الأخبار

عسكرة الأزمة مع إثيوبيا غير واردة

 

 

قال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ورئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بمركز دراسات الشرق الأوسط، إن هناك عروضاً إسرائيلية لتمويل وبناء 7 سدود فى 4 دول بحوض النيل من بينها سدان فى إثيوبيا، لافتاً إلى أن الفراغ المصرى خلال حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك تسبب فى تمركز العديد من القوى فى المنطقة كإيران وتركيا وإيطاليا والصين وإسرائيل والولايات المتحدة، نظراً لـ«العقدة» التى خلّفها حادث «أديس أبابا». وأَضاف «فهمى»، فى حوار خاص لـ«الوطن»، أنه لا يمكن اللجوء إلى وساطة إسرائيل فى أزمة «سد النهضة»، منوهاً بضرورة التعامل مع «تل أبيب» كلاعب مركزى وقوى فى ملف المياه بدول الحوض.

وإلى نص الحوار:

■ بداية.. كيف ترى تصعيد إسرائيل لتحركاتها فى منطقة حوض النيل؟

– إسرائيل خرجت من الاستراتيجية السرية إلى المعلنة، وكل ما هو سرى فى سياستها انتهى، من الآن فصاعداً يجب أن نعامل إسرائيل على أنها لاعب قوى ومركزى فى منطقة حوض النيل، وستتمخض نتائج الزيارة الأخيرة التى أجراها رئيس وزراء إسرائيل الشهر الماضى عن جملة سياسات، وستشهد المنطقة العديد من الزيارات لوزراء ومسئولين إسرائيليين كُثر خلال العام الحالى، حيث أراد الإسرائيليون أن يقولوا نحن هنا موجودون وبصورة مباشرة.

«فهمى» لـ«الوطن»: إسرائيل عرضت تمويل 7 سدود جديدة فى 4 دول بحوض النيل

■ ماذا قدمت إسرائيل لإثيوبيا فى ملف سد النهضة؟

– قدمت خبراء ومستشارين ودراسات فنية، وأزعم أن شخصية إسرائيلية كبيرة، تدعى «أرنون سوفير»، هو من وضع استراتيجية تفاوض إثيوبيا مع دول حوض النيل بما فيها مصر، وهو رجل له كتاب شهير بعنوان «نهر يلتهب»، وأعتقد أن الإسرائيليين يسجلون أنفسهم فى هذا التوقيت كلاعب رئيسى ومركزى فى منطقة حوض النيل وقضية المياه فى الشرق الأوسط.

■ وكيف ترى التعامل المصرى مع التحركات الإسرائيلية؟

– تعاملت مصر مع تلك الرسائل بهدوء شديد، وربما رد وزارة الخارجية المصرية الذى أكد أن إسرائيل لا تلعب دور الوسيط فى مفاوضات سد النهضة كان جيداً، وأنا أؤكد أن إسرائيل لا يمكن أن تكون وسيطاً اليوم أو غداً، ولكن لا بد أن نسلم أن لها يداً فى قضايا المياه، وهى تطرح فكرة خبيثة لإقامة بنك للمياه، باستغلال الفاقد فى الأمطار فى دول حوض النيل على أن تصل بأنابيب إلى إسرائيل، بدعوى أن تصل إلى مدينة القدس فقط، بحيث يكون للمشروع بُعد دينى.

■ وهل يعنى هذا أن إسرائيل لا تطمع فى مياه النيل للتوسع الزراعى فى صحراء النقب؟

– لا توجد فى الوقت الحالى أزمة نقص مياه فى إسرائيل، عكس ما هو شائع، حيث قامت بأربعة مشروعات عملاقة لتحلية مياه البحر فى السنوات العشر الأخيرة، بالإضافة إلى سرقة المياه العربية منذ سنوات طويلة جداً، وإسرائيل لها خبرات فى مشروعات تحلية مياه البحر أعرق من دول سنغافورة وتايلاند ودول الخليج العربى، ويجب أن نعلم أنها جزء من أزمة مياه النيل وليست هى كل الأزمة، فهى لاعب أساسى فى المستقبل فى حوض النيل.

«تل أبيب» لا يمكن أن تكون وسيطاً اليوم أو غداً فى أزمة «السد».. ولا نستطيع تدويلها فى الوقت الحالى

■ هل هناك مشروعات لبناء السدود ستقوم بها إسرائيل فى المنطقة؟

– عرضت إثيوبيا فكرتين غاية فى الأهمية على إسرائيل خلال زيارة نتنياهو، الأولى بصورة مباشرة أن تقوم إسرائيل بتمويل السدين الآخرين على النيل الأزرق، وسوف يتم الإعلان عنهما مع انتهاء المرحلة الأولى لسد النهضة، كما عرضت إسرائيل تمويل سد فى تنزانيا وآخر فى أوغندا وسدين فى كينيا، كما عرضت أيضاً تقديم خبرات فنية وإعداد دراسات جدوى فنية، أى إنه عرض متكامل لمثل هذه الدول التى تحتاج إلى أى دعم بأى صورة، ليصبح عدد السدود التى تخطط إسرائيل ودول الحوض لبنائها 7 سدود.

■ وكيف تُقيّم التحرك المصرى أمام ما تقوم به إسرائيل فى المنطقة؟

– نسمع الكثير من الكلام فى هذا التوقيت عن عودة مصر إلى أفريقيا، ولكن العودة لا تعنى ما نص عليه الدستور، أو كما كانت فى الستينات من خلال شركة النصر والعمل المخابراتى، لأنه أسلوب انتهى، ولابد أن نسلم أن هناك منافسين أقوياء فى المنطقة، كإيطاليا وإيران وتركيا والصين وإسرائيل والولايات المتحدة، والأخيرة تتبنى استراتيجية مقيمة فى المنطقة، تعرف بالقيادة العسكرية لفيلق الجنوب، وإسرائيل موجودة فى نماذج عديدة كالقواعد العسكرية غير المعلنة، والتى يطلق عليها المحطات السرية، كما تنفذ إسرائيل الرؤية الاستراتيجية 2025.

يجب التعامل مع إسرائيل من الآن فصاعداً على أنها لاعب قوى ومركزى فى دول حوض النيل

■ وماذا قدمت القاهرة أمام كل تلك التحركات؟

– لا بد أن تتغير استراتيجية الحركة المصرية ويُترجم الوجود التاريخى لمصر الناصرية برؤية جديدة، والرئيس السيسى مؤمن بأفريقيا ويعطى توجهات واضحة بالاهتمام بأفريقيا، ولكن لا يكفى أن يكون الرئيس فقط، ولابد أن تعمل كافة قطاعات الدولة من رجال المجتمع المدنى ورجال الأعمال.

■ إذاً التأثير المصرى ضعيف فى دول حوض النيل؟

– تسبب حادث أديس أبابا الذى تعرض له الرئيس مبارك فى التسعينات فى «عُقدة» شخصية له من أفريقيا، ترتب عليه مقاطعة استمرت حتى قيام ثورة يناير، وكانت الخارجية المصرية ولا تزال ترسل أضعف سفرائها إلى أفريقيا، رغم أن نظرة العالم كله إلى أفريقيا تغيرت.

■ ما أوجه التعاون بين إسرائيل وإثيوبيا؟

– فى مجالين رئيسيين، الأول قائم على تقديم الخبرات فى المجال العسكرى، وهو أمر يتم بدون اتفاقيات معلنة، وفيما يتعلق بالتبادل التجارى والسلعى، فإنه وفقاً لـ 2011/2013، فحجم التبادل فى مجالات متعددة، مثلا إسرائيل تقدم منتجات فى مجالات الكمبيوتر، والمتعلقة بالأجهزة الإلكترونية والكهربائية، مقابل تقديم إثيوبيا لبعض السلع الزراعية والأراضى الخصبة، وفى إطار إحداث توازن فى التبادل التجارى.

■ هناك حاجز نفسى بين مصر وإثيوبيا على عكس علاقتها مع إسرائيل.. كيف ترى ذلك؟

– إسرائيل تقدم النموذج الحضارى إلى إثيوبيا، وبالمناسبة إثيوبيا قطعة من أوروبا، وليس كما يشاع أنها تعانى من فقر، ودولة ذات حضارة، ولديها مقومات الدولة، ولكن هناك بعض العقد النفسية، لدى الإثيوبيين لا بد أن يتم التعامل معها بحكمة، فالجيل الجديد مؤمن أن مصر دولة محتلة وتسرق المياه منهم، وهو أمر غير صحيح لكنه يتردد على مستوى النخبة، وفى المدارس والجامعات الإثيوبية بقصد.

■ وهل للخطوات التى قام بها الرئيس السيسى وحديثه فى البرلمان أثر إيجابى فى إزالة مثل تلك العقد؟

– بأمانة شديدة كلمة الرئيس فى البرلمان أحدثت اختراقاً فى الداخل الإثيوبى، وهناك محاولات لإزالة حالة الاحتقان من خلال التواصل والحوار، وعلى الرئيس القيام بجولة مكوكية فى أفريقيا، لأن له حضوراً على المستوى العربى والأفريقى، وهذا جزء من سماته الشخصية والتعامل بجدية لأن التاريخ لن يرحم أحداً، وعليه إعادة تقديم مصر إلى هذه الدول، والرأى العام الإثيوبى تجاوب مع طرح الرئيس خاصة حينما قال فى البرلمان: «إن قضية المياه بالنسبة لمصر حياة أو موت وبالنسبة إليكم تنمية»، وهو حديث واقعى وصل إلى كل الإثيوبيين، ولابد أن تكون هناك دائماً شخصيات لتقريب وجهات النظر بين الدولتين.

■ وماذا ترى فى المستقبل القريب من مخاطر؟

– أرى أن أخطر ما يمكن أن يحدث هو السيناريو الأسوأ، لأنه على آخر هذا العام سوف تتضح الرؤية لتشغيل وتجريب سد النهضة، فماذا لو فرض الإثيوبيون الأمر الواقع وتوترت العلاقات؟، وتوقف إعداد الدراسات الفنية التى ينفذها المكتب الاستشارى الفرنسى على سد النهضة، وأحدث ذلك رداً شعبياً كبيراً فى مصر، وهناك من يتربص بالداخل وخاصة فى ملف السد.

■ وما رأيك فى المطالب الخاصة بتدويل أزمة السد؟

– فى الوقت الحالى، لا نستطيع تدويل الأزمة، لأن المفاوضات مستمرة، وسوف تتوقف حينما يعلن الطرف الإثيوبى أنه غير ملتزم بنتائج الدراسات ويرفض المفاوضات، وتدويل الأزمة يتطلب حسابات خاصة بموقف مصر الدولى وفى ضوء عضويتها فى مجلس الأمن، وأنا ضد عسكرة السياسة الخارجية المصرية فى تعاملنا مع إثيوبيا.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى