الأخبار

ملحمة «دلجا».. قرية تعود لأهلها..

 

23

 

عندما تتحدث خطوات أقدامك داخل قريتك عن ألوان الخوف، وتترجل متوجسًا لقضاء حاجاتك الأساسية من مأكل ومشرب؛ لتجد نفسك في سجن كبير.. وعندما تشرق الشمس على دوي إطلاق النيران هنا وهناك، وتصحو على مشاهد العنف من حرق دور العبادة والمنشآت الحكومية، وتشعر بالعزلة والغربة وأنت ترى جيرانك يهجرون بيوتهم بعد فرض إتاوات و”جزية” وسط استغاثات لم يسمع صداها سوى مصدرها، فاعلم أنك في قرية “دلجا”، حصن أنصار المعزول بالمنيا.

“دلجا” أكبر قرية على مستوى محافظة المنيا يقطنها 120 ألف مواطن تقع في جنوب غرب مدينة المنيا آخر حدود مركز ديرمواس غرباً، وسميت القرية بهذا الاسم “دلجا”؛ نظرًا لأغلب الأسوار التي كانت تحيط بكل العائلات، وهى من أنشط قرى المحافظة في مجال التجارة وتحوي أقدم المساجد بها وهو مسجد النصر وبها أيضا مجمع كنسي يضم 3 كنائس منها كنيسة دير العذراء الأثرية وهى من أقدم الكنائس على مستوى المحافظة. وتنقسم القرية إلى 10شياخات، وهي (أبو المكارم – القاضي – الشريف – العوام – عزوز – الغيتة – الفرا – الحرابوة – البطرخانة – أولاد عباس).

 

عادات وقيم ووكر للمجرمين:

وتتميز دلجا أيضاً بالعادات والتقاليد المتوارثة التي تحض على الأخلاق والسلوك الرفيع، وعلى النقيض تنتشر بها صناعة السلاح وتحتضن الجرم الموروث منذ سنوات، وبها أكبر حشد بشري لتيار الإسلام السياسي، ويصل قاطنوها من الأقباط إلى 20% من سكان القرية.
وشهدت القرية فى يوم 14 أغسطس حالة من الذعر وأحداث عنف نتج عنها احتراق نقطة الشرطة ودور العبادة المسيحية، بالإضافة إلى منازل الأقباط وعدد من المحال التجارية، كما لجأ عدد من الأقباط لترك منازلهم بعد التهديدات والمضايفات المتكررة التي لاحقتهم.

مسيرات الإخوان الهزلية:

مسيرات “دلجا” كانت الأغرب من نوعها، حيث خرجت مسيرة للحمير في جمعة الحسم 31/8/2013 وسط هتافات “شي حا مرسي رئيسك يا”، هي لله هي لله”، وكان أبرز مشاهد المسيرة، أن حمل أحد المشاركين حمارًا صغيرًا على كتفه، فيما تقدمت الحمير السير، ويعتليها المشاركون، وبعضهم يرتدي “قطوط” ويحمل صورًا للرئيس المعزول، ونظم أنصار المعزول أيضًا مسيرة وسط الماء للمطالبة بعودته للحكم.
تعالت استغاثات أهالي القرية وبينهم الأقباط المطالبة بعودة الأمن للقرية لإنهاء الوضع القائم والمتأزم. وفجر أمس الاثنين كانت القرية على موعد الفصل؛ لتنهي أجهزة الأمن قصة حصار داخلي وعنف ممنهج ومشاهد من الخوف والهلع استمرت لأكثر من شهرين متتاليين منذ فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

 

وبدأ رجال الشرطة والجيش المهمة وسط تهليل الأهالي:

استطاعت رجال مصر الأبرار من الشرطة والجيش إحكام القبضة الأمنية والسيطرة على القرية بعد الدفع بعشرات المدرعات التي تمركزت علي مداخل ومخارج القرية، وحلق عدد من الطائرات فوق سماء القرية، وفرضت الأجهزة الأمنية حظر تجوالمؤقت على الأهالي؛ لضبط المتهمين في أعمال العنف والشغب وحرق دور العبادة والمنشآت الحكومية.
واستقبل أهالي “دلجا” القوات بالتهليل والفرح، وتعالت هتافات “الجيش والشرطة والشعب إيد واحدة”، إلا أن الأمن طلب من الأهالي العودة إلى منازلهم؛ لإحكام السيطرة على القرية.

 

بشهادة الأهالي.. الأمن لم يطلق رصاصة على أحد:

أكد شهود عيان بالقرية عدم إطلاق رصاصة واحدة علي الأهالي أو المطلوبين أمنيًّا، ورد مدير الأمن على تعالي بعض الأصوات التي ادعت إطلاق رصاص عشوائي بشوارع القرية؛ ليؤكد أن إطلاق الرصاص جاء لتحذير الأهالي من اختراق حظر التجوال المؤقت، فيما أرجع مصدر أمني أن الأعيرة النارية تعتبر خطة أمنية ولغة تخاطب بين القوات.

ويروي محمد فضل أحد قاطني القرية قائلاً “انقطع التيار الكهربي تزامنًا مع بدء قوات الجيش والشرطة دخول القرية المعزولة، وتجمع العديد من أنصار مرسي في مدخل القرية في تمام الثامنة صباحًا، ورددوا هتافات مناهضة للجيش والشرطة”، وأكد خروج مسيرة لأنصار المعزول تعامل معها الأمن بإطلاق القنابل المسيلة للدموع، الأمر الذي أدي لتفريق المسيرة.

وقال معتمد محمد خليفة “إن سكان القرية أغلقوا عليهم الأبواب والنوافذ فيما تجمع بعض الأطفال أمام أحد مساجد القرية رافعين شارات رابعة العدوية رغم فرض حظر التجوال المؤقت”.
وعقب مداهمة منازل عدد من المطلوبين أمنيًّا والمتهمين بإثارة الشغب ألقت القوات القبض على 190 شخصًا حتى الآن، واستمرت عمليات تمشيط شوارع القرية والقرى المجاورة لإتمام السيطرة الأمنية.
ووسط الدوريات الأمنية وحظر التجوال المؤقت خرجت مسيرة مفاجئة نظمها أنصار المعزول محمد مرسي وسط الزراعات؛ تنديدًا بالتواجد الأمني ودخول أفراد الجيش والشرطة وفرضهم حظر التجوال، وحمل المتظاهرون في مسيرة “النفس الأخير” لافتات مناهضة لما وصفوه بـ “حصار الأهالي”، ورفعوا شارات رابعة العدوية، واضطرت أجهزة الأمن لاستخدام الغازات المسيلة للدموع لفض المسيرة.
وقال اللواء صلاح الدين زيادة محافظ المنيا إن الدولة بأجهزتها التنفيذية والأمنية ورجال القوات المسلحة حريصون على أهالي قرية “دلجا” ومساندتهم والقبض على بعض العناصر الإجرامية والخارجين عن القانون الذين حاولوا العبث بأمن المواطنين.

 

نهاية الملحمة:

وأسدلت الأجهزة الأمنية الستار على قصة قرية احتضنت العنف على مدار شهريين متتاليين، وانتهت أحداث العنف والشغب، وكان آخرها اختطاف كيرلس جاد وهبة (18 سنة موزع دقيق) الجمعة الماضية أثناء توريده كميات من الدقيق المدعم لمخابز القرية، تحت تهديد السلاح.

 

البديل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى