الأخبار

بلال فضل يكتب… بأي خلافةٍ يحلمون؟

97

صححني إذا كنت مخطئا، هل رأيت فصيلا من فصائل تيارات الشعارات الإسلامية التي تصدرت الساحة السياسية منذ عامين والتي يفترض أنها تعتمد في مرجعيتها على مفهوم (عمارة الأرض) وهو يتبنى مشروعا حضاريا أو علميا أو بيئيا يمكن أن يقدم شيئا نافعا للبشرية في القريب العاجل، حتى ولو كان مشروعا لإستكشاف النباتات النادرة في الصحراء الغربية لكي نستخرج منها دواءا جديدا، أو مشروعا فضائيا نوظف فيه قدرات الدكتور محمد مرسي المكوكية «الناساوية»، لاحظ أنني لا أتحدث عن مشروعات فردية يتبناها أشخاص متدينون، بل عن المشروعات الكبرى التي تتبناها تيارات الشعارات الإسلامية والتي يمكن وصفها بأنها في الغالب الأعم مشروعات لخناقات كبيرة، أولا: خناقات مع القوى الدولية المختلفة لتحرير المسلمين في هذه البقعة من الأرض أو تلك دون البدء بالسعي لإمتلاك أسباب القوة المؤهلة للخناق حتى لا نصبح مسخة للعالم على طريقة مشهد «ماتقدرش» الشهير، ولكي نتوقف عن الإدمان الأبدي لدور الضحية. ثانيا: مشاريع خناقات كونية لإستعادة الخلافة الإسلامية سواءا كانت الأموية أو العباسية أو العثمانية أو الأندلسية، حيث يفترض أن تحلم كمسلم بإستعادة أي خلافة والسلام دون تقديم خطة معقولة تقنعك بإستثمار وقتك من أجل تحقيق ذلك الحلم. ثالثا: خناقات داخلية مع المختلفين دينيا وفكريا وسلوكيا، وهي الخناقات الألذ والأشهى لأن هؤلاء يمارسون فيها رياضتهم المفضلة في التسلط على الآخرين والتحكم في سلوكهم، ولأنها أيضا صارت خناقات آمنة ومضمونة النجاح بعد أن تداعت الأنظمة البوليسية عقب الثورات العربية.

ولكي لا تصبح أنت ذاتك هدفا للخناق، عليك أن تتبنى مشاريع تلك الخناقات كأحلام شرعية تتقرب بها إلى الله، وإلا فإنك تصبح كارها للشريعة الإسلامية ويتوجب التشريد لك ولعن سنسفيلك ونشر الأكاذيب عنك، ليس مسموحا حتى أن تسأل حتى عن طبيعة الخلافة الإسلامية التي نفكر في إستعادتها، هل سنستعيد السنوات الذهبية التي كنا نتمتع فيها بفضاء مفتوح لحرية التفكير والإعتقاد والبحث العلمي والآداب والفنون فإستطعنا أن نحقق كل مايفتخر به أنصار الشعارات الإسلامية من إنجازات دون أن يجرؤوا على أن يحكوا لجمهورهم السياق التاريخي الذي أنتج تلك الإنجازات التي بالتأكيد لم ننتجها في العصور السوداء للخلافة التي إنقلبنا فيها على حرية الفكر وأخضعنا عقولنا لفقهاء السلطان والتقليد والجمود الذين عملوا في خدمة نزوات السلاطين على إختلافها.

خذ عندك مثلا الخلافة الإسلامية في الأندلس التي لا يزال يغضب هؤلاء سخريتي من رغبتهم في إستعادتها من أسبانيا قبل إستعادة حسين سالم الهارب بأموالنا إليها، دون أن يقولوا لنا بأي أندلس يحلمون؟، هل يحلمون حقا بأندلس التسامح الفكري والإنفتاح الفني والتنوع الثقافي؟، وهل يظنون عندما يشيدون بتقدم الأندلس في العلوم والطب والعمارة أن ذلك التقدم كان يمكن أن يحدث بمعزل عن مناخ الحرية الفكرية والسياسية والإجتماعية الذي ساد في عصور الأندلس الذهبية؟، وهل يدركون أنه عندما إنتهى ذلك المناخ المنفتح وساد التطرف الديني وبدأت ملاحقة المفكرين والفلاسفة بدأت الأندلس في الإنحطاط الذي أضاعها في نهاية المطاف. لست أدري، إذا كان هؤلاء النائحين على الأندلس يحلمون حقا بما شهدته من تقدم فكري وتسامح ديني وتنوع ثقافي فلماذا لا يسعون جادين لكي نبعث الأندلس هنا من جديد في مصر التي يحكمونها والتي يضيقون فيها على من يختلف معهم ويوسعونه تكفيرا وتخوينا.

ألسنا محقين عندما نرى أقوال هؤلاء وأفعالهم إذا ظننا أنهم يحلمون بأندلس أخرى (بضم الألف وليس بفتحها)، هي الأندلس التي ساد المتطرفون فيها فأحرقوا الكتب ونصبوا محاكم التفتيش للكتاب والمفكرين، راجع كتاب (حرق الكتب في التراث العربي الإسلامي) لناصر الحزيمي منشورات الجمل لتقرأ وقائع إحراق محمد بن عبد الله المنصور لخزائن كتب المستنصر بعد تغلبه عليه لكي يتحبب إلى العوام ويظهر بمظهر المحب للدين الحنيف، ووقائع إحراق كتب إبن مسرة في قرطبة، وإحراق كتب إبن حزم بإشبيلية، وإحراق كتب أعظم مفكري الأندلس وشعرائها في القرن الثامن الهجري لسان الدين محمد بن الخطيب في غرناطة بعد أن ضاق خصومه به فاتهموه بالزندقة والخروج على شريعة الإسلام وطلبوا رأسه للإعدام. راجع أيضا كتاب (تراجم إسلامية) لمحمد عبد الله عنان مكتبة الخانجي لتقرأ كيف تمت محاكمة العلامة الفذ عباس بن فرناس بعد أن أثارت بحوثه العلمية حسد الفقهاء وشكوكهم فاعتُقل وقُدم للمحاكمة بتهمة الكفر والزندقة، ولولا استنارة القاضي سليمان ابن أسود الذي حاكمه لما أفلت من القتل، وهو ذاته ماجرى لصديق بن فرناس يحيى الغزال الحياني الشاعر والفيلسوف، وبَقيّ بن مخلد عميد فقهاء عصره الذي اتهمه زملاؤه بالزندقة.

هل كان شيئ من تلك الوقائع المخزية يدور في أذهان الحالمين بالأندلس؟، وهل يرغب أنصار الشعارات الإسلامية حقا في فتح ملفات الخلافة الإسلامية بعيدا عن الإنتقائية وإقتطاع أحداث التاريخ من سياقها ليظهروا عصور الخلافة كأنها كانت على الدوام مشرقة وبراقة فيصبح حلم إستعادتها قابلا للتسويق السياسي لدى البسطاء الحالمين بعدل عمر وسحابة هارون الرشيد وأمجاد محمد الفاتح؟، أشك في ذلك لكني أتمنى أن أكون مخطئا في شكي، تماما كما أتمنى لهم حظا طيبا في إستعادة الأندلس، راجيا أن يبدأوا أولا بالضغط على الخليفة محمد فاتح الصدر مرسي ليلغي قيود إتفاقية كامب ديفيد لكي نستعيد سيادتنا كاملة على سيناء ونتمكن من تحريك قواتنا فيها لضرب التنظيمات الإرهابية بعيدا عن القيود الإسرائيلية المخجلة، ثم نفكر بعد ذلك في إستعادة الأندلس على رواقة، والله الموفق والمستعان.

الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى