الأخبار

مغازلة إخوانية مفضوحة للغرب بـ«رفيق حبيب»

14كتب:علاء عزمى

أشتون عبرت عن غضب الأقباط لحرق كنائسهم على يد الإخوان.. فلوَّح دراج بتعيين «قبطى» رئيسا للحزب

 

دعك من نفى الدكتور رفيق حبيب أن يكون على علم أو دراية بقرار توليته مهام رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، خلفا للدكتور محمد سعد الكتاتنى، المحبوس احتياطيا فى الوقت الراهن، على ذمة قضايا تحريض على القتل.

 

كما لا تتوقف كثيرا أمام رفض حبيب التعليق على القرار ذاته، بدعوى عدم رغبته فى الحديث مع الإعلام، فالرجل الذى أُعلن قبل سنتين تقريبا أنه يتولى منصب نائب رئيس الحزب الإخوانى للشؤون الخارجية (كم شغل لفترة موقع مستشار الرئيس المعزول محمد مرسى، قبل أن يقرر تجميد ما أسماه بنشاطه السياسى)، يبدو إما أنه صادق فى جهله بترقيته الجديدة، فى تجسيد حى لوزنه وحجم تأثيره الحقيقى داخل «الحرية والعدالة»، والذى لا يتعدى بأى حال من الأحوال، ووفق شواهد وأحداث الفترة الماضية، إطار مساحيق التجميل للإخوان أمام الغرب ومسيحيى الداخل. أو إذا كان متكتما على وظيفته الجديدة، فإنه لا يزال منحازا إلى قناعة مرشد جماعة حزبه، الدكتور محمد بديع، المحبوس أيضا احتياطيا فى قضايا قتل متظاهرين، بحتمية عدم التعامل مع الصحفيين والإعلاميين من سحرة فرعون وهامان!!

 

إن تسريب قرار على هذا النحو، بغض النظر عن صحته من عدمه، وعلى لسان قيادة إخوانية مؤثرة، سواء داخل التنظيم، أو فى دائرة معارفه واتصالاته الخارجية، أو خلال المفاوضات التى تجريها الجماعة بشكل مباشر وغير مباشر مع السلطة بعد 3 يوليو، مثل وزير التخطيط والتعاون الدولى السابق، الدكتور عمرو دراج، إنما يحمل دلالات لا يمكن قراءتها على نحو أقرب للواقع والحقيقة، من دون توسيع المشهد ومجال الرؤية ليتجاوزا القاهرة، بل ومصر كلها، ومن ثم العبور من فوق المتوسط وصولا إلى الاتحاد الأوروبى.

 

هناك فى لوكسمبورج، وأمام أعضاء البرلمان الأوروبى، بعثت كاثرين أشتون، صباح أول من أمس (الخميس)، برسالة غضب مبطنة، متأخرة بطبيعة الحال، لا تدخل إلا تحت لافتة ذر الرماد، إلى الإخوان فى مصر. فجاءها الرد مسجلا بعلم الوصول، بعد ساعات قليلة، لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. الممثل السامى للاتحاد الأوروبى لشؤون السياسة الخارجية والأمن قالت نصا، وبحسب بيان وزعته سفارة الاتحاد الأوروبى بالقاهرة: «أشعر بالبغض والكراهية تجاه جماعة الإخوان والأعداد المتزايدة والمخاوف المتزايدة من الجماعات الدينية، من المجتمع المسيحى الذى حرقت العديد من كنائسه»، فكان الرد الإخوانى جاهزا، أو شئنا الدقة كانت المغازلة الإخوانية مفضوحة على نحو لافت: مفكر قبطى بات رئيسا لـ«الحرية والعدالة».

 

إن السرعة المذهلة التى تجاوب بها دراج مع ملاحظة أشتون العابرة، فى سياق حديثها عن مصر وخطورة الوضع فيها، لا تنفصل عن الرهان المطلق، والمقامرة المجنونة للإخوان على الغرب، سواء فى واشنطن أو أوروبا. تلك المقامرة التى اعتمد عليها التنظيم طيلة الفترة الماضية، أولا فى الحفاظ على كرسى الحكم وتقليب المجتمع الدولى على الجيش وإرادة 30 يونيو، وثانيا من أجل الحفاظ على تجمعين غير سلميين بالمرة للجماعة وحلفائها، فى رابعة العدوية وميدان النهضة كشوكة فى ظهر السلطة الجديدة، وثالثا لإنقاذ رقبة قادة الجماعة من اتهامات تبدو جادة، بالتخابر والقتل والتحريض عليه، وأخيرا على أمل الحفاظ على كيان الإخوان جماعة وحزبا، وعرقلة أى مساع لحظرهما، بل والدفع بهما عنوة وضد الممانعة الشعبية، ومن فوق دماء الشهداء، إلى قلب المشهد السياسى المصرى من جديد.

 

ولعل ما يقطع بأن بالونة تعيين حبيب قائما بمهام رئيس الحرية والعدالة، غير جدية على الإطلاق، حتى ولو تمت إداريا، أن إطلاقها لم يكن ببيان رسمى للحزب، وإنما عبر تصريحات صحفية، يمكن نفيها والتنصل منها، كعادة الإخوان، فى أى وقت شاؤوا. ناهيك بأن القرار الغامض ينطوى على حسابات داخلية وشرعية معقدة بالنسبة إلى التنظيم. إذ إن شرائح عريضة داخل الجماعة، فضلا عن معظم التيارات المتحالفة معها حاليا، من جماعة إسلامية وسلفيين وسلفية جهادية، لا تقبل بأى حال من الأحوال تولية ذمى قيادة حزب يدعى التعبير والدفاع عن المشروع الإسلامى وهويته. وبالتالى كان حريا مخاطبة الغرب بلغة متسامحة ظاهريا، وكذا استخدام ورقة الأقباط الحساسة بالنسبة إليه، للحفاظ على دعمه للجماعة، وفى الوقت ذاته عدم إغضاب القواعد المنغلقة والمتسلفة وقبلها حلفاء العقيدة.

 

عدم الجدية فى إجراء أى إصلاح حقيقى فى العقل الإخوانى، يتجسد أيضا هنا بوضوح. فمن قيل إنه سيقود «الحرية والعدالة»، أى الدكتور حبيب، ورغم اختلافه العقائدى، ليس من خارج الصندوق، كما يقولون. فهو إخوانى الهوى منذ سنوات بعيدة، وطالما عمل بالقرب من الجماعة، ويشك أنه أحد واضعى مسودة مشروع الحزب الإخوانى الصادم فى عام 2007، الذى حرم على المرأة والأقباط تولى موقع رئيس الجمهورية، وهو ما تم تجاوزه دون التبرؤ منه فى برامج «الحرية والعدالة» بعد الثورة، كما أنه كان من أشد الداعمين لدستور 2012 الكارثى، ناهيك بالعشرات من المقالات والأطروحات التحليلية، التى كتبها خلال العام الماضى، وبعد 30 يونيو، وبعد فض رابعة والنهضة، دعما لمرسى، ومساندة لما اعتبره شرعية ديمقراطية، وضد ما يروجه الإخوان عن حدوث انقلاب عسكرى.

 

الرجل ببساطة، يعانى كإخوانه من حالة الإنكار التام للواقع، فيتجاهل ملايين المصريين التى باتت تبغض استبداد الإخوان ونظام حكمهم الديكتاتورى الطائفى، وانتفضت لإزاحتهم، مثلما يغض الطرف عن العنف والإرهاب والترويع الذى يمارسونه وحلفاؤهم ضد المصريين، متذرعا بعنف الشرطة الوحشى وأخطاء الأمن التى لا تنتهى، لكنه أبدا لم يقدم رؤية لإعداد مراجعات فكرية وسياسية للإخوان، بل إنه لم يدع الإخوان إلا على استحياء للتبرؤ من تراث معاد للمسيحيين يشتمل على فتاوى وتصريحات تحريضية جرت على لسان البنا وسيد قطب ومصطفى مشهور ومحمد عبد الله الخطيب، وغيرهم من قادة ومفتى الجماعة ومشايخها، من شاكلة تحريم تهنئة الأقباط بعيد القيامة المجيد، بدعوى اشتمال طقوسه على ما يخالف صلب العقيدة الإسلامية. وتحريم الاستعانة بأهل الكتاب فى أى أمور تخص الولاية العامة، ووصف المسيحية بالشرك، وضرورة دفع الأقباط الجزية عوضا عن عدم التحاقهم بالجيش، الذى يجب أن يظل جيشا مسلما، لأنه لو حارب دولة مسيحية فربما انحاز المسيحيون الذين فى صفوفه إلى جيش الأعداء. وأيضا عدم جواز بناء الكنائس فى مدينة أنشأها المسلمون.

 

ناهيك بأن الإخوان تربوا فى أسرهم وكتائبهم وجلسات توضيح الرؤية، على أن الجار غير المسلم ليس له نفس حقوق الجار المسلم، ولا يجوز أى مسلم «إعزاز غير المسلم»، وإذا ما قام غير المسلم بإلقاء السلام على المسلمين، فلا يجوز الرد عليه إلا بكلمة «وعليكم». كذلك فخادمة البيت المسلم يجب أن تكون «مسلمة»، ومن لا ترتدى غطاء رأس (حجاب) فهى إحدى ضحايا الغزو الصليبى، وأن دعاوى تحديد النسل تأتى فى إطار مؤامرة على المسلمين لضرب قواهم البشرية، بل إن المرأة المسلمة التى تضطرها الظروف إلى وجوب خضوعها لرعاية صحية لا بد أن تعرض على طبيب مسلم، دون غيره، وإذا ما تزوج المسلم من «نصرانية»، فعليه أن يبذل مزيدا من جرعات التربية الدينية لطفله، «حتى ينجو من عثرات أمه»، فضلا عن الإفتاء بعدم جواز دفن غير المسلم فى مقابر المسلمين حتى لا يتأذى المسلمون بعذابه.

 

ما سبق كان جزءا بسيطا من أفكار يبدو أن الدكتور رفيق حبيب يدافع عنها بالصمت على أقل تقدير.. فعلى أى أرضية تكونت قناعته بمواطنة الإخوان؟

 

وبالعودة إلى قضية المناورة بالتلويح بتعيين حبيب رئيسا لـ«الحرية والعدالة»، فإن الأمر ذاته يبدو مخالفا للوائح الحزب نفسه، فالرجل قال قبلا إنه غادر ملعب السياسة طوعا، بسبب حالة الاستقطاب الحاد فى المجتمع. كما أن آخر انتخابات على رئاسة الحزب جرت بين سعد الكتاتنى وعصام العريان، حيث اقتنص الأول المقعد، وعين الثانى نائبا له، دون أى ذكر للدكتور حبيب. وإذا ما قال قائل، إن الإخوان لجؤوا إلى الأخير لقيادة الذراع السياسية للجماعة، بسبب هروب العريان من الملاحقات الأمنية، جراء اتهامه فى قضايا تعذيب وقتل والتحريض عليهما، فإنه قول مردود عليه، بأنه تم تعيين الدكتور محمود عزت، مرشدا مؤقتا للإخوان، رغم اختفائه عن الأنظار لوجوده على ذات لوائح الاتهامات والملاحقات، وهو ما يؤكد أن طرح حبيب لم يكن إلا مداعبة واستجداء للخارج وربما استقواء به أيضا، وهو ما وصل مساء الخميس أيضا، لحد دعوة العريان نفسه، فى بث صوتى لـ«الجزيرة» نسب إليه، الاتحاد الأوروبى ومنظمة العفو الدولية بعدم السكوت عما يحدث فى مصر والتدخل فيه.

 

إن اللعب بورقة الأقباط ليس جديدا على الإخوان، وربما لم يذق فصيل من المصريين مرارات الشيزوفرنيا الإخوانية مثلما هو الحال مع المسيحيين. فى عهد مبارك لم يكن يتذكرهم الإخوان إلا فى مواسم الانتخابات، ومن ثم تقف آلتهم التحريضية الطائفية وعلامات الكره تجاههم فورا، وذلك مغازلة لأصواتهم من جانب، ولطمأنة الغرب من جانب آخر. وبعد 25 يناير 2011، تكفى الإشارة إلى الزيارة التى قام بها مرشد الإخوان الحالى المحبوس الدكتور محمد بديع، للراحل البابا شنودة، قبل أيام من وفاة الأخير، فى عام 2012، حيث تمت قبل أسابيع قليلة من قرار الجماعة الدفع بمرشح رئاسى.

 

وعقب اعتلاء الجماعة سدة الحكم، لم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للأقباط. إذ ظلوا فى الذهنية السياسية الإخوانية ورقة ضغط يمكن استخدامها وفق الحالة والحدث، فيتم التودد إليهم تارة، والتحريض ضدهم تارات أخرى، بينما يبقى الفيصل فى ذلك هو موقع وموقف الأقباط من مشاريع الإخوان. شركاء الوطن يصبحون بين ليلة وضحاها خونة وعملاء للغرب أو للفلول، وقبل هذا وذاك أعداء للإسلام ومشروعه ونمط حكمه.

 

كما يتفرد الأقباط دوما، عن المسلمين، فى مصر، وفق رؤية الإخوان، بهتانا وزورا، بأنهم خطر على الدولة الإخوانية، وعدو تاريخى لمشروع البنا. وعليه قرر المرشد وكل قادة الإخوان وحلفائهم ممن تصدروا المشهد فى تجمعى رابعة العدوية وميدان النهضة قبل فضهما بالقوة، أن يسحبوا ولاية الأقباط من البابا تواضروس، لا لشىء إلا لأنه اصطف إلى جانب ثورة 30 يونيو التى أطاحت بمحمد مرسى وجماعته وعشيرته، معتبرين أن رأس الكنيسة المصرية لا يعبر عن شعبها. قبل أن يدفع الأقباط الثمن غاليا لمشاركتهم فى 30 يونيو بسقوط عديد من ضحاياهم برصاص الغدر، فضلا عن حرق واقتحام وسلب ونهب ما يقرب من 42 كنيسة -وفق «هيومن رايتس ووتش»- إلى جانب العشرات من دور الرعاية الاجتماعية المسيحية فى مختلف المحافظات المصرية، إلى جانب حرب الإبادة النفسية، قبل الجسدية، التى يتعرض لها أقباط الصعيد كما هو الحال فى قرية دلجا بالمنيا.

 

موقف الإخوان من الأقباط لا يعكس إلا جهلا تاما بتاريخهم وتاريخ كنيستهم ودورهم فى الكفاح الوطنى، وعليه يتم اعتبار المسيحى تابعا للغرب، وتصب ضده كل آيات الغضب وفق ذات المنطق، كما يقول هانى لبيب، فى كتابه «الكنيسة المصرية.. توازنات الدين والدولة»، لذا فإن إصرار الإخوان على التعامل مع الأقباط كأدوات مصلحة، توجه حسب الحاجة، سيزيد من توجس ورعب الآخر المصرى غير المسلم، من جماعة حسن البنا ومن سار على ضرب تنظيمها القطبى الخاص من ناحية، ومن ناحية أخرى سيضاعف من توجس المصرى المسلم، من فصيل ارتضى لنفسه استدعاء الغرب وتكفير أبناء الدين الواحد والكذب الفج واستباحة دماء الأبرياء، من أجل كرسى الحكم.

الدستور الاصلى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى