البنت اللي علمت إبليس العفة

 

61

 

الجمعيات الأهلية عالم مصغر للواقع الذي نعيش فيه بكل ايجابياته ومشاكله! عبر هذه الحكايات نكتشف عالم الجمعيات الأهلية، ولماذا تنجح جمعية ولا تنجح العشرات غيرها.”

 

وقفت في حصة التوعية بقاعة أحد مراكز تنمية الفتيات، التابع لإحدى الجمعيات التنموية بالقاهرة؛ لتثقيف البنات الأميات اللواتي التحقن ببرنامج الأشغال اليدوية، متضمنا لقاءات التوعية الثقافية لرفع الوعي، وتعديل السلوك، واكتساب مهارة تعلمهن الالتزام، وتساعدهن في زيادة دخولهن البائسة!

وطبقا لبرنامجها التثقيفي كناشطة حقوقية تعمل بالجمعية، فقد خصصت هذا اللقاء لمناقشة ظاهرة التحرش الجنسي ووسائل تمكين البنات من الدفاع عن أنفسهن في حالة التعرض لتلك الظاهرة المنتشرة في المناطق العشوائية، حيث تتخذ أشكالا أخرى كالتلاعب بقلوب البنات وإقامة علاقات جنسية معهن تحت ضغوظ الحب وتأجج العاطفة المتيقظة!

لمعت عيون البنات وهن يستقبلن اسم المحاضرة، وغاصت نظراتهن في عالم بعيد يمكن استنتاجه وتخيله، وكل منهن تحاول كسرخجلها وهي تشرح كيف تعرضت للتحرش، وماذا كان رد فعلها؟ وشيئا فشيئا تجرأن وانطلقن للحديث حول جرائم الاغتصاب التي تمتلئ رؤوسهن الصغيرة بالعديد من قصصها لبنات وجدن مقتولات عاريات تحت الكوبري، وبنات تم قتلهن على أيدي الأقارب حينما اكتشفوا حملهن، وبنات هربن مع بعض الشباب.. فكسرن رؤوس أهاليهن، وإلى هنا سمعت الناشطة صوتا غريبا يخرج من آخر القاعة، وقبلما يتحول تعجبها لاستنكار، بادرت البنات قائلة: دي “صفاء .. الفيل”!

أعوذ بالله، قالتها الناشطة هامسة، حينما رأت “صفاء” التي تمتلك مظهرا يذكرالناظر إليها -بالفعل-بعيني الفيل وجلده! وقد أجبرتها زميلاتها بسخرية واستهزاء على التقدم للأمام لتروي حكايتها، بينما استطاعت الناشطة التماسك عن القئ أمام الرائحة الكريهة التي حلت مع الفتاة !

بدأت “صفاء” تحكي قصتها، منذ تزوج أبوها بأمها رغما عنه، استسلاما لِدّينٍ قديم كان قد وَقع عليه لوالد الفتاة التي أحبها، لكنه أذله، وزوجه أختها القبيحة جدا، والتي هي أم “صفاء”! فأنجب منها سبعة ذكور، وهي الأنثى الوحيدة – وقد ضجت القاعة بالضحك عندما ذكرت الفتاة هذه المعلومة، كما ضحكت هي أيضا، حيث تكمن مصيبتها في كونها طبق الأصل شبه أمها- ! واستطردت في وصفها لِكم الإذلال والضرب والإهانة على يد أبيها، رغم رحمته وحنانه في معاملة أشقائها الذكور! وكيف حرمها من التعليم والطعام والملبس والراحة والنوم، وأنه كان يأمرها بالخروج للعمل في سن مبكرة بحجة احتياجه للمال بعدما تزوج على أمها وأنجب خمسة أطفال آخرين! وكيف كان يصرعلى طردها ويشجعها عها على جلب المال بأي وسيلة، خاصة حينما تعود إليه بلا شئ، حيث لا يريد أحد الاقتراب منها! فيضربها أكثر قائلا: غوري جتك داهية وانتي تعلمي ابليس العفة !

لكنها أخيرا تعَرفَتْ على امرأة في السوق، وطلبت منها تشغيلها خادمة، رحمة بها من الشارع، فوافقت المرأة مُكرهة بعدما انحنت “صفاء” لتقبيل قدميها!

ثم فوجئت المرأة بحَملها من أحد أبنائها، فتبلدت مشاعرالفتاة مع كم الكي بالنار والضرب بالكرباج، والحرق في كل مكان بجسمها، حتى تم إجهاضها وطردها إلى الشارع! إلى أن شاءت إرادة الله وقابلت مديرة هذا المركز التي أخذتها للعمل والمبيت بالمكان، حتى إشعار آخر !

غادرت الناشطة القاعة وهي تراجع الرسالة التي حاولت بثها في قلوب البنات من خلال مناقشة حكاية “صفاء”، ومن المسئول عما وصلت إليه؟ وماذا لوكُن في مكانها؟ وماهو دورهن في مساعدتها؟ فالتنمية ليست حمداعلى مصيبة لم يختبرني الله بها، بل هي الشكرله أنه أعطاني القدرة على المساهمة في حلها! فماذا يجب علينا أن نعمل ؟!

ابتسام كامل

 

 

مبتدا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى