فى ذكرى يوم الأرض..لا للوطن البديل

(مصر التى فى خاطرى وفى فمى أحبها من كلّ روحى ودمى)
ليست هذه الكلمات ترديدا لبيت من شعر، ولكنها تغريدة نفس عشقت مصر.. عشقتها وهى تقلب صفحات تاريخ مجيد، وحضارة عظيمة، وتقف فى وقار أمام أزهرها العامر بالعلم والعلماء، وتتوشح بدماء الآلاف من شهدائها الأبرار الذين كتبوا تاريخ الأمة بدمهم الطاهر، وحققوا مقولة أنهم خير أجناد الأرض. كيف لا؟، وهم الذين حرروا فلسطين بقيادة صلاح الدين وردوا هجمة التتار بقيادة بيرس وقطز فى عين جالوت، وكانوا على مدى التاريخ المخزون الاستراتيجى للأمة وفلسطين، عبروا القناة وهم يصرخون الله أكبر، فمسحوا بها هزيمة الأمة عام 1967، وحققوا مقولة الرئيس الراحل عبدالناصر: «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة».
فكيف بعد ذلك يتقول علينا فى حب مصر والعرفان بجميلها المتقولون، إن ما يربطنا بمصر أكبر من رابطة الجوار، وأكبر من المصالح المادية بين الشعوب، إنها رابطة الإخوة والدين والتاريخ المجيد، ورابطة الغيرة على أمنها وشعبها والحرص على ألا تؤتى مصر من أعدائها أو المتربصين بها وبثورتها.
واكتب لكم اليوم يا شعب مصر الحبيب فى ذكرى يوم الأرض الخالد اليوم الذى سجل انتفاضة شعبنا فى الأراضى المحتلة عام 48 دفاعا عن أرضعهم سنة 1976 متحدين الاحتلال بصدورهم العارية مما أوقع العديد من الشهداء والجرحى.
لقد شكلت الأرض ومازالت مركز الصراع وجوهر القضية، وأرض فلسطين دون أى أرض ليست للفلسطينيين وحدهم بل هى وقف لكل العرب والمسلمين.
ولأن هذا اليوم الذى يرمز للثبات على المبدأ والتشبث بالأرض مهما كانت الدماء والتضحيات المبذولة، فقد كتبت هذه الكلمات إلى شعب مصر العظيم مستحضرا أرواح شهدائها الذين ضحوا إلى جانب إخوانهم من أهل فلسطين فى سبيل تحرير فلسطين فى كل الحروب على جبال وتلال القدس وصور باهر والفالوجة وغزة وغيرها، وأهل فلسطين لم يسقطوا شهداء دفاعا عن الأرض فقط، بل رفضا للبديل أيضا، ولو كان هذا البديل أغنى وأجمل أرض فى العالم، هذه القيمة هى التى دفعتنا إلى رفض التوطين، ومقاومته بكل شراسة، رفضناه فى الأردن وفى سيناء وفى لبنان وفى كل مكان، وفضلنا عليه اللجوء مع مرارته فى انتظار العودة، صدأت المفاتيح ولم تصدأ الهوية، وتعبت السنون ولم تتعب الروح ومات الأجداد ولم يمت الحلم، ونحن على العهد ماضون، أفيأتى بعد ذلك كله من يتهم شعبنا بتهمة التفكير فى اتخاذ سيناء وطنا بديلا؟ وقد شهدت الدنيا لنا عام أربعة وخمسين كيف أحبطنا مشروع التوطين، وشهدوا علينا أننا أثناء حرب الفرقان والسجيل بدلا من الفرار من وجه الموت كان الفلسطينيون إلى الموت يعودون، بل إلى الحياة يعودون! ويتذكر ذلك إخواننا المصريون، ويشهدون كيف دفعنا ثمنا باهظا، من أشلاء أطفالنا الذين مزقت أجسادهم الطرية قنابل الفسفور على الهواء مباشرة، وهم فى أرضهم صامدون، ورأى العالم كله الرجال والنساء والشيوخ يذبحون ولا يتراجعون، وهدّمت المساجد على رؤوس المصلين الموحدين ولم ترهم يتراجعون، ودمرت المدارس والمصانع والمشافى والجامعات، والمخابز والطرقات ونحن صامدون، ندافع عن المقدسات وعن الأسرى وعن كرامة العرب والمسلمين، بسلاح الإيمان وبعض من سلاح صنعنا بعضه بأيدينا.
●●●
لا أحد من أبناء مصر أو فلسطين يستفيد من تشويه الرجال الذين يهتفون ليل نهار بحب مصر ويدافعون عن أمن مصر، أو تشويه المقاومة التى تدافع عن كرامة الأمة.
إننا على قناعة تامة بأن مصر كانت وستظل قلعة عصية على الاختراق والتطبيع، وستظل حاضنة للقضية الفلسطينية والمقاومة.
إن الارتباك فى المشهد المصرى وفى علاقته بفلسطين يثلج صدر العدو فقط، وبدا ذلك واضحا فى وسائل إعلامه، وفى تصريحات مسئولية، الذين رأوا أن مصر فى طريقها إلى الانهيار بسبب وقوف مصر وقادتها إلى جانب فلسطين وغزة والمقاومة.
إن استراتيجية العدو هى إشعال الفتنة فى مصر وبين مصر وفلسطين بهدف ضرب الثورة وضرب القضية، فيما يعرف بنظرية الفوضى الخلاّقة التى ابتدعها كونداليزا رايس، فهل ينجحون؟
لا أعتقد أنهم سينجحون، وسرعان ما تعود الروح إلى مصر الحبيبة إلى روحها الأصيلة، وتنحاز إلى أمتها ليعود لها الأمن والخير، ولتعود لشعبها المحبة والتعاضد، ولدورها المحتضن لقضية فلسطين.
إننى أؤكد هنا وفى ذكرى يوم الأرض يوم شهداء فلسطين ومصر والأمة العربية على:
إن الشعب الفلسطينى وقواه المجاهدة وفى مقدمتها حركة حماس تؤكد على أهمية العلاقات التاريخية مع جمهورية مصر العربية، ونشيد بالدعم المصرى للشعب الفلسطينى وقضيته خلال العقود والسنوات الماضية ونعتز بالتضحيات العظيمة التى قدمها الشعب المصرى من أجل القضية الفلسطينية فى إطار قيام مصر بدورها القومى، ونؤكد مركزية الدور الذى تلعبه مصر لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية ونتمسك باستمرار دورها فى هذا المجال حتى إنجاز الوحدة وإنهاء الانقسام.
كما أننا لا نتدخل فى الشأن الداخلى لمصر، ولسنا طرفا فى أى خلاف سياسى داخل الساحة المصرية، وعلى الرغم من أننا ننتمى لمدرسة الحركة الإسلامية غير أننا نقف على مسافة واحدة من كل القوى السياسية فى مصر، ونرى فيها ذخرا وسندا لفلسطين وشعبها، وكل من يحاول التدخل فى شئون مصر أو يضمر لها سوء أو شرا منبوذ من شعبنا وحكومتنا.
وأنه لا مساس بالسيادة الوطنية المصرية لا فى سيناء ولا فى غيرها ولا نسمح لأحد الاعتداء على هذه السيادة، إذ رفضنا ونرفض التوطين داخل سيناء أو غيرها (فكرة وتطبيقا)، فلسطين وطن الفلسطينيين، كما مصر وسيناء وطن المصريين، ولا أساس لكل ما يتم الترويج له على هذا الصعيد.
وإننا نعتز ونقدِّر لجيش مصر العظيم ــ خير أجناد الأرض كما قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ــ دوره الوطنى والقومى وكفاحه الطويل على جبهة الصراع مع العدو الصهيونى، باعتباره أكبر وأهم الجيوش العربية ودوره المهم فى حفظ التوازن الاستراتيجى مع الاحتلال الإسرائيلى، ونؤكد أن شهداء الجيش المصرى فى رفح هم شهداء فلسطين، وعلى صدورهم أوسمة القدس وبوارق النصر بإذن الله تعالى، وجاهزون للتعاون الكامل لكشف المتورطين بهذه الجريمة النكراء التى هزت كل بيت فلسطينى كما هو كل بيت مصرى.
إن الأمن القومى المصرى وعاء استراتيجى لأمن فلسطين والمنطقة العربية، وغير مسموح لأى فلسطينى العبث بأمن مصر والحكومة تبذل قصارى جهدها لحماية الأمن المشترك، وأمن الحدود ولا تسمح لأى كان أن يجعل غزة منطلقا للإضرار بأمن مصر وسيناء على وجه الخصوص، وبهذه المناسبة أود التوضيح أن الأنفاق الحدودية فى رفح حالة اضطرارية لجأنا إليها بسبب الحصار الدولى المفروض علينا، ليصل إلى الناس قوت يومهم وسبب صمودهم الدولى، ولا نمانع من إغلاقها فى حال توفر البديل الطبيعى من فوق الأرض.
وأؤكد أن مصر لن ترى من غزة إلاَّ كل الخير والعزة والصمود والدفاع عن فلسطين وعن حدود مصر الشرقية، وأشير هنا إلى أن مطالبتنا للأشقاء فى مصر برفع الحصار عن غزة وتحويل معبر رفح إلى معبر للأفراد والبضائع وتزويدنا بالكهرباء والوقود كل ذلك محكوم بالثابت السياسى لدينا، وهو أن غزة جزء من الأرض الفلسطينية ولا نقبل أن تلقى غزة فى وجه مصر ونحن لا نعفى الاحتلال من مسئولياته وإنما مطالبتنا الإنسانية وإنهاء الحصار الظالم على غزة نابعة من نظرة الأخ إلى أخيه الذى يقف إلى جانبه وقت الشدة والعسرة.
●●●
وختاما فإننا نتمنى من وسائل الإعلام المصرى توخى الدقة والمهنية عند تناول الموضوع الفلسطينى بشكل عام وموضوع غزة بشكل خاص، والانتباه من محاولات خلط الأوراق وتعويم المغالطات التى قد تؤدى إلى تأجيج الرأى العام المصرى تجاه إخوانهم فى فلسطين، مدركين أن دعم الشعب المصرى للقضية الفلسطينية، هو عنصر أساسى وركن متين من أركان الصمود والاستمرار فى النضال الوطنى لإنجاز مشروع التحرير والعودة والاستقلال.
حفظ الله مصر وأبقاها سندا وذخرا على الدوام.
رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة
الشروق