الورقة الأخيرة.. الفتنة الطائفية

الورقة الأخيرة.. الفتنة الطائفية

 

أتابع القنوات الفضائية، التى تصف نفسها بأنها «إسلامية»، بانتظام، وأحلل مضمونها بتأنٍ، لذلك أصبحت أعرف أنها باتت محشورة فى زاوية ضيقة، وأن أسلحتها المختلفة تفقد فاعليتها يوماً بعد يوم، وأنها فى مواجهة ذلك رأت أن تلجأ إلى ورقتها الرابحة الأخيرة.

وأسمع خطب الجمعة بانتظام فى مساجد متنوعة، ولخطباء إشكاليين، وأحرص على معرفة ما أتى به الخطباء الآخرون فى المساجد المنتشرة فى أعماق البلاد، وأحلل كل ما أتثبت من صحته فى هذا الإطار. ولذلك فقد أصبحت أعرف أن الخطباء المحسوبين على «الإخوان المسلمين» والسلفيين باتوا محشورين فى زاوية ضيقة، وأن أسلحتهم المختلفة تفقد فاعليتها يوماً بعد يوم، وأنهم رأوا أن يستخدموا ورقتهم الرابحة الأخيرة.

ورقة هؤلاء الرابحة الأخيرة ليست سوى الفتنة الطائفية.

للأسف الشديد، فإن عدداً كبيراً من هؤلاء، الذين سبق ذكرهم فى السطور السابقة، راحوا يستخدمون ورقة الفتنة الطائفية بانتهازية واضحة، لعلهم يستطيعون إنقاذ الحكم المأزوم الذى يناصرونه من التهاوى والسقوط.

وللأسف الشديد أيضاً، فإنه يبدو أن الإطار السياسى لجماعة «الإخوان المسلمين» وحلفائها المقربين يتبنى هذا الطرح، ويعمل على تطويره، وإشاعته، ليصبح أحد المعطيات التى تؤطر المشهد السياسى المصرى الراهن من جهة، وأحد العوامل التى يتخذ المصريون قراراتهم التصويتية إزاء مشروع الدستور، المطروح على الاستفتاء راهناً، على أساسها، من جهة أخرى.

يمكن البرهنة على ذلك بوضوح، حينما يدعى سياسى مخضرم وناضج من حزب «الحرية والعدالة» أن 60% من المتظاهرين أمام قصر الاتحادية من الأقباط.

لا يبدو أن هذا السياسى المخضرم قد تورط فى هذه السقطة الأخلاقية والسياسية دون ترتيب، لكن الأرجح أنه كان يدشن سياسة مرسومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عبر استخدام الورقة الرابحة الأخيرة.. ورقة الفتنة الطائفية.

ولتقريب المسألة، فإن الأمر يجرى على هذا النحو تماماً: يقف خطيب وسياسى إسلامى مفوه وبارع على منصة منصوبة فى ميدان نهضة مصر، أمام حشود كبيرة من المصريين البسطاء، الذين تم شحنهم من الأرياف والأقاليم فى «أتوبيسات»، ليتظاهروا فى القاهرة، «دفاعاً عن مرسى والشريعة الإسلامية». لاحظ الربط بين مرسى والشريعة، الذى سيعنى الربط مباشرة بين حكم «الإخوان» والإسلام. من سيريد إذن إسقاط «الإسلام»؟

يخطب السياسى والداعية البارع فى الجمهور المحتشد بقوة وحماس، ويقول بوضوح: «رسالة إلى الكنيسة المصرية من مصرى مسلم، والله.. ثم والله، إذا تآمرتم واتحدتم مع الفلول على إسقاط مرسى، سيكون لنا شأن آخر».

لا يقف الخطيب عند هذا الحد، لكنه يشير إلى أمرين، أولهما أن «تقارير أفادت بأن 60% من المتظاهرين عند الاتحادية من الأقباط، وثانيهما أنه يعرف بأمر اجتماع ضم قيادات من جبهة الإنقاذ الوطنى وبعض الأقباط لإشعال الميادين فى مصر، سعياً لإسقاط مرسى».

وعند هذه اللحظة بالذات، يقاطع أحد الأنصار المتواجدين على المنصة الخطيب البارع، ويهتف بالصوت العالى: «بالروح بالدم نفديك يا إسلام».

إنها لعبة سهلة ومضمونة النتائج، وقد سبق أن لعبها الاحتلال البريطانى فى مصر عشية ثورة 1919، كما لعبها هتلر ضد مواطنيه اليهود، والبشير ضد مواطنيه المسيحيين، والآن يلعبها بشار الأسد فى سوريا، وآخرون غيرهم من المحتلين والزعماء المهزومين.

يطلق السياسى تقييماً يقول إن 60% من المتظاهرين (المعارضين لاحقاً) من الأقباط، ثم يصير التقييم «تقريراً»، ويوقف المتظاهرون المسلمون (الأخيار) مسيحيين (أشرارا) عند قصر الاتحادية، ويحذر مقدمو البرامج فى القنوات الإسلامية الأقباط من «الاحتماء بالخارج»، ويؤكدون أنهم يقودون التصويت ضد الدستور مع من «يعادى الإسلام»، ثم يهددهم الداعية الجماهيرى من على منصة «نهضة مصر»، قبل أن يختم الهتيف المناصر: «بالروح بالدم نفديك يا إسلام».

إنها لعبة سهلة وسخيفة، لم تتعلم الأنظمة المأزومة ومتدنية الكفاءة غيرها حتى اللحظة الراهنة: «حينما تفقد شعبيتك واحترام الجمهور وثقته، ويظهر عجزك وتدنى قدراتك بوضوح، فإن الحل الوحيد لكسب المعركة، أو على الأقل إدامتها، شحن الجمهور البسيط بالعواطف الدينية، عبر ادعاء أن أحدهم يشن هجمة على عقيدته».

ليس لدىّ شك فى أن الإطار السياسى الحاكم فى مصر الآن يريد أن يلعب لعبة «الفتنة الطائفية»، أو يتم الدفع به فى هذا الاتجاه، وليس لدىّ شك فى أنه سيخسأ ويخسر، بإذن الله، لأن مصر ستبقى دولة موحدة متماسكة، وشعبها واحد، وإنسانها متحضر، مهما حاول المأزومون والانتهازيون.

 

 

 

المصرى اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى