الأخبار

تساؤلات حول الإرهاب

l_bd_lmnm

الهجمات الإرهابية المتتالية وغير المسبوقة، والتطور النوعى لهذه العمليات الإرهابية، سببت صدمات وأثارت تساؤلات على المستويين الرسمى والشعبى، ولعل تلك الصدمات التى أحدثتها تلك الهجمات المتلاحقة والممنهجة – التى تتبناها تنظيمات إرهابية بمسميات مختلفة – تعود إلى استهدافها مقار ونقاطاً أمنية بالغة الأهمية، وإيقاعها عدداً كبيراً من الضحايا. ووفقاً للمعلن فإنه تم تدمير أكثر من 1845 نفقاً، كانت تربط بين قطاع غزة وأرض سيناء، وكانت هذه الأنفاق تُستخدم لنقل الأسلحة والمعدات والأفراد لاستخدامها فى العمليات الإرهابية، وكذلك فإن قواتنا المسلحة تعلن بصفة يومية عن تصفية عناصر إرهابية لو تم حصرهم لتجاوزوا المئات، فضلاً عن الحملات اليومية التى تشنها القوات الخاصة فى الجيش والشرطة على معاقل الجماعات الإرهابية.

بيد أن استمرار هذه العمليات، بالرغم مما سبق، بل تطور وجرأة الإرهاب، حتى إنهم يستهدفون أماكن حيوية ونقاطاً حصينة للجيش والشرطة، فضلاً عن امتداد التخريب إلى داخل الوادى فى القاهرة ومدن الدلتا وأماكن أخرى مزدحمة بالسكان، كتفجير دار القضاء العالى، بل اختيار أهدافهم باحترافية، كاستهداف برجى الكهرباء المغذيين لمدينة الإنتاج الإعلامى من بين أكثر من ستين برجاً- كل ذلك يقودنا إلى عدة تساؤلات. والتساؤل الأول – بعد الصدمة – يتمثل فى أن هذه العمليات يتم تنفيذها بعد نشاط مكثف للقوات المسلحة المصرية وللشرطة المدنية لتطهير شمال سيناء من الإرهابيين، فهل لم تكن كل هذه الإجراءات كافية؟ أم أنها لم تكن ذات جدوى؟ ومن أين تأتى الإمدادات لهؤلاء الإرهابيين، سواء بالمال أو السلاح والعناصر البشرية؟

هذا يؤكد أن للإرهاب مصادر دولية لدعمه بالمال والسلاح والرجال، إذ لا يمكن لعصابات محلية، مهما بلغت قوتها وكثرت أعدادها، أن تصمد أمام هذه الإجراءات الأمنية المشددة والضربات المتلاحقة بكافة أنواع الأسلحة، بما فيها الطائرات المقاتلة والأسلحة الثقيلة، تستخدمها قوات مسلحة محترفة قتالياً وشرطة عالية التدريب والكفاءة وأجهزة معلومات قوية، وهذا يثير تساؤلاً: من أين يأتى هذا الدعم المتواصل؟ وكيف نمنعه؟ فإن ثبت أن دولاً تقف وراء ذلك – وهو أمر مرجح – فعلى السلطة العامة فى مصر إعلان ذلك، ويجب أن تتخذ إجراءات قوية لمواجهة هذا التآمر الذى يهدف إلى تمزيق مصر وتحويلها إلى ساحات حرب تمهيداً لإسقاطها. والتساؤل الثانى: حتى لو كان هناك دعم بالمال والسلاح والرجال والمعلومات من دول معادية، فكيف يصل هذا الدعم بالرغم من المناطق العازلة ومراقبة الحدود، وكيف تدخل أسلحة كمدافع الهاون دون أن يشعر بها أحد، وكيف يتمكن الإرهابيون من زرع العبوات الناسفة فى طريق المدرعات على أرض مكشوفة؟ ربما تكون هناك إجابات مقنعة لكل هذه التساؤلات، ولكننا كمواطنين نجهلها، وعلى الأجهزة المعنية توضيح الأمور للشعب، فالشعور بالحسرة والألم مع سقوط كل شهيد يدفع إلى الإحباط واليأس، وأتصور أن إحاطة الشعب بكافة الظروف الصعبة التى نواجهها سيكون لها أثر إيجابى على إصرار الشعب على المقاومة مهما كانت التضحيات، وهو ما يصُب فى النهاية لصالح هدف القضاء على هذا الإرهاب وإن استغرق ذلك سنوات، فاليقين أن الإرهاب قد يثير الفزع لبعض الوقت ولكنه أبداً لا ينتصر على الدول والشعوب، ولا يتمكن أبداً من الوصول لأهدافه. ويقودنا ذلك إلى السؤال الأكثر إلحاحاً: أمَا لهذه العمليات من نهاية؟ ونجزم بأن هذه العمليات الإرهابية الخسيسة لم تحقق أهدافها المتمثلة فى زعزعة أركان النظام الحالى، وإفشال أداء الدولة، وهز ثقة الشعب بمؤسساته وأجهزته الوطنية، أو على الأقل تركيع الدولة المصرية لإجبارها على التفاوض حول ما يسمى «المصالحة»، بيد أن هؤلاء الأغبياء لا يدركون أن الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها لا تملك ذلك، بل الأمر بيد الشعب المصرى فقط، فضلاً عن أهداف خارجية سياسية تتمثل فى أن يفقد العالم الخارجى ثقته بنظام الحكم الحالى للإيحاء بعدم قدرته على المواجهة، وبالتالى عدم استقرار الأوضاع فى المنطقة بصفة عامة وداخل مصر بصفة خاصة، وأهداف اقتصادية تتمثل فى ترويع المستثمرين وامتناعهم بالتالى عن ضخ استثمارات جديدة لبلد غير مستقر أمنياً. نقول وإن كانت هذه العمليات الإرهابية قد فشلت فى تحقيق هذه الأهداف حتى الآن إلا أننا يجب أن نطالب الدولة باتخاذ خطوات أكثر ابتكاراً وتطوراً وتكيفاً مع تطور العمليات الإرهابية، ولن يكون ذلك إلا فى قدرة الدولة على الاستباق وليس رد الفعل، وهذا يقتضى تطويراً سريعاً ودعماً غير محدود لأجهزة المعلومات فى مصر والمتمثلة فى أجهزة المخابرات العامة والحربية وجهاز الأمن الوطنى والأمن العام. فبدون ذلك لن نتمكن من القضاء على الإرهاب.

وتلاحظ أيضاً أن تصاعد تلك العمليات الإرهابية قد جاء خلال فترة الاستعداد للانتخابات البرلمانية، التى يعنى إتمامها استكمال مؤسسات الدولة الدستورية، وبعد نجاح المؤتمر الاقتصادى.

وهذان الاستحقاقان يمثلان أهدافاً حيوية للإرهاب الذى يهدف إلى زعزعة الاستقرار، وإرباك الدولة، فقد علَّمنا التاريخ أن مصر وإن كانت تمرض أحياناً إلا أنها لا- ولن- تموت بإذن الله.

 

المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى