الأخبار

وفى «الصحراء» رزقكم وما توعدون

 

102

 

 

لم يعرف طوال حياته سوى الصحراء، عاش أكثر من ثلاثين عاماً فى صحراء منطقة الأهرامات، عندما كان شاباً كان يستقبل الزبائن فى العشش التى بناها لصنع الشاى لهم، وعندما أصبح فى الستين من عمره، تم هدم العشش التى كان يتكسب منها، لكنه لم يغادرها، ظل فى مكانه لعدم قدرته على العيش بعيداً عن الصحراء.

«ازيك يا أبويا.. إيه أخبارك»، كلمات اعتاد «إبراهيم مناع»، سماعها يومياً من العمال والخيّالة وأصحاب البازارات فى الهرم ومن الزبائن أيضاً، يعقبها حديث عن حاله الذى لم يختلف كثيراً عن أحوالهم، فبعد ركود السياحة وانقطاع السائحين عن الأهرامات أصبح حال الجميع واحداً، ما يجعلهم يتحسرون على ما مضى وهم يرتشفون أكواب الشاى مثلما اعتادوا كلما زاروا «مناع» فى مكانه: «الناس كلها هنا بتعتبرنى أبوهم، بيحبونى جداً، أنا بقيت جزء من المكان، وصاحب وأب لكل الناس».

صوت هادئ، هيئة مميزة، جسد نحيف، ووجه تغطى اللحية معظم ملامحه، يجلس «مناع» تحت أشعة الشمس الحارقة محتمياً بقبعة صغيرة لم تفلح فى حمايته من الشمس: «كان هنا فيه عشش كنا بنسترزق منها، يا ريت ترجع تانى زى زمان، دلوقتى لا فيه شغل ولا فيه ناس، حتى القعدة هنا مانعنى منها، واتحايلت على الحكومة كتير تسيبنى، لكن دون فايدة»، قالها «مناع»، مؤكداً أنه يصرف على ابنته المريضة، وأولادها الثلاثة بعد وفاة والدهم: «الحمل كبير عليَّا، ومش عارف هعمل إيه الأيام اللى جاية».

«ويرزقكم من حيث لا تعلمون».. هكذا يعيش «مناع» على أمل أن يأتى الرزق من حيث لا يعلم، حتى يستطيع الإنفاق على ابنته المريضة وأبنائها أيضاً: «أبوهم مات وسابهم لى، وأنا راجل كبير وبنتى عيانة، لكن ربنا بيرزقنى برضه، ربنا مابيسيبش حد وراه يتامى»، بلغ «مناع» عامه الحادى والستين لكنه ما زال قادراً على العمل: «الحمد لله أقدر أشتغل وأصرف على بنتى وولادها، بس فين الشغل فى الصحرا دى؟».

افلوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى