الأخبار

وائل عبد الفتاح : نهاية «مصر التى»

139

كيف يمكن أن نصف مشهدا بكل هذا التعقيد؟

إنها لحظة «انتقالية» تتداعى فيها الأساطير الحاكمة لدولة الاستبداد القديمة.

لحظة تأسيس سيترتب على تفاصيلها شكل المستقبل وبنية نظام لم يعد يمكن اختصاره فى صراع بين الدولة الأمنية وقرينها من جماعات معادية للدولة الحديثة.

الحسم لم يبدأ بخطة فض الاعتصام، ولأول مرة لم يكن أمنيًّا فقط، أو بقيادة المخّلص الأمنى، لكنه كان محكوما بمحاولة طرف سياسى الشراكة الحقيقية.

ولم يبدأ باستفزاز الجماعة الباقية من الإخوان لتصنع مظلوميتها الجديدة، أو لاستدرار تعاطف خارجىّ، أو لابتزاز التعاطف، أو لنشر الرعب بمنطق «إما نحكمك وإما سندمر حياتكم حتى لو بموتكم أو موتنا».

لحظة تغيب فيها أحيانا البوصلة بينما لمدينة تدفع جنونها إلى لون الدم أو لون الرعب الكبير.

مدينة تتعرف على ذاتها بعد أن عاشت سنوات الغربة والحواجز.

مدينة تواجه كل ما فيها دون رتوش الأغانى العاطفية ولا التوهمات المدرسية عن «أم الدنيا» و«مصر التى..».

يبدو سؤال الثورة تحت ركام الاكتشافات: كيف يعود العالم طفلا بعد أن أفسدته الشيخوخة العاجزة؟

الطفولة قوة تبنى وجودها بمنطق العناد والتحدى ولا تعترف بقوانين الواقع، ونتجاوز الاختيارات الضيقة إلى عالم أوسع لم يتوقعه أحد.

ولأن الثورة فعل نادر فى التاريخ فإنه يأتى ليوقف الماكينات لتفكر فى عالم جديد، وعادة يبدأ من نقطة الضعف فى المجتمع، وهنا لا يمكن التعامل معه على أنه تحسين شروط أو استبدال ساكن القصر بساكن جديد.

الثورة هى عالم جديد… وهذا جعلها تتجاوز مرسى بلحظته العابرة كما تجاوزت المجلس العسكرى العابر.

وعندما كان يرفع شعار «يسقط النظام» فإنه ليس المقصود هنا المرسى وجماعته الساكنة خياله وقصر الرئاسة.. المرسى ليس «النظام» لكنه صدفة كما كان مبارك صدفة، وصلت إلى مقعد الرئاسة وفق تركيبة نظام ما بعد ١٩٥٢، حيث يختار الكهنة فى الغرفة المطلقة مسارا ليصل شخص بعينه… فعلوا ذلك عبر هيئة التحرير ومجلس قيادة الثورة ثم عبر الاستفتاء وحتى الانتخاب الحر المباشر… كلها ظلت أشكالا تحت سيطرة الكهنة… ويحكمهم فى المسار الذى يصل بمشهد الختام سواء كان تصعيدا أو استفتاءً أو انتخابات… كل الطرق تؤدى إلى «دولة الكهنة».

ولم يكن المرسى ليصل إلى الرئاسة لو كان المسار خرج من قبضة (الكهنة) أصحاب البدلة الكاكى وأدخلوا به الثورة فى «عملية تحت السيطرة» بداية من استفتاء مارس الملعون حتى استفتاء ديسمبر الأكثر لعنة.

الكهنة الكاكى أدخلوا إلى غرفتهم السوداء عدوهم القديم ليرمموا ما دمره مبارك وولده، وكانت المغامرة/ المؤامرة التى أشركت الذئب فى إدارة توزيع الغنائم، فدفعت الثورة دفعا باسم العقل والحكمة والمصالح العليا للبلاد والاستقرار وعجلة الإنتاج… إلى لعنة العملية التى تعيد إنتاج النظام المتحول فى صورة جديدة.

هذه هى الثورة، أما حكمة الحكماء الواقفين على الحياد، المستمتعين بأوهام عن نقد كل الأطراف… فهذه ليست إلا ممسحة أنيقة لنفايات النظام المتحول.

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى