أخبار مصر

خلايا التفكير.. بعد عام على رفع العقوبات إيران

 

قبل نهاية عام 2016 بنحو شهر وأسبوع.. اختتم وزير الدفاع الصينى تشانج وان تشيوان زيارةً إلى طهران دامت ثلاثة أيام، وهى الأخيرة فى سلسلةٍ من التبادلات العسكرية الثنائية رفيعة المستوى التى جرت خلال العامين الماضيين. وسابقاً، وخلال زيارة قام بها الرئيس الصينى شى جين بينج، كان البلدان قد وقّعا اتفاقية للتعاون الاستراتيجى بينهما أمدها خمسة وعشرون عاماً تضمّنت دعوةً لتوثيق الروابط الدفاعية والاستخباراتية بين البلدين. ومن المتوقّع أن يُسرّع تعيين اللواء محمد باقرى رئيساً لهيئة الأركان للقوات المسلحة الإيرانية فى يونيو المنصرم هذه العملية وفق تقدير الباحثين والخبراء المعنيين بملف إيران داخل «واشنطن».

من بينهم فريزن نديمى الذى سلط الضوء مؤخراً فى معهد واشنطن على التحالف العسكرى الصينى – الإيرانى، وكذلك الامتداد القتالى لإيران خارج حدودها فى المرحلة المقبلة.. وتحدث فى تقدير موقف قائلاً: تعود العلاقات العسكرية بين «طهران» و«بكين» إلى أوائل الثمانينات من القرن الماضى، إلا أنّها مرّت بفترة انخفاض مستوى التعاون نتيجة العقوبات النووية الدولية على «طهران». أمّا اليوم، فيستعد البلدان لإعادة إحياء علاقةٍ من الممكن أن تحمل تداعياتٍ جيوسياسية ملحوظة فى المنطقة. وقد وصف وزير الدفاع الصينى اللقاءات الأخيرة بـ«نقطة تحوّل» فى الشراكة الاستراتيجية، فى حين استمرت إيران فى التعريف عن نفسها على أنها الدولة الموثوقة الوحيدة المورّدة للنفط إلى «بكين».

وفى ما يتعلق بمبادرات محدّدة، أفادت بعض المصادر بأنّ مسئولين فى الشئون الدفاعية ناقشوا احتمال توسيع استخدام الصين للقواعد الجوية الإيرانية ومرافق القوات البحرية فى منطقة الخليج، ظاهرياً، لأغراضٍ تدريبية ولوجيستية. واتفق هؤلاء أيضاً على تبادل الخبرات العسكرية المكتسبة، مع ذكر عددٍ من الأمثلة، كمواجهة القوات الأمريكية بحراً وجواً.

مراكز بحثية أمريكية ترصد أدق تفاصيل الأسلحة التى تسعى إيران لاقتناصها

علاماتٌ أخرى على التعاون

تستمر التكهنات حول رغبة إيران فى الحصول على الجيل الثالث من الطائرات الصينية المقاتلة من طراز «تشنجدو جيه – 10» وكذلك الرادارات المحمولة جواً، وإلكترونيات الطيران، لتجهيز التصاميم المستقبلية الخاصة بها. وفى العام الماضى، تلقى قائد القوات الجوية الإيرانية العميد حسن شاه صفى ترحيباً كبيراً فى الصين، حيث زار عدداً من مصانع الطائرات والقواعد الجوية.

وبالمثل، يمكن للصناعة الإيرانية لمركبات جوية دون طيار أن تستمدّ الكثير من المعرفة من الصين، مع استمرار «بكين» فى الكشف عن أعداد كبيرة من الطائرات دون طيار ذات إمكانياتٍ متزايدة. وقد تلجأ طهران إلى طلب المساعدة من الصين فى تطوير تكتيكاتٍ مشتركة على غرار «حشد الطائرات دون طيار»، لإضافة بعدٍ جديد إلى أسلوبها الحربى غير المتناسق. وقد تساعد «بكين» أيضاً فى تحسين أنظمة توجيه الطائرات الإيرانية دون طيار من خلال الملاحة بالأقمار الصناعية وخطوط الاتصالات.

ويستطرد الباحث موضحاً أنه فى أكتوبر 2015، وقّعت شركة الدفاع الإلكترونى الإيرانية «صا إيران» عقداً مع عددٍ من الشركات الصينية يقضى باستخدام نظام «بايدو – 2» للملاحة بالأقمار الصناعية الخاص بها لأغراضٍ عسكرية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الإشارات العسكرية الصنف لهذا النظام هى أكثر دقةً من خدمات نظام التموضع العالمى «GPS» المتاح تجارياً، مما يعنى أنّ هذه الإشارات يمكنها أن تحسّن بشكلٍ ملحوظ استخدام إيران للملاحة بالأقمار الصناعية فى صواريخها وطائراتها دون طيار وفى أجهزةٍ أخرى.

المكتسبات البحرية والصاروخية والمدرعات المحتملة

فى أكتوبر 2014، زار قائد القوة البحرية الإيرانية الأدميرال حبيب الله سيّارى، الصين، لطلب المساعدة فى ترميم أساطيل النقل البرى والغواصات الخاصة بالجمهورية الإسلامية وتحديثها. وناقش أيضاً احتمال شراء مجموعةٍ كبيرة من المعدات البحرية الصينية، بما فيها الفرقاطات والغواصات والصواريخ. وقد أظهرت القوة البحرية الإيرانية من خلال تصريحاتٍ وخطواتٍ علنية عن رغبتها فى أن تصبح قوة «مياه زرقاء» أساسية فى المحيطين الهندى والأطلسى. وبإمكان الصين مساعدة إيران على تحقيق هذا الهدف من خلال تقديم الخبرة والتدريب على المدى القصير، وأنظمة السفن والأسلحة العصرية فى المستقبل، ربما بعد رفع العقوبات العسكرية -التى فرضتها الأمم المتحدة- فى أواخر عام 2020، إن لم يكن قبل ذلك (يمكنكم الاطلاع على القسم التالى لمعرفة المزيد عن هذه القيود القانونية).

تعاون عسكرى غير مسبوق بين «طهران» و«بكين».. ونظام الملالى يسعى للسيطرة على «غرب الأطلسى»

وسيتناسب عددٌ كبير من الأنظمة الصينية القائمة مع حاجة إيران إلى قوةٍ بحرية مرنة قادرة على قيادة العمليات على الساحل، كما فى المياه الزرقاء، ومنها المدمّرة «Type 052» و«الكورفيت C-28A» (المزودة بأربعة صواريخ مضادة للسفن من نوع «C-802» ونظام الصواريخ أرض – جو «HQ-7»)، والفرقاطة «Type 054A» (التى فكرت روسيا أيضاً فى شرائها) والفرقاطة «Type 057» (المزودة بأنظمة أسلحة عصرية) والفرقاطة «P-18» للتصدير (المزودة بنظام الصواريخ لنقطة الدفاع وأربعة صواريخ مضادة للسفن من نوع «C-803») والكورفيت شبه الخفية والمزودة بالصواريخ من شركة «Wuchang Shipyard». وقد تسعى إيران أيضاً إلى توسيع قدرتها فى أنظمة منع الوصول/ تحريم الدخول (A2AD)، من خلال حصولها على قوارب صواريخ الهجوم السريع الخفية الشهيرة من طراز «Type-002» الصينية الصنع، التى توصف أحياناً بـ«قاتلة الناقلات». وهذه السفن الحربية فعالة التكلفة قد تُمكّن إيران من تنفيذ دورياتها على مساحاتٍ أكبر ولفترات أطول.

بالإضافة إلى ذلك، وبصرف النظر عن العقوبات الحالية، تملك الصين تاريخاً طويلاً من التعاون مع إيران فى مشاريع مختلفة للصواريخ المضادة للسفن التى تغطى نطاقاتٍ تتراوح بين 35 كيلومتراً إلى ما يزيد على 300 كيلومتر. وقد يرفع هذا النوع من التعاون بقدرات إيران إلى مستوى جديداً إذا أرسلت بكين أياً من الأجيال الجديدة لصواريخها الأسرع من الصوت مثل «CM-302» و«CX-1» (التى يمكن أن تصل إلى 290 و280 كيلومتراً، على التوالى، ومصمّمة لاستهداف مجموعات قتالية على الناقلات بفضل أجهزة البحث المتقدمة فيها) أو «YJ-22» (نسخة الهجوم الأرضى من صاروخ «C-802» وبنطاق 400 كيلومتر). وهذه الأسلحة مثاليةٌ بالفعل لحظر الدخول إلى منطقة الخليج. وقد تحدثت إيران مؤخراً عن اللجوء إلى الصواريخ الأسرع من الصوت لأهداف منع الوصول/ تحريم الدخول، لكن من غير المعروف ما إذا كانت قد طوّرت مثل هذا النوع من القدرات.

وقد تستفيد القوات البحرية الإيرانية أيضاً من التكنولوجيا الصينية (والروسية) من أجل تجهيز تصاميم السفن الخاصة بها وتحديثها. وتميل «طهران» إلى تفضيل الاكتفاء الذاتى و[قطاع] البحث والتطوير المحليين لبناء أسطولها، إلا أنها أنتجت حتى الآن سفناً مبنية على تصاميم قديمة تفتقر إلى المعدات المتقدّمة الفعّالة كأنظمة الدفاع الجوى متعددة الطبقات. وقد دفع ذلك بالقوات البحرية إلى إعادة استخدام الأنظمة القديمة من سفن قابعة. ونظراً إلى تزايد التعاون الصينى ورغبة «طهران» فى الحفاظ على صناعةٍ ناجحة للسفن، قد يُقرر الإيرانيون التخلى عن أنظمتهم المكررة والبحث عن أجهزةٍ صينية عصرية (كنظام الدفاع الجوى للصواريخ «FL-3000N/HHQ-10»)، من أجل تعزيز قدرات تصاميم السفن الحربية الإيرانية.

وتعمل القوات البحرية الإيرانية أيضاً منذ عدة سنوات على تطوير ثلاث غواصات مختلفة متوسطة الحجم، وقد تدل التأخيرات المتكرّرة فى إنتاجها إلى مشكلات فى دمج الأنظمة والموثوقية. لذلك، قد تسعى إلى الحصول على غواصاتٍ صينية مصمّمة خصيصاً على غرار سفينة من فئة «Yuan» المزودة [بمحركات] الدفع المستقل الهوائية (AIP)، وهو نظامٌ أكثر هدوءاً بالمقارنة مع غواصات روسية من فئة «Kilo» التى تستخدمها إيران فى الوقت الحالى. وتقدم الصين نسخةً متقدمة من سفينة «Yuan» للتصدير، لكنها اقتصادية التكلفة ومزودة [بمحركات] الدفع المستقل الهوائية، فضلاً عن طراز «Type 039C» الذى شهد عدداً من التحسينات وطراز «S20» الأصغر (الذى سعت باكستان للحصول عليه). وإذا اختارت إيران أن تستمر فى «نموذج الشراكة الاستراتيجية» التى حدّدها مؤخراً وزير الدفاع حسين دهقان، ورئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقرى، من المحتمل أن تسعى إلى الجمع بين تصاميم الغواصات الروسية ذات الهيكل الواحد وتكنولوجيا الدفع المستقل الهوائية الصينية، من أجل تحسين تطويرها الخاص للغواصات.

ويمكن للغواصات الصينية أيضاً أن تطلق ما يصل إلى عشرة صواريخ «كروز»، التى قد تضم لدى القوات الإيرانية صاروخ «سومار»، وهو نسخة من الصاروخ الروسى «Kh-55» بنطاقٍ نظرى يصل إلى 2500 كيلومتر، إذا افترضنا أنّ البحرية الإيرانية قادرة على استخدام هذه الصواريخ على الغواصات، ويسمح لها بالقيام بذلك. وبينما لا يمكن تأكيد أنّ إيران قادرة على نشر صاروخ «سومار» فى عملياتها قريباً، فإن هذا النوع من التطوير قد يعطى قواتها البحرية قدرةً حقيقية على الهجوم البرى. وكبديل لذلك، يمكن أن تسعى إيران إلى تسليح غواصاتها بالصواريخ الصينية المضادة للسفن من طراز «CM-708UNB»، التى يبلغ نطاقها 290 كيلومتراً.

ومن الضرورى الانتباه أيضاً إلى الحرب البرية. فالروابط مع الصين قد تعطى إيران فرصة تفحّص تصاميم دبابات صينية عصرية، أو شرائها، أو حتى تجميعها على غرار الدبابة «MBT 2000»، أو الدبابة «MBT 3000 (VT-4)» المتطورة جداً. وينطبق ذلك أيضاً على ناقلات الجنود المدرعة الحديثة، التى لم تتمكن إيران بعد من تطويرها محلياً.

توسيع دور قوات «الباسيج» فى العراق وسوريا.. والنظام الإيرانى يعتبر الأراضى العربية ميداناً جيّداً للتدريب

العقبات الدولية

يشير متخصص الشئون الإيرانية بمعهد واشنطن إلى أنه عندما تم تطبيق قرار مجلس الأمن الدولى رقم 2231 فى يناير الماضى، تطلّب ذلك حصول جميع الدول الأعضاء على موافقة المجلس قبل بيع أى سفن حربية أو طائرات مقاتلة أو أنظمة صواريخ أو دبابات لإيران لمدة خمس سنوات. وعند انقضاء تلك الفترة، لن يتم فرض أى قيود على شراء إيران الأجهزة الحربية من بلدانٍ على غرار الصين.

وفى غضون ذلك، تأمل «طهران» فى اتقاء التدخل الخارجى من خلال انحيازها بشكل وثيق مع قوةٍ عالمية كالصين، التى غالباً ما يعتبرها الإيرانيون شريكاً استراتيجياً أكثر موثوقية من روسيا. ولم يتم بعد قبول إيران فى «منظمة شانغهاى للتعاون» التى تتزعمها «بكين» كعضوٍ كامل، وبالتالى يبقى التعاون العسكرى العميق الذى يأتى مع العضوية بعيد المنال فى الوقت الراهن. إلا أنّ الاجتماعات الأخيرة رفيعة المستوى مع الصين تشير إلى أنّ ذلك قد يتغير قريباً. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز التعاون النفطى بين البلدين قد يسمح لإيران بشراء أسلحةٍ جديدة ورئيسية مقابل النفط.

حلم السيطرة على «غرب الأطلسى»

شدّدت تقارير جديدة لـ«وكالة أنباء فارس» الإيرانية شبه الرسمية على اهتمام طهران الكبير بتوسيع قدراتها البحرية، وصولاً إلى الجهة الغربية من المحيط الأطلسى. إلا أنّ معداتها الحالية بالكاد تسمح لها بوجودٍ ملحوظ ومستدام هناك. لذلك يبدو أنّ المسئولين الإيرانيين يولون الأولوية الكبرى لتعزيز التعاون البحرى مع الصين بشكلٍ خاص. ونتيجة لذلك، يمكن للمرء أن يتوقع زيادة التبادلات البحرية والمناورات المشتركة، وربما حتى تبادلاتٍ لمنشآت تمركز مؤقتة فى المستقبل. ويبدو أنّ إيران مصرةٌ أيضاً على بناء أسطول غواصات لإطلاق الصواريخ -ربما مع الاستعانة بالمساعدة الصينية- لمواجهة أسطول الغواصات الإسرائيلى الاستراتيجى المتوسع. إلا أنّه بعكس صفقات الأسلحة الإيرانية البارزة مع روسيا، فمن المتوقع أن يبقى أى اتفاق من هذا النوع مع الصين فى غاية السرية فى الفترة المقبلة.

وعلى نطاقٍ أوسع، فى حين وُصفت اتفاقية الدفاع بين «طهران» و«بكين» كمركّزة على العمليات، فإنها قد تمهّد الطريق لقيام تعاونٍ استراتيجى أكبر. ويشمل ذلك حصول إيران على أسلحةٍ متقدمة من الصين بعد أن يتم رفع القيود الحالية فى غضون سنوات قليلة، وكذلك تحسين أنظمتها القائمة، وهما أمران قد يكمّلان جهودهما المشتركة فى التدريب والمناورات العسكرية. ويقيناً، من المتوقع أن تنتهج الصين موقفاً أكثر حذراً من روسيا التى تدخّلت مباشرةً فى المنطقة، نيابةً عن حليف «طهران» السورى، وتتعاون اليوم مع قواتٍ حليفة لإيران على الأرض. إلا أنّ «بكين» على استعداد تام لمنح إيران شراكة استراتيجية أوسع وأسلحة تقليدية قوية وتقنية جديدة. ونظراً للصناعة العسكرية المحلية الكبيرة فى إيران، فحتى المساعدات الصينية المحدودة قد تسهم بشكلٍ ملحوظ فى تحسين الموقف العسكرى الإقليمى للجمهورية الإسلامية على المديين المتوسط والبعيد.

دور «الباسيج» فى الخارج

عيّن المرشد الأعلى على خامنئى رئيساً جديداً للقوات الإيرانية شبه العسكرية المعروفة باسم «الباسيج». وقد حلّ الجنرال غلام حسين غيب برور محل محمد نقدى، الذى تولى هذا المنصب لسبعة أعوام. ويسلّط تعيينه الضوء، من بين أمور أخرى، على حرص «طهران» الواضح لتعزيز الدور الداخلى المحلى القمعى الذى تضطلع به قوات «الباسيج»، ولاستخدام الحرب السورية كميدان فعلى للتدقيق فى الجيل المقبل من قادة «فيلق الحرس الثورى الإسلامى» وتدريبه.

كانت قوات «الباسيج» فى الأصل وليدة أفكار «الخمينى»، الذى تصوّر تعبئة الحشود الإيرانية المظلومة فى جيش يبلغ قوامه 20 مليون عنصر. وعندما لم تتحقّق هذه الرؤية تماماً، تحوّلت تدريجياً إلى فيلق دولى من الشبان الشيعة المتدينين الذين تمّ تجنيدهم من خلال شبكة موسّعة من الحوزات العلمية الدينية والجامعات، بهدف إنشاء «حضارة إسلامية جديدة» (على غرار مفهوم الجهاد السنّى القائم على إعادة الخلافة، لكن مع تركيز أقل على الأراضى). غير أن «طهران» لم تباشر تطبيق نموذج «الباسيج» فى الخارج على نطاق واسع سوى منذ فترة ليست بعيدة نسبياً، بدءاً فى العراق وسوريا. فعلى سبيل المثال، تشمل «وحدات الحشد الشعبى» العاملة حالياً فى العراق عدداً من الميليشيات شكّلتها «قوة القدس» التابعة لـ«الحرس الثورى الإسلامى»، بغرض القتال، إلى جانب حلفاء إيران فى سوريا و«حزب الله»، وألوية أفغانية وباكستانية متعدّدة.

وكانت خلفية الجنرال نقدى مناسبة تماماً للترويج لتكتيكات «الباسيج» فى هذه الدول. فبصفته ضابط استخبارات ضمن «الحرس الثورى الإسلامى» فى ثمانينات القرن الماضى، ساعد على تأسيس مقر «وحدة قوات الحرب غير النظامية» التى شنّت حملات مسلحة فى شمال شرق العراق وتحوّلت لاحقاً إلى «قوة القدس». كما قاد منشقين عراقيين وأسرى حرب سابقين ضمن «فيلق بدر» (الذى أصبح يُعرف الآن بـ«منظمة بدر»)، وساعد الجنرال همدانى على تنظيم النسخة السورية من قوات «الباسيج» شبه العسكرية (علماً بأنه فى أكتوبر 2015، قُتل «همدانى» فى حادث طريق فى حلب، بينما كان يشرف على تشكيل هذه القوات).

من جانبه، تسلّم غيب برور سابقاً قيادة قوات «كتيبة فجر» و«كتيبة كربلاء» الخاصة بالمحافظات والتابعة لـ«الحرس الثورى الإسلامى»، وهى وحدات تمثّلت بشكل كبير فى مجموعات «قوة القدس» التى تمّ إرسالها إلى العراق وسوريا. وعلى نطاق أوسع، أوضحت تصريحاته الأخيرة فى وسائل الإعلام أنه سيواصل العمل نحو تحقيق فكرة «الخمينى» بتشكيل جيش إسلامى دولى.

توسيع الأنشطة فى سوريا

يميل القادة والضباط العسكريون فى إيران إلى اعتبار سوريا العنصر الأجنبى الأكثر أهمية للعمق الاستراتيجى لبلادهم، بل أهم حتى من لبنان أو العراق أو اليمن. ولهذا السبب أنشأ الجنرال همدانى «قوات الدفاع الوطنى» السورية، وهى الكتائب غير النظامية الموالية لـ«الأسد» التى زُعم أنها أنقذت «دمشق» من السقوط فى أيدى المتمردين فى صيف عام 2012. كما يُقال إنه أرسى أسس النسخة السورية من فرع شرطة «قوات إنفاذ القانون» الإيرانية، وأكملها بوحدات خاصة لمكافحة الشغب والأمن الإلكترونى. ويعتبر أن افتقار نظام «الأسد» إلى مثل هذه الوحدات المتخصصة أسهم فى خروج الثورة عن السيطرة. واليوم، لا تزال «قوات إنفاذ القانون» السورية على ما يبدو فى مراحلها التأسيسية الأولى، حيث إن التقدّم المحرز أبطأ مما كان متوقعاً.

وفى ظل توسيع «الحرس الثورى الإسلامى» أنشطته فى سوريا، فهو يعزّز فى الوقت نفسه دور «الباسيج» فى البلاد، ربما من أجل دعم عناصر الفيلق المرهقة أو تلبية الطلب المتزايد من الشباب الإيرانيين المتدينين الذين يتوقون للانضمام إلى القتال. ويدير «الحرس الثورى الإسلامى» حالياً مهمتين منفصلتين فى سوريا: الأولى برنامج للمشورة والمساعدة تديره «قوة القدس» ويضمّ أفراداً محترفين من «الحرس الثورى الإسلامى» وبعض عناصر الجيش المحلى («ارتش») بتعاون وثيق مع «حزب الله»؛ أما الثانية فتشمل وحدات قتالية صغيرة تحت إشراف مشترك من قبل مقر «الإمام الحسين» التابع لقوات «الباسيج» و«قوة القدس».

ومنذ العام الماضى، نشطت قوات «الباسيج» على نحو أكبر فى تجنيد متطوعين إيرانيين من الشباب للقتال فى سوريا، فى إطار مبادرة «المدافعون عن الحرم» التى تدّعى أنها مموّلة عموماً من مساهمات خاصة. وبعد تنظيمهم ضمن ما يُسمى «كتائب الفاتحين»، يخضع هؤلاء المتطوعون لتدريب قبل وضعهم على لائحة انتظار لإرسالهم إلى سوريا على متن طائرات عسكرية أو رحلات تجارية. ولدى وصولهم إلى سوريا، يعملون إلى جانب «لواء الفاطميين» الأفغانى، و«لواء الزينبيين» الباكستانى، المنضويين تحت سلطة «قوة القدس». ووفقاً لقائد «كتائب الفاتحين» مهدى هداوند، تكبّد هؤلاء المتطوعون الخسائر الأكبر فى الأرواح فى خان طومان فى مايو 2016، حين تعرّضت وحداتهم لكمين وخسروا اثنى عشر رجلاً.

يُشار إلى أن ساحات القتال فى سوريا تمنح القوات العسكرية وشبه العسكرية الإيرانية فرصةً لتحسين مهاراتها القتالية والتنظيمية فى ظل ظروف صعبة على نحو استثنائى. كما أن تدخّل هذه القوات هناك يساعد «طهران» على تأجيج نيران الحماسة الثورية فى أوساط الشباب المتديّنين فى الوطن. وتحت حكم غيب برور، ستواصل قوات «الباسيج»، من دون شك، استخدام عمليات الانتشار من هذا القبيل كوسيلة لتحديد الجيل القادم من قادة «الحرس الثورى الإسلامى» وتدريبه، وترويج المفهوم الإيرانى للقوات الشعبية شبه العسكرية فى أرجاء العالم الإسلامى، فضلاً عن توسيع جبهة «المقاومة» التى يمكن أن تصوب أنظارها على دول أخرى فى المنطقة. وفى ظل استمرار الحرب السورية، لا يقتصر الدور الذى تلعبه إيران على إرسال قوات النخبة فى مهام استشارية وداعمة فحسب، بل تُرسل أفراداً من «الباسيج»، أقلّ تدريباً، لكن أكثر تحفيزاً، لتنفيذ مهمات قتالية غير محدودة. ونظراً إلى أن المعركة الرئيسية ستنتقل على ما يبدو من حلب (إلى محافظة إدلب على الأرجح)، يمكن توقّع ازدياد عدد الشباب الإيرانيين فى صفوف «الباسيج» الذين يقاتلون فى سوريا خلال الأشهر المقبلة، وكذلك ارتفاع عدد الضحايا فى صفوفهم.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى