الأخبار

أقباط الصعيد

19د. عماد جاد

فى أواخر عهد نظام مبارك بدأ الأقباط عملية الخروج من داخل أسوار الكنائس، بدؤوا فى الخروج إلى المجتمع والمشاركة فى قضاياه كمواطنين مصريين، خرجوا احتجاجا على ما تعرضوا له من عمليات عنف وإرهاب، كفوا عن الاحتجاج داخل أسوار الكنائس، توقفوا عن الرهان على قيام رأس الكنيسة بإثارة مطالبهم والدفاع عن حقوقهم ونقل آلامهم لمن يجلس على قمة السلطة، وهى الصيغة التقليدية المعتمدة فى علاقة الكنيسة بالدولة والتى تكرست فى عهد السادت ثم مبارك، والأخير عمل على مأسسة هذه الصيغة من العلاقة على النحو الذى يحول الأقباط إلى جماعة دينية لها من يعبر عنها وهو رأس كنيسة. بدأ الأقباط تدريجيا فى الخروج على هذه العلاقة، وقد تحقق ذلك فى العام الأخير من حكم مبارك، ذلك العام الذى بدأ فى السادس من يناير ٢٠١٠ بجريمة نجع حمادى وانتهى فى اليوم الأخير من ذلك العام بالتفجير الذى وقع فى كنيسة القديسين، هنا قرر الأقباط الخروج على المعادلة التقليدية وقرروا الخروج إلى المجتمع والمطالبة بحقوقهم كمواطنين مصريين. جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير فشارك فيها شباب الأقباط وقدموا نموذجا رائعا للوحدة الوطنية، حيث شاركوا فى كل فاعليات الثورة، وعلى الرغم من محاولات جماعة الإخوان تشويه الصورة ودفع جماعات متطرفة إلى استهداف الأقباط والكنائس، فإن الأقباط واصلوا المشاركة فى المطالبة بتحقيق شعارات الثورة وأهدافها، ودفع الأقباط ثمنا ضخما لقاء مشاركتهم فى الثورة، حيث تم التوجيه من قبل الجماعة بحرق عدد من الكنائس وإثارة نعرات طائفية والاعتداء على تجمعات قبطية فى صعيد مصر، وبدأت جماعات متشددة فى استغلال الموقف، وبدأت فى فرض إتاوات أو جزية وفق رؤيتها على أقباط، ودخلت على الخط جماعات إجرامية استغلت الموقف وبدأت فى سلب ونهب ممتلكات لأقباط، مستغلة حالة الانفلات الأمنى وغياب الدولة. ولم يكن عام مرسى أفضل حالا من الانفلات الأمنى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فقد واصل الأقباط دفع الثمن على المستويات كافة، بل وتم الاعتداء على المقر البابوى لأول مرة فى تاريخ مصر الحديث.

لعب الأقباط دورا فاعلا فى معارضة نظام مرسى، شاركوا بكثافة فى المظاهرات والمسيرات التى كانت تحتج على حكم المرشد والجماعة، وتعرضوا فى سبيل ذلك لحملات قاسية من جانب الجماعة ورفاقها من جماعات العنف التى بدأت فى استهداف الأقباط مجددا.

نجحت ثورة الثلاثين من يونيو ورحل حكم المرشد والجماعة فبدأت الجماعة ورفاقها من جماعات العنف فى الانتقام من الأقباط، بدأت عملية حرق الكنائس ونهبها، السطو على ممتلكات الأقباط، تحمل الأقباط كل ذلك راضين على أساس أنهم يدفعون ثمن تحرير مصر من حكم المرشد والجماعة، وأن عملية التحرير تتطلب دفع ثمن من المصريين، ومن ثم فإنهم اعتبروا ما يجرى ضدهم من حرق للكنائس ونهب للمتلكات إنما هو جزء من هذا الثمن، لا سيما أن الأمن مشغول بملاحقة فلول الجماعة والجيش منهمك فى محاربة الجماعات الإرهابية فى شمال سيناء، ورد البابا تواضروس الثانى على مطالبات أقباط الصعيد بتوفير الحماية للكنائس والممتلكات بأن الجيش يقوم بعمليات حفظ البلد والدفاع عنها، وأن ما يتحطم من الكنائس والممتلكات يمكن إعادة بنائه، أما انكسار الجيش، لا قدر الله، فيعنى ضياع مصر كلها، ولذلك طلب من الأقباط الصبر والتحمل إلى أن تتمكن قوات الأمن والجيش من السيطرة على الأوضاع فى البلاد. بدأ الأمن يتحسن وبدأت الشرطة فى السيطرة على الأوضاع فى البلاد وظلت معاناة الأقباط وتحديدا فى الصعيد كما هى، فقد استمرت عمليات الاعتداء على الكنائس والممتلكات القبطية، وتواصلت الاعتداءات على الأسر القبطية فى صعيد مصر تحديدا، فقرية دلجا التابعة لمركز دير مواس بالمنيا تحت سيطرة الجماعات والبلطجية الذين يواصلون التنكيل بسكانها من الأقباط ويفرضون عليهم الإتاوة (الجزية حسب مصطلحاتهم) يحدث كل ذلك بينما الشرطة عاجزة عن دخول القرية، أو غير راغبة فى القيام بعملية تحرير للقرية من سيطرة جماعات العنف والإرهاب. أيضا تتواصل عمليات خطف الأقباط فى صعيد مصر للمطالبة بدفع مبالغ مالية كبيرة، يحدث ذلك يوميا والشرطة لا تستجيب لأى بلاغات ولا تتحرك لتحرير مختطفين ولا تسير دوريات لردع جماعات العنف والإرهاب. ولعل واقعة قتل عضو الهيئة العليا بالحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى بمركز ساحل سليم، عماد دميان وابن عمه، على يد بلطجية مدعومين من الجماعة مثال بارز على ما يتعرض له أقباط الصعيد وعلى تقاعس الشرطة هناك، فقد فرضوا على عماد جزية قيمتها عشرة آلاف جنيه وهددوه بالقتل فى حال عدم الدفع، ذهب إلى مديرية الأمن، أبلغ نائب مدير أمن أسيوط بالواقعة، لم يتحرك أحد، وفى الصباح الباكر اقتحموا منزله وقتلوه هو وابن عمه أمام زوجته وأبنائه الأربعة. مَن يقف وراء هذه الجرائم والاعتداءات؟ مَن المسؤول عنها؟ ومَن المتواطئ؟ وكيف يمكن وقفها؟ أعتقد أن استمرار هذه الاعتداءات بات يمثل خطرا شديدا على نموذج التوافق الوطنى الذى تم بناؤه على مدار الفترة الماضية، كما أنه يهدد بعواقب وخيمة لا يمكن السيطرة عليها. المسؤولية تقع بوضوح أولا على عاتق الشرطة التى عليها توجيه قدر أكبر من الاهتمام لملاحقة جماعات العنف والإرهاب التى تعبث بأمن مصر القومى عبر استهداف الأقباط وتحديدا فى صعيد مصر.

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى