير الحالى، سيوجد فى كل الأحوال استخدام للقوة من الجهات التى تحتكر استخدام القوة بنص الدستور والقانون، لذلك يجب أن نوطن أنفسنا على مراقبة هذه الجهات، وفى نفس الوقت علينا أن نقرر هل نحن بصدد إعطائها حقها فى الدفاع عن هذا المجتمع أم لا.

وفى الحقيقة أنا غير سعيد بوجود أحد المتورطين فى قضايا انتهاكات لحقوق الإنسان، وقد يطول هذا الأمر وزير الداخلية، ورأيى الشخصى أنه كان الأفضل مناقشة هذه القضية على الملأ، وتحديد المتهم فيها، وإذا ما كان متورطا بشكل مباشر، أو بالاشتراك مع آخرين، فنحن نتحدث عن شهيد تم قتله، دون أن نعرف حجم تورط الأجهزة، وتورط تنظيمات أخرى كانت تحكم.

• البعد الاقتصادى كان أحد الأمور الحاسمة فى ٣٠ يونيو، وقبلها فى ٢٥ يناير، لكن تشير بوصلة المجموعة الاقتصادية إلى أنها تسير عكس رغبة من خرجوا فى الشارع؟

ــ نحن نمر بلحظة استثنائية، بمعنى أننى أسمى هذه الحكومة مفوضية أزمة، وبشكل أدق مفوضية إغاثة، لأنها تقوم بعملية إنقاذ، ولا أنظر إلى لون الوزير السياسى، وإنما لكفاءته، صحيح أن الأمر انتهى إلى اختيار مجموعة تبدو غير منحازة لليسار، لكن هذا الأمر تم بالمصادفة، لأننا لم ننظر إذا كان الوزير يساريا أو يمينيا، وإنما نظرنا إلى قدرته على إدارة الوزارة بكفاءة.

• ألا يعكس اختيار وجوه وزارية منحازة إلى السياسات الليبرالية توجها اقتصاديا بعينه؟

ــ هذه الوزارة أتت وفقا لخطاب تكليف واضح، لا يحتمل أى تأويل، وبه توجيهات واضحة بأن تقوم على البعد الاجتماعى، وسد فجوة الفقر، وتلبية احتياجات المواطنين، وهو ما ستتم محاسبة الحكومة عليه، ففى النهاية هى مسئولة أمام الشعب ومن كلفها، بأن تقوم بهذه الخطوات، والتى قد تكون فى ظاهرها خطوات نحو السوق الحرة.

وفيما يتعلق بقرض صندوق النقد الدولى مثلا، يتفق الكثيرون على أهميته، ليس فى قيمة القرض، لكن كشهادة على صحة هذا الاقتصاد أو تصنيفه، والحكومة ستقيمه وفقا لاحتياجات الاقتصاد، ولن تذهب إليه اختياريا، وإنما عند الضرورة الملحة، فهذا الأمر شبه متفق عليه، ونحن نعلم حجم الضغوط الاقتصادية على مصر، من ديون داخلية وخارجية، ولن يقبل أحدا تكبيل البلاد بديون إضافية، خصوصا أن لدينا أموالا تضخ بالفعل.

• كل الحكومات السابقة كانت تتحدث عن قضية البعد الاجتماعى، وهو ما يجعلها تحتمل التأويل، فما هو وجه الاختلاف؟

ــ هذه لحظة إغاثة، لدينا غريق يلزم انتشاله، هو الاقتصاد المصرى، الذى لا يمر بحالة تعب فقط، ونحن لا نتحدث حتى عن مرحلة تعاف من عدمه، لأننا أمام واقع تم تخريبه على مدى عام، بكفاءات منعدمة فى كل قطاعات الدولة، كما أن لدينا الآن نائبا لرئيس وزراء للعدالة الاجتماعية، هو الدكتور حسام عيسى، فماذا نريد أكثر من ذلك، إذا لم نثق فى هذا الوجه الثورى اليسارى.

• كان نظام مبارك ومن بعده نظام مرسى قائما على التحالف مع رجال الأعمال.. مع من تبنى السلطة الجديدة تحالفاتها؟

ــ تبنيها مع الكفاءات الموجودة فى هذا الوطن، ونحن نتحدث عن قاعدة الجدارة، وليس الاختيار بالأكثرية، وهذا هو توجهنا فى المرحلة القادمة، فعلى مدى العامين الماضيين كان الحديث عن أن الأكثرية تجب أى شىء آخر، أما الآن فالحديث عن الكفاءة، وهو ما يتم الرد عليه بكلمة «الصندوق»، وهذا أمر لا يبنى دولة ولا شركة صغيرة، لأن غياب المعايير يولد كوارث وآثاما، وهذا ما قلناه سابقا لإخواننا فى جماعة الإخوان، وهو عدم إمكانية اختزال الوطن لمجرد أن لديها أكثرية برلمانية.

• هل غياب حزب النور عن التمثيل فى الحكومة يرجع لهذا السبب؟

ــ تواصلت مع حزب النور بنفسى، وتمت دعوته للمشاركة فى الحكومة، وهو أرسل ترشيحات بالفعل، أخذنا ببعضها، ومن بين المرشحين أشرف ثابت لوزارة الزراعة، إلا أنه رفض، كما طلبنا استمرار وزير الإسكان السابق طارق وفيق فى الوزارة، ممثلا لحزب الحرية والعدالة، إلا أنه رفض، ولم يكن ذلك على قاعدة المحاصصة، وإنما على قاعدة الوزراء الذين أبدوا كفاءة، ولهذا أيضا استمر وزراء من اختيار نظام الرئيس السابق.

• يبدو مفهوما رفض الحرية والعدالة للمشاركة فى حكومة الببلاوى، لكن ما سبب امتناع حزب النور؟

ــ أرسل لنا حزب النور ترشيحات من خارج أعضائه، وهو لم يرغب فى المشاركة كحزب، وإنما أراد أن يكون له رأى فى الحكومة، وأن يقترح وزراء، وبعضهم كان من الحزب الوطنى المنحل مثلا، أو من التكنوقراط، كما تدخل فى بعض الوزارات رافضا مرشحين لها، وهو أمر لا يعيب أحدا.

لنكن صرحاء، لم يكن الأمر يخص حزب النور وحده، فهناك قطاعات أخرى لها آراء مختلفة فى رئيس الحكومة أو الوزراء، ونحن نريد فى هذه اللحظة التوصل إلى حكومة بقدر ما ترضى جميع الأطراف، وهذه سمة التوافق، والذى يعنى أن هناك مساحة من عدم الاتفاق.

• هل تشارك الشارع تخوفاته من العودة إلى تغول أجهزة الأمن القمعية؟

ــ بالطبع أشاركه، لكن لم توجد فى مصر حالة قمعية غير مبررة بغطاء مجتمعى أخلاقى، وأتحدث مثلا عن موجات الإرهاب فى الثمانينيات والتسعينيات، التى كانت الغطاء الأخلاقى لفرض حالة الطوارئ لمدة 30 عاما، وهو ما نبهت الأصدقاء فى جماعة الإخوان وتيارات الإسلام السياسى إليه، وقلت لهم لا تعطوا ذريعة لموجات العنف غير المنطقى، بتبريرات لا يقبلها المجتمع، لأن المشكلة ستكون مباركة المجتمع نفسه لسلطة البطش المشرعنة فى القوات الأمنية، واستدعائها لتدافع عنه، فبقدر ما أرفض عودة القوى القمعية، بقدر ما أراه كسؤال فى عيون البسطاء «متى يستقر المجتمع؟»، وفى ظنى أن الأخطر من الحديث عن الآلة القمعية، إعطاء ذرائع لعودة القمع بأن يصدر المواطن العادى أوامره لهذه الأجهزة قائلا: «احمونى».

• هناك قيادات إخوانية تم اعتقالها، وقنوات تابعة لتيارت الإسلام السياسى تم إغلاقها، ألا يزعج ذلك مؤسسة الرئاسة؟

ــ على رأس الدولة الآن رجل قانون، وفى كل موقف هو يريد أن يقدم القانون على ما عداه، وحين أتحدث عن استعادة الدولة، أول ملمح لذلك هو استعادة القانون، وهو فى عرف البعض ينتهى إلى الإدانة، وعند البعض الآخر هو الحماية، لهذا السبب فإن الرئاسة لم تتدخل فى الاعتقالات، من حيث السؤال عنها حتى، إلا حينما صدرت بيانات من النائب العام، وهناك سير لقضايا طالت بعض الرموز ولم تطل آخرين، لأنه بالتأكيد هناك نصوص واضحة فى القانون تم خرقها.

• وفيما يتعلق باعتقال الرئيس السابق محمد مرسى أيضا؟!

ــ ما تم إعلانه بهذا الشأن، هو أنه إجراء احترازى للحفاظ على حياته، وهذا أمر مُتفهم من الجهات الحقوقية والدولية، كما أنه يعامل معاملة الرؤساء، حسبما أفهم، وإذا وجد تحرك قانونى ضده، سيكون من طرف القائمين على القانون فى هذا الوطن، فهناك بلاغات مقدمه ضده تجاوز عددها الـ103 بلاغات، أما مصيرها، وما تنتهى إليه، سواء بإسقاطها أو التحقيق فيها، فهذا الأمر يخص النيابة العامة.

• فى بيان تنحية محمد مرسى عن الحكم تم الإعلان عن إنشاء لجنة للمصالحة الوطنية، واليوم تتحدث الرئاسة عن العدالة الانتقالية، فما تفسير ذلك؟

ــ هناك حديث فى المجتمع عن كلمة مصالحة، بأن المقصود بها أن هناك احتقانا بين القوى السياسية، ويفترض فضه بجلسات عرفية أو سرية، ونحن نقول إن هذا الأمر ولى زمانه، وهناك احتقان ليس به قوتان سياسيتان محتقنتان، لأن واحدة أخذت مكان الأخرى، ونحن لدينا مجتمع ثار، ويوجد به أسباب لعدم الاستقرار أو السلم المجتمعى من نوع خلافات سياسية وطائفية، وهى أسباب يلزم أن تزول، على قاعدة أن الدولة هى الراعى والقانون هو السيد.

الآن لدينا مشكلة مع الإخوان وغيرهم، ومع باقى المجتمع لأنه فى حالة غضب ضد كل من أساء له، واستخدم السياسة ضده، والسؤال هو كيف نقوم بإزالة هذا الغضب، وجزء من ذلك قد يكون بالمصالحة بمعناها البسيط بالاعتذار والعودة عن الخطأ، لكن الجزء الأهم أن توجد قاعدة تعايش عبر مدونة عملية وليس نظرية، تتعلق بكيف يعيش المصرى بلونه السياسى أو ديانته أو عرقه على قاعدة لا تقلل من مواطنة أى منهم، وتنزع أسباب الغضب والاحتقان منها، مثل الخلافات الطائفية بين المسيحيين والمسلمين، وهى ملفات يجب أن تخضع للعدالة الانتقالية، لكن قد تبدو بعض الأمور أكثر إلحاحا، وسيعطى هذا الأمر أولوية بالتأكيد، لكنها لن تزول بطريقة تبويس اللحى.

• كيف يمكن تحقيق ذلك عمليا؟

ــ لدينا وزير مكلف بذلك فعليا، كما لدينا مفوضية سيتم تشكيلها، وتتبع الوزير، وسيكون بها ممثلون للحالة المجتمعية التى تحتاج إلى التصالح، وأمانات فنية تضم خبرات لها دراية بقضايا العدالة الانتقالية، وقد يكون لنا ظل دولى من الأمم المتحدة أو المنظمة الفرانكفونية، وبدأنا بالفعل محادثات بهذا الشأن.

• هل سيشارك فى هذه المفوضية «الجناة»، إن جاز استخدام هذا التعبير؟

ــ العدالة الانتقالية لا تقتضى بالضرورة أن يمثل فيها المعتدى، وإنما تمثيل الضحية هو الأهم، مثلا أن تكون والدة خالد سعيد موجودة فى المفوضية، كممثل عن ضحايا نظام مبارك، ونحن نريد تشكيلة تعبر عن الضحايا، ولا يهمنى حقيقة أن يدعى نظام مبارك أنه كان ضحية ثورة قامت فى 25 يناير 2011، فهذا يخصه، وهناك ضحايا له على مدى 30 سنة، ولا أتصور أن الإخوان يعلنون أنهم كانوا ضحية انقلاب بحسب تصوراتهم، كما أن هناك ضحايا لهم من الاقتصاد إلى مجتمع تم إقصاؤه على مدى سنة كاملة.

ونحن نتحدث عما نتج عن حكم نظام مبارك وما نتج عن حكم الإخوان، وليس عن نظام دون الآخر، لأننا على مدى أكثر من عامين لجأنا إلى النظام القانونى العادى، وحاولنا أن نقحم عليه ملفات اللحظة، وهذا لا يستقيم.

• ما هى مهام هذه المفوضية؟

ــ وضع ملفات العدالة الاجتماعية، وتحديد أولوياتها، وتعريف المظالم فى هذا المجتمع، حتى لا يدعى أحد مظلوميات تاريخية تخصه، ثم وضع المعايير التى يلزم أن تقام عليها هذه العدالة، فالعدالة الانتقالية بطبعها أكثر مرونة من العدالة التقليدية، وقد تنتهى إلى العفو أو التصالح، وهذا لن يأتى إلا بوضع معايير بعضها دولى، وبعضها مرتبط بالمجتمع المصرى، والأهم من الصفح هو المحاسبة، لهذا اسميها «الحقيقة والقصاص والمصالحة» وهذا هو الترتيب المعنية به هذه المفوضية.

• تقول إنه لا أعمال عرفية، لكننا نسمع عن مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة تتم مع جماعة الإخوان، فما مدى صحة ذلك؟

ــ هناك فرق بين أن يكون أحد الأطراف موجود فى مساحة الانفعال، وراغب فى الإصلاح، فلا أحد يحجر على هذه الرغبة، وبين تحريك هذا الانفعال إلى مسئولية حول شكل المستقبل، وفق فهم هذه الأطراف، وهذا أيضا يخصهم، لكن أن تتحول هذه الجهود العرفية إلى جهود رسمية ملزمة للشعب، فهذا هو الخطر الذى سنمنعه، وهو ما حدث خلال السنتين الماضيتين، بأن تحولت الجهود العرفية بين ليلة وضحاها إلى حالة رسمية مدعومة بغطاء من الدولة، لا يفهم أحد من أين أتى، ثم تصبح إطارا ملزما للشعب، فالجهود العرفية مشكورة لأصحابها، وأنا أسميها جهودا تحضيرية من جانب هذه الجهات، حتى يكون لديها تصورها إذا قررت أن تجلس على مائدة الحوار.

• هل الرئاسة دخلت كطرف فى أى نوع من هذه الجهود التحضيرية؟

ــ أقول قاطعا، إن هذا لم يحدث، فالرئاسة كانت طرفا فى أمر واحد، حين بدأنا الحديث عن اجتماع أولى، وحددنا الجهات التى ستكون موجوده فيه، من أزهر وكنيسة وإعلام وقضاء وشرطة ونقابات ومثقفين وأدباء وقوى سياسية، وبالتأكيد لن يتم فيها إغفال الإخوان، حيث تواصلت معهم رسميا للدعوة، وليس التفاوض أو التشاور، وطلبت الرئاسة ترشيح من سيقوم بتمثيلهم فى الجلسة الأولى لإطلاق مفوضية العدالة الانتقالية، وربما توجد دعوات للدخول فى المجتمع مرة أخرى، وعدم التورط فى العنف، والسعى إلى المصالحة، لكنها لا تسمى مشاورات.

• بمن اتصلتم داخل حزب الحرية والعدالة؟ وما هو الرد؟

ــ اتصلنا بالدكتور ياسر على، المتحدث السابق لرئيس الجمهورية السابق، ورئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار السابق بمجلس الوزراء، وطلبنا منه ترشيح اسم من سيشارك فى الجلسة، وقال إنه سيأخذ وقته ليرد.

• دخل نظام الإخوان فى مصالحة مع عدد من رجال الأعمال المحسوبين على نظام مبارك، دون أى شفافية أو سند قانونى، فهل سيكون هذا الملف ضمن اختصاصات المفوضية؟

ــ أنا لا أسمى ما تم مصالحات، وإنما صفقات، وهناك فارق كبير بين الأمرين، فالصفقة تتم سرا بين أطراف تريد مصلحتها دون الأطراف الأخرى، وأعتقد أن كل ما انطوى على ظلم للمجتمع سيكون حاضرا فى جلسات المفوضية، وسيعلن عن الملفات كما هى، أى أنه لو قررت المفوضية أو وزارة العدالة الانتقالية أن هناك جرحا فى المجتمع يعرقل الاقتصاد، اسمه مشكلات مع رجال الأعمال، وأنهم ارتكبوا جناية فى حق المجتمع، فعندها يجب وضع قواعد أولا، على أن تتم المحاسبة وبعدها المصالحة ثم يتم عرض الأمر على المجتمع.

• هل لديكم تصور للتعامل التجمعات المؤيدة للرئيس السابق، أم أن الأمر متروك للأجهزة الأمنية؟

القاعدة الأساسية أنهم مواطنون مصريون فى حالة غضب، ونحن نتفهم أسبابه، لكن لا نتفق معهم عليه، وفى الوقت نفسه نحن مسئولون عن سلام مجتمع، لذلك نطالب المصريين، بأن يكونوا الأكثر مبادرة لإقرار سلام المجتمع، لذلك أقول لهم، دون أن ألوم أحدا، إن من أسباب الظلم الحالى، أن يصبح المجتمع مختطفا، ويبتز المواطن، بشكل يصل إلى جرم فى حقوق الإنسان، بمنع مواطن غصبا من الوصول إلى بيته، أو تفتيشه ذاتيا، أو استخدام الأطفال كدروع بشرية.

كان لنا لقاء مع إحدى مفوضيات حقوق الإنسان، وقيل لنا نصا إن هذه الأمور مجرمة، لأن جرائم حقوق الإنسان لا تقع بالضرورة من سلطة ظالمة على مواطن مظلوم، لكنها أحيانا تقع من مواطن على مواطن آخر، لذلك أوجه نداء لمن يقودوا الشارع فى اتجاه اللامنطق، ألا يستخدموا دماء وأعصاب تابعيهم كوقود لمكتسبات سياسية، لأنهم لن يصلوا إلا إلى المزيد من الأخطاء ومنها إلى الجرم، ونرجو أن يعوا أن وضع أنفسهم فى حالة صدام مع المجتمع لن ينتهى إلى شىء.

وهذا الملف لا تنجزه مؤسسة واحدة، فالدولة بأكملها مستنفرة له، الجيش والشرطة والرئاسة والأزهر، لأننا كلنا مسئولون عن إزالة حالة الاحتقان السياسى فى الشارع.

• ما حجم الدور الذى تلعبه المؤسسة العسكرية فى المشهد السياسى؟

ــ المؤسسة العسكرية هى حامى الوطن فى لحظة السيولة التى نمر بها، وهناك خروقات للأمن القومى، مثلا فى سيناء، أو من قوى تستخدم السلاح فى الشارع، وتهدد المؤسسات العسكرية، وفى هذه الحالة من غير المؤسسات العسكرية يملك شرعية استخدام القوة للدفاع عن المجتمع.

• هل هذه الشرعية يمكن لها أن تؤثر على المسار الديمقراطى؟

ــ المؤسسات العسكرية هى قوى لضبط الأمن، ولا علاقة لها بالمسار الديمقراطى، فهذا المسار فى غرف التداول الآن، ولا علاقة للجيش به من قريب أو بعيد، لأن هناك رئاسة مدنية كاملة الأهلية، وفى اللحظة التى يحدث عكس ذلك، لا أتصور أن يقبل بها الرئيس، ولن أقبل أنا أو غيرى بهذا، فنحن نعبر عن عقل مدنى للمرحلة التأسيسية، ولا دور أو تواجد لمؤسسات الأمن إلا فى الحفاظ على الأمن.

ميدان التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى