الأخبار

وجوه «بيان الحسم» في عامين

195

 

 

وإذا كانت ثورة 30 يونيو حققت هدفها الأكبر بعزل جماعة الإخوان من الحكم والشارع، فإن أهدافها الأخرى لا تزال قيد التحقيق، وقد يكون مفهوما أن بعض هذه الأهداف تعثرت لأسباب تتعلق بموجات الإرهاب والعنف التى ضربت ولا تزال تضرب مصر والمنطقة بأسرها، فإنه يظل تحقيق هذه الأهداف أحد أكبر طرق تحصين الوطن من أهوال أخرى لا تقل خطورة عن الإرهاب أو التطرف.

هذا الملف دعوة لإحياء روح 30 يونيو من جديد، لاستكمال رحلتها مهما كانت الصعاب، لأن الوطن يستحق ذلك وأكثر.
البابا تواضروس.. «ممثل الصُّدفة»

كتب- بيتر مجدى:

جاء فى ظرف دقيق تمر به البلاد، فلم يمر سوى 5 أشهر على تنصيب محمد مرسى رئيسًا للجمهورية، حتى اختير بالقرعة الهيكلية ليكون بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية رقم 118، هو الأنبا تواضروس الثانى الذى جلس على كرسى القديس مرقس فى 18 نوفمبر 2012، ليجد نفسه فى مواجهة مع حكم جماعة الإخوان.

لم يكد يمر يومان على تجليس البطريرك حتى أصدر الرئيس الأسبق «الإعلان الدستورى»، وبعدها بنحو 15 يوما وقعت أحداث الاتحادية، والتحريض الطائفى للقيادى الإخوانى محمد البلتاجى، الذى أعلن أن 80% من متظاهرى الاتحادية أقباط، وفى 7 أبريل من عام 2013 وقع أول اعتداء على الكاتدرائية (مقر البابا) من قبل أشخاص مدنيين، لتبدأ بعدها دعوات التمرد على «نظام الإخوان».

البابا تواضروس أعلنها صريحة قبل تنصيبه، بأن الكنيسة لن تكون لها علاقة بالسياسة، لكن الظرف المعقد الذى مرت به مصر، فرض على الجميع أن يشتبكوا معه، فكان البابا تواضروس جزءًا من مشهد يوم الأربعاء 3 يوليو 2013، الذى أعلن خلاله تفاصيل مرحلة ما بعد مرسى.

قبل «30 يونيو» لم يشتبك البابا مع الأمور السياسية بشكل واضح، حتى إن بعض التسريبات أشارت إلى أن السفيرة الأمريكية السابقة آن باترسون زارته فى المقر البابوى قبل 10 أيام من اليوم الحاسم، وطالبته بأن يطالب الأقباط بعدم المشاركة فى المظاهرات التى دعا لها الموقّعون على استمارة «تمرد»، وكان رد البابا وفقًا لما تم تسريبه، أنه لا يتدخل، وهذا اختيار شخصى لكل مواطن، والمسيحيون جزء أصيل من الشعب المصرى.

على حسابه الرسمى على موقع «تويتر» لم يكتب البابا أى شىء بشكل مباشر، وفى 29 يونيو كتب «مصر تحتاج كل المصريين اليوم: نفكر معًا.. نتحاور معًا.. نعبر معًا عما فى قلوبنا تجاه الوطن ولكن بلا عنف، بلا اعتداء، وبلا دم، صلُّوا من أجل مصر»، ويوم 30 يونيو نفسه كتب تدوينتين، قال فى الأولى «مصر بلادنا جميعا.. أرض النيل تحملنا كلنا، واجبنا أن نحفظها بلا عنف أو اعتداء، وكل مصرى دمه غالٍ. أرجوك يا مصرى شارك وعبر ولكن احترم الآخر»، والثانية كانت دينية لطمأنة الناس وقال فيها «فى مزمور 23: إن سرت فى وادى ظل الموت ﻻ أخاف شرًّا أنك أنت معى. الوعود الإلهية كثيرة، حاول أن تتذكرها واقرأ معى سفر يشوع الإصحاح 1 للاطمئنان».

قبل «30 يونيو» توجه البابا إلى أحد الأديرة فى الوجه البحرى، وعاد بناءً على طلب من القوات المسلحة يوم 3 يوليو ليكون شريكًا فى المشهد الذى تكوَّن وقتها بحضوره مع قائد الجيش وشيخ الأزهر والدكتور البرادعى وممثل حزب النور والكاتبة سكينة فؤاد وشباب «تمرد».

فى 14 أغسطس تم فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، ومعه بدأت الهجمة المنظمة على الكنائس، وقتها خرج البابا بعبارته الشهيرة مطالبا بعدم التصدى للمعتدين قائلا: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن».

البابا تواضروس، خلال العام الماضى كان بمثابة وزير خارجية لمصر، فخلال عدة زيارات لأوروبا وكندا، تحدث عن الأوضاع فى مصر وما تم فى «30 يونيو» وما بعدها وعندما تم العمل على مشروع قناة السويس كان البابا يروّج له خلال زياراته ومقابلاته مع الأقباط الذين يعيشون فى الخارج ومع المسؤولين السياسيين ورجال الدين فى الدول التى يزورها.

 

«الطيب».. فى زمن الثورات

كتب- محمد البرمى:

بملامح هادئة ولحية يكسوها البياض من أثر الحكمة أخذ مكانه ثم صعد إلى منصة ليعلن أمام العالم موقف الأزهر البطولى فى «30 يونيو» الرافض للإخوان، مؤكدا أن الأزهر لا يريد أن يحدث عنف واقتتال بين مؤيد ومعارض، معلنًا مطالبته بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة يحتكم فيها الشعب إلى صندوق انتخاب يضمن نزاهته قضاءُ مصر والقوات المسلحة والشرطة، سائلا الله أن يُصلح بهذا الخيار والرأى بين الفئات المتخاصمة التى تعيش على أرض واحدة.

وخرج الطيب أمام جموع العالم ممن يريدون تكفير المجتمع لأنه انقلب على رئيس تدَّعى جماعته أنها إسلامية ليؤكد أن ما حدث فى «30 يونيو» ليس انقلابا لكنها إرادة شعبية استند الأزهر فيها إلى القاعدة الفقهية التى تقول بأن ارتكاب أخف الضررين واجب شرعى، وفقًا لما أكده الطيب نفسه.

وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة التى واجهت المشيخة فى فترة حكم الإخوان وسط محاولات منهم لإقصاء الطيب عن منصبه يروى شيخ الأزهر فى أحد الأحاديث الصحفية له عن فترة حكم الإخوان قائلا «إن رجال نظام الإخوان ضغطوا علىّ من أجل تعيين نواب لرئيس جامعة الأزهر من الجماعة ورفضتُ، وأيضًا تعيين المفتى من قيادات الإخوان ورفضتُ، فافتعلوا قصصًا وهمية، منها تسمم طلاب المدينة الجامعية، وكانت من تأليف وإخراج مكتب إرشاد الإخوان».

وأضاف الدكتور أحمد الطيب: «الأمر وصل إلى حد التهديد قبل اندلاع ثورة 30 يونيو، ومطالبتى بإصدار بيان ضد الثورة، وعدم حضور اللقاء الذى دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى، ورفضتُ ذلك، وأبلغتهم أننى لا أخشى إلا الله، وأن عدم تأييد ثورة 30 يونيو يعد خزيًا وعارًا يلحق بى».

عام مر طوال حكم الإخوان كان الرجل الحكيم المتأنى فى كلامه وفى مشيته حريصا دائما على عدم افتعال المشكلات رغم ما أصابه من سب وشتم ومحاولات للإطاحة به واتهامات عديدة من قبل الإخوان وقنواتهم، ولا ينسى أحد موقفه عندما استقبل الرئيس المعزول محمد مرسى وجماعته الرئيس الإيرانى فى مصر وحاول رجال الجماعة إجبار الشيخ الطيب على الترحيب به لكنه أبَى وأعلن رفضه التام للقاء الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد ومحاولات الإخوان كسب الود على حساب الأزهر.

«لو عاد بنا الزمن لوقف الأزهر نفس موقفه الرافض للعنف ومحاولات تقسيم الشعب»، هكذا علق الدكتور عباس شومان وكيل مشيخة الأزهر الشريف، على موقف ودور الأزهر فى ثورة «30 يونيو»، مؤكدا أن موقف الدكتور أحمد الطيب والمشيخة بالكامل كان مؤيدا للشعب منحازا إليه أمام دعوات التفرقة والكراهية والتكفير.

شومان أكد أن الأزهر عانى كثيرًا من محاولات الإخوان إخضاعه ووضعه فى مكان غير مكانه، فتحمل الدكتور أحمد الطيب ابتزازا من الإخوان ومحاولات لإقصائه ووقف بقوة فى وجه الجماعة ومحاولات رجالها إجباره على تأييدهم وتعيين مسؤولين من الإخوان للسيطرة على المشيخة.

الكاتب الصحفى حلمى النمنم قال إن الأزهر لعب دورا كبيرا فى ثورة يونيو وموقفا إيجابيا تجاه عملية التكفير الممنهجة التى حاولت الجماعة تصويرها للناس بأن كل من يعارض مرسى كافر، مضيفا أن الموقف القوى لمؤسسة الأزهر نابع بالأساس من الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الذى كان صارما فى التعامل مع الإخوان الذين تربصوا به منذ قدومهم للسلطة.

النمنم قال إن دراسة الدكتور أحمد الطيب فى فرنسا وتصوفه بالإضافة إلى المنهج الأزهرى الذى استقاه، كل ذلك جعله دائما جادًّا فى التعامل مع الإخوان والجماعات الإسلامية بسبب تشددها الفكرى، وفشلت الجماعة فى اختراق المشيخة فى وجوده، إذ وقف أمام محاولاتهم لتعيين رجالهم والتجسس على المشيخة، بل ودُبِّرت له حادثة تسمم الطلاب الشهيرة، لكن كل ذلك جعله يصمد أكثر فى وجه الجماعة.

 

جلال مُرَّة.. «ممثل الصُّدفة»

كتب- صلاح لبن:

«تلقيت دعوة المشاركة فى اجتماع 3 يوليو بشكل شخصى ممثلا عن حزب النور، وكنت فى منزلى فى منطقة أبو حمص وقد أُبلغت بها الساعة الثانية عشرة إلا الربع من اللواء محمد العصار، وكان موعد الاجتماع الساعة الثانية ظهرا، كما أن المسافة بين البحيرة والقاهرة 4 ساعات تقريبا، وفى أثناء رحلتى إلى القاهرة فوجئت بأن الطريق الزراعى شبه متوقف والبلطجية يسيطرون عليه حيث نصبوا الأكمنة على الطريق ولم أتمكن من اجتيازها لأنه أمر يمثل خطورة على حياتى فى ظل غياب كامل للشرطة، وصلت إلى بركة السبع تقريبا ولم أستطع تجاوز هذه الكمائن فقررت العودة إلى البحيرة وتواصلت مع المهندس جلال مرة لأنه من السويس والطريق آمن وأقرب إلى القاهرة»، هذا كان اعتراف الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور، عن التفاصيل الكاملة قبل موعد اجتماع «3 يوليو»، التى تكشف أن المهندس جلال مُرَّة كان ممثل «النور» فى ذلك الاجتماع الذى يمثل نقطة تحول مهمة فى تاريخ مصر بالصدفة.

بالعودة إلى تاريخ جلسة الحوار الوطنى يتبين أن موقف الدعوة السلفية وحزب النور كان باهتًا وعندما قرر الانضمام إلى قائمة المؤيدين لثورة 30 يونيو كشف عدد من مشايخ الصف الأول بالدعوة السلفية أن مشاركة مُرَّة لم تكن اعترافا بخارطة الطريق وإنما لاعتبارها تقليلا للمفاسد.

مشايخ فى الدعوة السلفية قالوا إن مشاركة مُرَّة فى الجلسة ممثلا عن حزب النور جاء بعدما وجدت الدعوة السلفية توجها جديدا للدولة وخطا مرسوما، لكن الغريب أن المهندس جلال مُرَّة الأمين العام لحزب النور، طلب من السيسى خلال لقاء «3 يوليو» أن يذهب بوفد إلى الدكتور مرسى لمطالبته بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فرد عليه قائلا: «الموضوع انتهى ونحن فى مرحلة جديدة، والرئيس محتجز، وما يتم الآن أمر جديد».

مُرَّة خرج برسالة إلى أنصاره عقب الانتهاء من الجلسة، أشار فيها إلى أنه لم يكن يعلم ما سيتم من تفاصيل خلال جلسة «3 يوليو»، لكنه اعتبر أن دمه رخيص «لأن بعض الناس قد لا يفهم موقفنا ويتهمنا بالخيانة والعمالة وكل ما كنا نريده من هذه الجلسة هو تقليل الشر والحفاظ على الدستور خصوصا مواد الهوية».

 

البرادعى.. «خارج الكادر»

كتب- إسماعيل الوسيمى:

«نظام فاشل مستبد يقتل روح الثورة، أدعو كل مصرى للتوقيع على (تمرد) لنسترد ثورتنا.. قوتنا فى سلميتنا وعددنا ووحدتنا»، بتلك الكلمات وصف البرادعى نظام محمد مرسى وأعلن تأييده لشباب حركة «تمرد» وجموع الشعب المصرى فى انتخابات رئاسية مبارك، ومن على منصة «3 يوليو» قال منسق جبهة الإنقاذ «إلى شعب مصر العظيم خارطة الطريق تضمن تحقيق انتخابات رئاسية مبكرة وتعديل الدستور ومصالحة وطنية»، وفى نفس الشهر أعلن الرئيس عدلى منصور تولى المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية منصب نائب رئيس الجمهورية، ولكن كانت استقالته أسرع مع تصاعد الأحداث، وفى أغسطس وبعد فض اعتصام رابعة تقدم باستقالته، قائلًا «لقد أصبح من الصعب علىَّ أن أستمر فى حمل مسؤولية قرارات لا أتفق معها»، ليغادر البرادعى البلاد متجها إلى النمسا ليصمت كثيرًا تجاه كل ما يحدث فى مصر، ثم يتحدث عن مجريات الأحداث وعما سبق من كواليس، خلال كلماته فى بعض المحافل الدولية أو من خلال تصريحاته للصحافة العالمية.

ليعود المشهد مع الذكرى الثانية لـ«30 يونيو» إلى ما سبق «25 يناير» ويقول البرادعى «فى ظل مناخ العنف لا يوجد أى دور لشخص مثلى، وقررت بنفسى حينئذ أنه من الأفضل مغادرة مصر ولذلك عدت إلى فيينا مرة أخرى»، وأصبحت أخبار الدكتور البرادعى تقتصر على ما يسجله عبر موقع التواصل الاجتماعى «تويتر». وفى ديسمبر 2013 جاءت تغريدة للبرادعى يتحدث خلالها عن مجريات الأحداث فى مصر قال خلالها «نبذ العنف؛ العدالة الانتقالية (الحقيقة، المحاسبة، المصالحة)؛ التوافق الوطنى على قيم إنسانية مشتركة وديمقراطية حقة. غير ذلك حرث فى البحر».

ومع تصاعد وتيرة العنف والإرهاب فى البلاد لا يزال الكثير يردد حتى الآن ما جاء فى نص استقالة البرادعى «العنف لا يولِّد إلا العنف»، ومع توجيه اللوم من الكثير إلى مؤسس حزب «الدستور» على صمته تجاه ما يحدث من إرهاب واستشهاد رجال الشرطة والجيش قال البرادعى «مرة أخرى لمن لا يريد أن يفهم أدين بكل قوة العنف بكل أشكاله وصوره ضد كل إنسان أيًّا كانت عقيدته أو انتماؤه».

وتمر الذكرى الثانية لـ«30 يونيو» ويظل البرادعى خارج إلى البلاد، مفضلًا استمرار وجوده فى فيينا واقتصار عمله على إلقاء بعض المحاضرات فى الجامعات أو مشاركته فى المحافل الدولية التى تتحدث عن الديمقراطية وإجراء بعض اللقاءات مع الصحافة الأجنبية، ومن هذه المحافل وتلك التصريحات، يحكى البرادعى عن كواليس «30 يونيو» وما أعقبها من أحدث، فضلا عن أنه يتحدث عن رؤيته لمجريات الأمور فى البلاد.

وبعد كل ما سبق يظل البرادعى يحافظ على الكثير من تأييد أجيال الشباب، وينتظر الكثير من الرموز السياسية عودته إلى مصر مرة أخرى.

 

 

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى