الأخبار

نهاية عزلة قبط مصر

 

12

 

مع انتخاب قداسة البابا تواضروس الثانى تنتهى عزلة قبط مصر.

والسؤال إذن:

لماذا؟ وكيف؟

أجيب عن هذا السؤال بقصة جديرة بأن تُروى:

فى 21/ 12/ 1958 صدر العدد الأول من جريدة «وطنى» لصاحبها أنطون سيدهم ورئيس تحريرها عزيز ميرزا الذى كان رئيساً لتحرير جريدة الأهرام. وقبل صدورها هاتفنى أنطون سيدهم ليدعونى لكتابة مقالات فلسفية فقبلت بشرط أن تؤدى الجريدة دوراً فى نقد النزعة الطائفية لأنها لا تستقيم مع ما ننشده من تطور وتقدم. وكانت استجابته بالإيجاب بدعوى أن تأدية هذا الدور من أسباب صدور الجريدة.

بدأت الكتابة وبعد فترة وجيزة قرر مجلس إدارة الجريدة تخصيص صفحة للأدب على أن أكون مشرفاً عليها. وأثناء إشرافى واجهت ظاهرة أزعجتنى وهى وضع «صورة فرعونية» عند رأس الصفحة الأمر الذى يشى بنزعة طائفية خفية، وهى أن الفرعونية معادلة للقبطية فاعترضت إلى الحد الذى ارتأيت فيه ضرورة عدم نشر أى صورة فرعونية فقال لى عزيز ميرزا: إن الصورة الفرعونية، فى رأى مجلس إدارة الجريدة، هى روح الجريدة، وبدونها تصبح الجريدة بلا معنى، وبالتالى يمتنع إصدارها. وبعد أسبوعين من اعتراضى هاتف وكيل النيابة عميد الكلية التى أعمل بها ليخبره بضرورة لقائه بمكتبه بمجمع التحرير، وقد كان، وإذا به يفاجئنى بأنه قد أجرى تحقيقاً فى جريدة «وطنى» بناء على شكوى جاء فيها أننى أقوم بعمل معين بالجريدة وهذا مخالف لقانون أصدره الرئيس جمال عبدالناصر فى عام 1954 ينص على أن أى موظف حكومى يعمل فى شركة أجنبية أو مصرية، بأجر أو بغير أجر، يفصل من وظيفته. قلت لوكيل النيابة: صحيح أننى أعمل بالجريدة ولكن الصحيح أيضاً أننى لست على علم بذلك القانون، فقال وكيل النيابة «ولا أنا على علم به»، ولكن الذى أعلمنى به هو مدير تحرير الجريدة!

والسؤال إذن:

ما مغزى هذه الشكوى المرسلة إلى وكيل النيابة؟

مغزاها إسكات أى صوت يدعو إلى إلغاء النزعة الطائفية. ولكن فى المقابل كان ثمة معارضه ضد «جماعة» مدير التحرير من قِبل أنطون سيدهم وعزيز ميرزا وسعد فخرى عبدالنور الذى كان من زعماء حزب الوفد وكان صاحب ثقافة رفيعة المقام. اقترحوا أن أمارس الإشراف على صفحة الأدب من منزلى ولكنى لم أستجب لاستحالة التنفيذ فى مناخ متخلف.

ومع ذلك فثمة سؤال لابد أن يثار:

ما مغزى هذه المعارضة؟

مغزاها أن ثمة تياراً بالجريدة يريد أن ينخرط فى الحياة السياسية بنكهة مصرية، وأن يزيل انطباعاً بأن ثورة 23 يوليو هى ثورة ضد قبط مصر بدعوى أن قانون الإصلاح الزراعى الذى صدر فى 9 سبتمبر 1952 والذى ينص على تحديد حد أقصى للملكية الزراعية والاستيلاء على ما تبقى وتوزيعه على صغار الفلاحين هو قانون موجه ضد الإقطاعيين الأقباط باعتبارهم الأغلبية من بين الإقطاعيين.

وفى 1971 انفتح الرئيس السادات على الإخوان المسلمين بمؤازرة من الملك فيصل للقضاء على الناصرية والشيوعية فشاع التعصب وتقوقع قبط مصر فأصبح رئيس الكنيسة الأرثوذكسية مسؤولاً عن حمايتهم أمام رئيس الدولة.

وفى عام 1984 تحالف الوفد مع الإخوان المسلمين، وكان هذا التحالف نتيجة حتمية مترتبة على قرار الوفد فى اجتماعه فى 6 يوليو 1942 بطرد مكرم عبيد وراغب حنا من عضوية الحزب. وبعد ذلك استقال ثمانية أقباط، ولكنهم أحسوا بالعزلة لأن الغالبية كانت ضدهم، ومن ثم أصبحت «العزلة» سمة قبطية.

وفى عام 2013 تلاحم شباب قبط مصر مع شباب ثورة 25 يناير بعد استيلاء الإخوان المسلمين على السلطة، أو بالأدق بعد استيلائهم على مؤسسات الدولة ودفعها نحو التخلف بلا حدود.

وفى عام 2013 انتخب قداسة البابا تواضروس الثانى بطريركاً للكنيسة الأرثوذكسية، ثم تأسس مجلس الكنائس الخمس وصرح البابا بأن «الكنيسة لم تعد وصية على الأقباط، إذ هم أحرار بشأن المشاركة من عدمها». وقال الأب رفيق جريش المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية:

«ليس لدينا قطيع من الخرفان حتى نقوده، فشبابنا حر فيما يراه».

والسؤال بعد ذلك:

ما مغزى هذين التصريحين؟

مغزاهما أن ثمة وضعاً قائماً فى طريقه إلى الانزواء وهو «عزلة قبط مصر»، وأن وضعاً قادماً فى طريقه إلى البزوغ. وإذا كان الوضع القائم محكوماً بأصولية إسلامية طاغية لا مكان فيها لغيرها أو بالأدق لقبط مصر فالوضع القادم محكوم بالعلمانية بالضرورة بحكم التناقض الحاد الذى يستلزم إقصاء أحد الطرفين، أى يستلزم إقصاء العلمانية للأصولية.

 

المصرى اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى