الأخبار

“الحاجة لإعلان دستوري مُكمل”

88

 

صدمت جموع الشعب المصري بمتابعة مداولات لجنة الخمسين لتعديل الدستور المعطل لعام 2012 ، في بداية جلساتها التاريخية و ذلك حين تبين للشعب أمس – و ربما بالمصادفة – أن العمل المنوط بلجنة الخمسين الموقرة ليس اعداد دستور جديد للبلاد ، من المفترض دستوريا وواقعيا ولادته من رحم ثورة 30 يونية عام 2013 كسائر الدساتير التيي تولد من رحم الثورات ، و بعد انهاء الحكم الاقصائي الاستبدادي لجماعة الاخوان المسلمين ، و لكن تذكر الجميع و ربما للوهلة الأولي أن النص الدستوري الصريح للاعلان الدستوري الذي صدر عن السيد رئيس الجمهورية المؤقت في يوليو المنصرم يعهد للجنة الخمسين بتعديل دستور عام 2012 ، و ذلك بعد انتهاء لجنة العشرة من خبراء و فقهاء القانون الدستوري من تقديم مقترحاتها بتعديل الدستور.

جدير بالذكر أن النص الدستوري سواء صدر في شكل “دستور ” ، أو ” اعلان دستوري” يجوز تعديله وفقا للمبادئ والأصول الدستورية الراسخة كما سنتعرض لذلك لاحقا ، بيد أن ذلك النص الدستوري الذي صدر عن السيد رئيس الجمهورية ووفقا لصياغته ، و من ثم تفسيره ، لا يقبل الاجتهاد أو تلكم المجادلة العقيمة التي شاهدها الشعب المصري أمس جهارا نهارا من قبل قامات الأمة ، وهامات الشعب . فالنص الدستوري المحدد لوظيفة لجنة تعديل الدستور ، صدر واضحا دون ابهام ، و كاملا أيضا دون اقتضاب ، و متوافقا في أجزائه دون تناقض، أو تنافر ، فضلا عن الحقيقة الدستورية المهمة ، وهي عدم خضوع النص الدستوري للرقابة الدستورية من الهيئة القضائية الوحيدة برقابة الدساتير في البلاد ، و هي المحكمة الدستورية العليا ، التي تنحسر رقابتها وولايتها عن النصوص الدستورية ، و تمتد لتشمل الرقابة علي دستورية التشريعات ، و القوانين التي تصدر عن السلطة التشريعية ، فضلا عن اللوائح المختلفة التي تصدر عن السلطة التنفيذية .

من المهم بمكان ، أن نشير الي أن الدستور الاخواني الاقصائي لعام 2012 لم يتم نسخه أي الغائه ، لكن تم تعطيل العمل به بموجب البيان الذي صدر عن السيد القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع و الانتاج الحربي الفريق أول عبد الفتاح السيسي ، و تم التأكيد علي ذلك في الاعلان الدستوري ذاته الذي صدر عن السيد رئيس الجمهورية في يوليو المنصرم ، و يعد البحث في مفهوم ” تعطيل الدستور ” نقطة أولية و جوهرية في ذات الوقت لتأويل المشهد الدستوري الحاصل الأن ، و الذي التبس ليس علي العامة و حسب و لكن أيضا علي أعضاء لجنة الخمسين ذاتها يعني تعطيل الدستور ، ترك النصوص الدستورية ، و ايقافها ، و العمل علي غير مقتضاها كلا أو جزء لفترة قد تطول أو قد تقصر، و هي ما زالت قائمة لم تعدل ، فالتعطيل لا يعني زوال الدستور ، لكنه أي التعطيل يعد استثناء يرد علي مبدأ سمو الدستور و علويته و علي مبدأ المشروعية أيضا ، و تطبيقا علي الحالة المصرية الحاصلة الان فان دستور عام 2012 لم يلغ بعد و لن يلغ بعد ، فهو معطل لحين تعديله في المدة الزمنية المحددة وفقا لخارطة الطريق و أيضا الاعلان الدستوري الحالي ، ، بل أن دستور عام 2012 هو الاساس و المتكأ الذي اتكت عليه لجنة العشرة ، و من بعدها لجنة الخمسين في اصدارها للمنتج الدستوري المرتقب و الذي سيتم الاستفتاء عليه من قبل الشعب لاحقا .

ان خيار التعطيل لا الالغاء لدستور عام 2012 ليس حكرا علي الحالة المصرية ، ولم تبتدع السلطة المصرية بدعة في ذلك السياق ، فسائر الثورات الشعيبة و التي تثور ليس علي الحاكم فقط بل علي كل الأنظمة السياسية ،و الاقتصادية ، و الأجتماعية ، و غيرها التي كانت سائدة في البلاد قبل الثورة ، تثور أيضا علي دستور النظام البائد الذي كان سائدا في هذه الحقبة ، و لها في هذا أن تلجأ لالغائه كليا ، أو تقوم بتعطيله لحين تعديله ، أو اعداد دستور جديد للبلاد ، و في حاتي التعديل و الأعداد يعهد للجنة محددة للتعديل ، أو جمعية للأعداد للقيام بذلك العمل التاريخي المصيري في حياة الأمم و الذي لا يتكرر الا نادرا
في جميع الأحوال يعد تعطيل الدستور اجراءا غير دستوري ، باعتبار أن الدستور ذاته أعد لحماية و الحفاظ علي حقوق لاانسان الأساسية ، و حرياته العامة ، و لكن تعطيل الدستور سواء حدث ذلك عند اندلاع الثورات كما في الحالة المصرية ، أو عندما تمر بالبلاد ظروف سياسية أمنية في المقام الأول ، تهدد ليس فقط السلم لاأهلي و النظام و الأمن العام في البلاد ، بل تحيق خطرا بكيان الدولة ذاتها ، فتلجأ الدول لتعطيل الدستور حين تعجز الوثيقة الدستورية عن مجابهة الأخطار المحدقة غير المتوقعة بالبلاد و العباد .

فتعطيل الدساتير يستمد شرعيته من حالة الضرورة التي تعدم الدولة خياراتها الدستورية و التشريعية ، فتهدف الدولة و سلطاتها الي حماية الشعب ، حيث تقوم الدولة باصدار قوانين، و ربما أيضا قرارات ادراية استثنائية في غيبة الدستور تهدف بشكل رئيسي لحماية المصلحة العامة للمجتمع ،و بغض النظر عن اتساقها أو تنافرها مع حقوق الأفراد ، حيث تغلب الدولة هنا و ترجح مصلحة الجماعة علي مصلحة الفرد ، و تستند هذه النظرية علي القاعدة الألمانية القديمة : سلامة الشعوب فوق القانون .

اما تعديل الدساتير، فلغويا يعني : تنقيح ، أو مراجعة ، أو اعادة النظر ، أو تبديل ، أو نسخ ، و أكثرها شيوعا تنقيح و مراجعة ، و يختلف المعني الاصطلاحي لتعديل الدستور عن المعني اللغوي لذات الأجراء ، حيث يعني التعديل : ” اعادة النظر في الدستور تغييرا و تبديلا حذفا أو اضافة ” ، و يقصد أيضا بالتعديل ادخال تغيير علي نصوص المواد التي يتألف منها دستور البلاد ، و لا يتعارض التعديل مع مبدأ سمو الدساتير ، لان الشعب مصدر السلطات و يحق له اجراء التعديلات التي تجيزها نصوص الدستور ذاته و تتيح له مسايرة التطور الحياتي المتصاعد.

لقد كانت الثورة الفرنسية رائدة في مسألة النص علي حق الأمة في تعديل الدساتير ، حيث أكد دستور عام 1793 الفرنسي في مادته رقم 24 علي : الأمة لها الحق في تعديل الدستور في كل وقت و هذا الحق لا يسقط بالتقادم ، لان جيلا معينا لا يستطيع أن يلزم الأجيال التالية بقوانينه و أنظمته الدستورية
جلي أن تعديل الدساتير يهدف الي ملائمة ، ومواكبة التطورات و الأفكار الجديدة في المجتمع الذي ينظمه ، و يمكننا ملاحظة ذلك ، في دستور عام 1971 الدائم لمصر ، حيث كانت المطالبات العدية بتغيير ذلك الدستور الذي ارتكز علي المفاهيم و الأيلدلوجيات الأشتراكية التي كانت سائدة في البلاد و لم تعد مسايرة للتطرات الحاصلة في المجتمع المصري ، و تدليلا علي ذلك فان التعديل الثالث عشر عام 1865 لدستور الولايات المتحدة هدف لالغاء الرق و العبودية و التوجه نحو صيانة حقوق الانسان و كرامته .

هناك بعض الملاحظات المهمة حول الممايزة بين تعديل للدستور و تعطيله ، والحالة المصرية ثرية بالتدليل علي ذلك الطرح الفلسفي الدستوري ، فتعطيل الدستور يكون مؤقتا كما أوضحنا لفترة زمنية محددة ، و لقد تم تحديدها فعلا في مصر بموجب الاعلان الدستوري و قبله البيان الصادر عن القائد العام للقوات المسلحة ، أما تعديل الدستور فليس امرا مؤقتا بل يتصف بالدوام حيث يكون تغيير النصوص الدستورية أو زوالها يكون نهائيا في ظل العمل بالدستور المعدل .
ان الجهة المختصة رسميا التي تقرر ” تعطيل الدستور ” غالبا ما تكون رئيس الدولة ، أو الرئيس الفعلي للدولة كما الحاصل الأن في مصر ، في حين أن الجهة المنوطة دوما بتعديل الدساتير يكون نص الوثيق الدستورية ذاتها المبتغي تعديلها قد نص علي ماهيتها ، و تخرج الحالة المصرية بالطبع عن تلك الفرضية ، حيث عهد الاعلان الدستوري للجنتي العشرة و الخمسين بهذه العملية.

وختاما ، و بعد أن تكشف للقاصي و الداني في مصرنا المحروسة حقيقة الوثيقة التي ستعدل وفقا للأعلان الدستوري ، و بعد أن أبقت لجنة العشرة علي 29 مادة فقط من أصل 236 مادة من دستور عام 2012 ، هل سيشفي السيد رئيس الجمهورية غليل سائر المصريين ، و يقوم سيادته باصدار اعلان دستوري مكمل ، يعدل فيه من وظيفة لجنة الخمسين لتفوم باعداد دستور دائم جديد للبلاد بعد أن لفظ الشعب النظام الاقصائي البائد ، و كل ما يرتبط به من نظم و مبادئ و معتقدات ضمنها في وثيقة دستورية شاذة .

 

وكاله انباء اونا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى