الأخبار

أسطورة إدارة الوقت

 

 

83

 

«كيف تدير وقتك بنجاح؟».. «النصائح الذهبية لإدارة الوقت بفاعلية»..«فن إدارة الوقت»..«اجعل يومك ٤٨ ساعة».. كل هذه العناوين وغيرها اعتادت عيناك أن تصادفها إمّا على أغلفة كتب متراصّة قد علا الترابُ أغلبها عند بائع الجرائد، أو هى إعلانات دورات تدريبية تحمل الأسماء نفسها على هامش بعض المواقع الإلكترونية وصفحات الفيس بوك.

وأمام هذه العناوين يا صديقى أنت دائما أحد اثنين، إما شخص يُقنع نفسه أن هذا محض هراء من عينة التنمية البشرية ــ أرجوك لا تعتقد أنى أوافقك على هذه الفكرة لمجرد نقلى رأيك بتجرد ٍوحيادية! ــ فتطمئن بهذا نفسك على نفسك وأنه ليس فى الإمكان أحسن مما كان وأن هذا فى أحسن حالاته نوع من التعقيد لا طائل من ورائه.. أو أنك شخص حاول قبل ذلك مخلصا تنظيم هذا الشىء الأفعوانى ــ نسبة إلى الأفعى لشدة تفلته وسلاسة هروبه ــ المسمى بالوقت، وفشلت فشلا ذريعا ــ أو هكذا خيل لك! ــ فقررت أن مثل هذه العناوين المثالية إنما تصلح لأشخاص مثاليين لست ببساطة واحدا منهم!

والحقيقة أن الأمر أعقد وأخطر من أن نحكم عليه من أى من المنظورين السابقين.. نعم بلا شك يُمكن للمتأمل إدراك أن كثيرا من الكتب والدورات التدريبية المتناولة لتنظيم وإدارة الوقت تنطوى على مبالغة يصعب تطبيقها فى أرض الواقع ومن ثم تصيب المتحمس بالكثير من الإحباط، لكن هذا لا يعنى أن إدارة الوقت أمر خيالى قدر ما يعنى أن البعض يعتقد خطأ أن «الكون كله» سيخضع لإدارته هو للوقت، أو أن كل الناس مطالبون بالدوران فى فلك أجندتك الشخصية طالما أخذت على عاتقك مهمة إدارة الوقت وتنظيمه.

حسنا، الكون من حولك سيبقى على حاله، والناس كذلك لن يساعدك واحد منهم على تنظيم وقتك، هذه قضيتك الشخصية ومشكلتك الخاصة.. هذا إن كنت تراها كذلك أصلا!

الغاية الحقيقية عند العقلاء ليست فى أن تصبح مشغولا ليل نهار، وإنما فى نوعية انشغالك وأهميته.. المسألة ليست فى العمل الشاق الجاد hard work قدر ما هى فى العمل الذكى المنتج smart work.

تأمل مثلا آلاف الساعات التى نهدرها يوميا سابحين بغير هدف عبر الفضاء الفيسبوكى أو التويترى، طاقاتنا تُستنزف فى سفاسف لا طائل من ورائها، بينما ووفقا لقانون «تكلفة الفرصة البديلة The opportunity cost» كان بمقدورنا استغلال نفس الساعات فى تنفيذ مئات الأفكار التنموية وربما أيضا مستخدمين نفس تقنية صفحات التواصل الاجتماعى.

هناك من يقضى نفس الساعات متعلما لغة جديدة أو متلقيا مادة علمية فى برنامج للماجستير أو للدكتوراه، وآخرون يلقون محاضرات من خلال أسلوب التعليم عن بعد «Distance learning»، والتطبيقات الإلكترونية على هواتفنا المحمولة تعج بأمثال هذه الاستخدامات.. قارن متحسرا مثلى بين ما تعرفه وأعرفه عن ساعاتنا المهدرة وبين استخدامات كهذه.

 

الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى