فن وثقافة

ماذا سقط محمد سعد؟

الفنان دائما في حالة صراع، الصراع المهني البحت والمشروع، والصراع النفسي من أجل تطوير أدواته وموهبته، وصراع داخلي بين ما يريد وما يستطيع تقديمه، لذلك فإنه من المفترض أن يعيش على أعصابه طيلة الوقت، ولكنه يخسر في اللحظة التي يظن نفسه فوق الفشل أو السقوط، يخسر حينما يكرر نفس الأمر بنفس الخطوات وينتظر نتائج مختلفة.

البلدوزر.. موهبة وحضور

البداية مع شريف عرفة، في واحد من أهم الأفلام الكوميدية في الألفية الجديدة وهو فيلم الناظر، الفيلم كان علاء ولي الدين يقدم نفسه للمرة الثانية كنجم شباك شاب، بعد محمد هنيدي الذي افتتح ما سمي بموجة الأفلام الشبابية بفيلمي “اسماعيلية رايح جاي، صعيدي في الجامعة الأمريكية”، علاء نجح في التجربة الأولى وهي عبود على الحدود قدم من خلالها كريم عبد العزيز وأحمد حلمي ومحمود عبد المغني وغادة عادل، ولكن شريف عرفة وأحمد عبد الله يكررون نفس التجربة مع نفس الاسم، ولكن هذه المرة يضاف اسم جديد وهو محمد سعد.
يختلق عبد الله شخصية اللمبي ليقدمها سعد بقدرة مذهلة على التقمص والسيطرة على الكاراكتر وخلق لازماتها اللفظية والحركية، الفيلم كله يعد درس في صناعة الكاركترات، علاء نفسه يقدم 3 كاركترات رئيسية لم تفلت أحدهم منه، الأب عاشور والأم جواهر والابن صلاح، حلمي يقدم عاطف، ليدخلوا في سباق على قلوب المشاهدين، لتفوز جواهر ويفوز اللمبي بالمراكز الأولى.
قبل الناظر 2000، كان سعد ممثل موهوب ولكنه لم يأخذ فرصه حقيقة لإظهار موهبته، فرصه قدمها شريف عرفة وأحمد عبد الله على طبق من ذهب ليستغلها سعد بقوة وموهبة وصدق، ليبدأ رحلة نجومية، ففي العام الذي تلاه يقدم هو وأحمد حلمي فيلم 55 اسعاف، لينجح سعد مرة أخرى، ليخطفه السبكي، وللحق السبكي يعرف الحصان الرابح من أول ظهور له، يقدم معه عام 2002 فيلم اللمبي، الشخصية الثانوية التي اخترعها احمد عبد الله يكتب لها فيلم باسمها يخرجه وائل إحسان لينطلق سعد لأول مرة كنجم شباك.
اللمبي يكتسح بالفعل، إيرادات لم تخطر ببال الأخوين السبكي نفسهم، سعد نجم الموسم، وماذا بعد؟ السؤال الأهم الذي يجب ان يجيب عليه كل فنان بعد كل نجاح، الإجابة هذه المرة مع وائل إحسان ونادر صلاح الدين وسامح سر الختم، وتحدي جديد لمحمد سعد، تحدي هام يثبت به اقدامه في السوق.

تحديات جديدة وشخصيات

رياض واللمبي، اللمبي كما نعرفه بينما رياض شخصية تحتاج مجهود جسدي كبير ومرهق لتأديتها خاصة مع وجود ميزة شكليه وهي الشفة المرفوعة، سعد يتحدى نفسه، يثبت انه قادر على التحكم في جسمه بشكل يعجز عنه العديد من الممثلين، مع سيناريو متوازن وحبكة مقبولة وإخراج جيد، نجح الفيلم وأصبح قنبلة الموسم، وأصبح لقب محمد سعد هو البلدوزر، المنتجين يخافون منه، يهابونه، يحاولون أن يطرحوا افلامهم بعيدا عن الموسم الذي ينزل فيه فيلم محمد سعد، البلدوزر يزيح من امامه بسهولة ويتقدم.
هل سيظل سعد في شخصية اللمبي؟ كان هذا السؤال الذي تردد عقب نجاح اللي بالي بالك، وأعرب البعض عن مخاوفه من ان تسجن شخصية اللمبي ممثل بموهبة وقدرة محمد سعد، سعد يجاوب على السؤال بمفاجأة، عوكل، أفضل ظهور لسعد بعد اللمبي، فيلم كتبه سامح سر الختم ومحمد نبوي وأخرجه وائل إحسان، البلدوزر أكد وجوده وانتهى الأمر.
في عوكل يقبل سعد تحدي جديد، تحدي اجتازه من قبله علاء ولي الدين ومحمد هنيدي، في عوكل سعد يقدم اطاطا، السيدة المسنة غريبة الأطوار، أطاطا تنجح تصبح طريقتها في الكلام على ألسنه الجميع وإفيهاتها متداولة، نجح سعد في الإجابة لثلاثة مرات متتالية على سؤال وماذا بعد؟، وها هي المرة الرابعة.
بوحه الصباح، كانت الإجابة، ولكن كانت بشاير نهاية مأساوية، الفيلم نجح تجاريا ولكن ليس كنجاح الأفلام التي سبقته، نجاح ابطأ، وأقل، نجاح سمح ان تكون احتمالية لمنافسة البلدوزر وربما التفوق عليه، بدأت موجة من الأسئلة عن وجه سعد الممثل بعيدا عن الكاركترات، 4 أفلام بكاركترات مختلفة، بدا نوع من الاستسهال في الكتابة لسعد، بدأت تظهر شخصية سعد لتطغى على شخصية المخرج وعلى الفيلم.

بداية السقوط

تلك الكوارث التي ظهرت بشدة ووضوح بداية من فيلم كتكوت، سعد يخفق، يغالي في نحت الشخصية ويجعلها غير قابلة للتصديق، يجعلها سخيفة وثقيلة الظل، البطل الأوحد، سعد أصبح في كل مشهد يغوص في وتثقل اقدامه، كتكوت كان صدمة يحتاجها سعد، تلك الصدمة التي ما ان يتلقاها فنان فعليه أن يعيد النظر فيما يقدمه وعليه ان يجد إجابة مبتكرة لسؤال ماذا بعد.
 كركر كان إجابة خاطئة، لم تسنده شخصية الحناوي ولا الشخصية المشوهة الأخرى التي جسدها، ولا حتى وجود ياسمين عبد العزيز كبطلة شفع له، سقط الفيلم وتعطل البلدوزر، ولكن لابد من فرصة أخرى، فرصة يعود فيها سعد للسطوع مرة أخرى هذه الفرصة جاءت في بوشكاش، وبإصرار غريب يهدر سعد الفرصة يستمر في مسلسل الكاركترات غريبة الاطوار والحبكات غير المتوازنة والسيناريو الرديء، سعد ينتحر فنيا بإصرار.

حينما تبحث في دفاترك القديمة

هذا الانتحار تأكد في فيلم اللمبي 8 جيجا، حينما يفلس التاجر يفتح دفاتره القديمة، وهذا ما فعله محمد سعد بجدارة، كتاجر بارت بضاعته وأفلس فعاد للشخصية التي كانت وش السعد عليه، ولكنه لم يعود كمحمد سعد المغامر الموهوب والفنان المتألق بل عاد كمحمد سعد النجم، النجم الذي يفرض سيطرته على العمل، يهدر سعد فرصة كانت ذهبية حيث أن فكرة الفيلم كانت جديدة وجيدة ويمكن ان تعيده إلى القمة، لكن سعد أصر على ان يتعامل معها مثلما كان في كركر وكتكوت، ومخرج أصيب بعدوى الاستسهال فطارت الفرصة الأخيرة والأفضل للعودة.
ما عقب اللمبي 8 جيجا كان تأكيد ما تم تأكيده بالفعل، سعد أصبح لا يخيف أحد سعد لم يعد البلدوزر بعد الأن، أصبح مجرد مشروع فنان موهوب ضل طريقه في زحمة الأقنعة، لكن للإنصاف الجمهور تغير أصبح يحب ويفضل اشكال أخرى، كان لابد ان يكون لسعد حلول بديلة حلول تعيده إلى الضوء إذا انحسر عنه.
حلول سعد كان موجودة بين يديه بالفعل، موجودة في موهبة شهد بها الجميع منذ وقوفه على خشب المسرح في المعهد، موجودة في التخلي عن فكرة الشخصيات غريبة الأطوار التي ظل يمطرنا بيها، موجودة في محاولات مستمرة من المخرجين والمنتجين في إعادته للضوء كان يمكن ان يستغل نجوميته ويفرض ما يريد تقديمه.
حتى حينما حاول العودة عن طريق التلفزيون ضل الطريق، كرر نفس الأفعال بنفس الخطوات منتظرا نتائج مختلفة، تلك الجملة تلخص حالة محمد محاولات على نفس الدرب والخطوات دون النظر لأسباب الفشل المتتالية، ليسقط مرة تلو الأخرى تلو الأخرى، رغم أنه بالتأكيد نصحه الكثيرين بالتغير ولكن يبدو ان سعد معتقد أن ما يقدمه مازال يمكن ان يقنع جمهوره بالعودة، همسة في أذن سعد أنت تحمل بداخلك فنان جيد وموهوب اعتقد انه آن الأوان حاليا لكي يخرج ربما يكون هو فرصتك الأخيرة.
الموجز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى