مع مرسى.. دولة القانون فى خبر كان

1358965632

«الدستورية» حلّت مجلس الشعب واستثنت القوانين التى صدرت قبل الحل.. وليست مشروعات القوانين كمشروع معايير التأسيسية

من الأمور العجيبة والمدهشة، أن الشعب المصرى يغلى، والرئيس وجماعة الإخوان فى واد آخر، وكأنهم مأخوذون بالسلطة، منتشون بالسطوة، غشيت أبصارهم القوة.. إما هذا، وإما أنهم يكابرون ويتكبرون، ويتعالون ويتغطرسون، وينظرون إلى الشعب كله من برج زجاجى هش، هم وحدهم لا يدركون أن مطرقة صغيرة، من مطارق الحرية، يمكن أن تهدم ذلك البرج كله على رؤوسهم ورؤوس أتباعهم.. الاحتمال الثالث هو أنهم يدركون، ولكنهم يحاولون مداراة خوفهم وفزعهم بقناع من الثقة الزائفة واللا مبالاة المزيفة.. وهم يدركون أن كيانهم أهش من أن يقاوم أو يتصدى لشعب كامل، وهم بطبعهم لا يحبون المجازفة والمخاطرة، ولهذا يستعينون دوما بمن يقاتل بالنيابة عنهم، وعن شبابهم ورجالهم، مثل متحمسى التيارات الإسلامية الأخرى، الذين يخلطون بين قداسة الدين وقداسة مَن يتحدث عن الدين، والذين يتصورون أن نصرتهم وبقاءهم مرتبطان بشخص مرسى، الذى هو مجرد بشر، تمتلئ القبور بمليارات مثله، بينهم مئات، تصوروا فى حياتهم أنهم رسل فى الأرض، وأن الحياة لن تسير بدونهم، ثم ماتوا، واندثروا، واستمرت الحياة من دونهم.. أو يعتمدون على قوات من المرتزقة، من حماس وحزب الله، وكأن البلد بلا شعب أو جيش أو إرادة.. ناسين أن كل ما يمكن أن يفعله هذا، هو أن تنهار القضية الفلسطينية كلها فى قلوب المصريين، ويتخذون من غزة وحماس عدوا لدودا، بدلا من الود الذى كان يدفع الشباب إلى التظاهر بالآلاف، من أجل حقوق غزة وفلسطين، أو سيدمر آخر خيط، يمكن أن يعيد الروابط بين إيران ومصر، لو تدخل مقاتل واحد من حزب الله.. فمصر ليست كأى دولة عربية أخرى.. إنها أكبر دولة عربية، وفيها شعب عظيم، ذاق طعم الإرادة والحرية، وبنى أحلاما كالجبال، قبل أن يأتى نظام مستبد لينتزع منه أحلامه، دون أن يمس إرادته.. وشعب انتُزعت أحلامه، بعد ظلم طويل، لن يتردد فى التضحية بحياته نفسها، حتى لا يذوق الظلم والطغيان والاستبداد مرة أخرى.. والحديث متواصل.

مع مرسى.. دولة القانون فى خبر كان

«الدستورية» حلّت مجلس الشعب واستثنت القوانين التى صدرت قبل الحل.. وليست مشروعات القوانين كمشروع معايير التأسيسية

كان من أسباب بطلان الجمعية التأسيسية الثانية التى اتصلت دعاوى بطلانها بمجلس الدولة، فضلًا عن المحكمة الدستورية العليا، أن تشكيلها الذى أجراه مجلس الشعب (قبل ذهابه) ومجلس الشورى «فاقد الأساس» حالة كون المجلسين قد اختارا الجمعية التأسيسية «قبل صدور» قانون ضوابط ومعايير تشكيلها، وصدر حكم «الدستورية العليا» فى 14/ 6/ 2012 ولا يزال المشروع الذى تضمن الضوابط والمعايير مشروعًا، لم يرد عليه موافقة وإصدار المشير رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة القائم مؤقتًا طبقًا لإعلان 30 مارس باختصاص رئيس الجمهورية فى إصدار القوانين.

وبصدور حكم الدستورية العليا فى 14/ 6/ 2012 القاضى باعتبار مجلس الشعب غير قائم، لم يعد من الممكن إصدار قانون بهذا المشروع، لحل المجلس وانقضاء سلطته فى التشريع، أما استثناء حكم «الدستورية» للقوانين التى صدرت قبل الحل وبقاؤها سارية ما لم يكن قد علق بها عيب يفقدها المشروعية أو الدستورية هذا الاستثناء الذى قرره الحكم مقصور على القوانين التى صدرت بالفعل قبل الحكم، أما المشروعات التى لم تصدر بها قوانين فلا يشملها الاستثناء، ولا يمكن بعث الحياة فيها بأى شكل بعد انقضاء سلطة مجلس الشعب التشريعية بصدور الحكم الذى قضى باعتباره غير قائم وباطل من تاريخ تشكيله بالقانون المقضى بعدم دستوريته!

ومع أن هذه الحقيقة القانونية يعرفها أبسط رجال القانون فهمًا، ومنصوص عليها صراحة فى مدونات حكم «لدستورية العليا» 14/ 6/ 2012، وهو ما كان قد سبق النص عليه بالحرف فى حكم «الدستورية العليا» 19 مايو 1990، فإن أحدًا لم يفصح الرئيس عنه، أشار إليه بأن يصدر فى 11 يوليو 2012 قانونا مبنيًّا على هذا المشروع الذى انقضى بحل مجلس الشعب وانقضاء سلطته التشريعية، وهى مشورة عجيبة جهولة حمقاء، لأن المشروع قد ذهب أدراج الرياح، ولا يعطيه الحياة «الاستثناء» الوارد بحكم «الدستورية» لأنه مقصور على ما صدر فعلًا من قوانين، ولا يمتد إلى المشاريع.

ورغم هذا طالعتنا الجريدة الرسمية فى العدد الـ28 (تابع) الصادر فى 12 يوليو 2012، بقانون برقم 79 لسنة 2012 أصدره رئيس الجمهورية باطلًا بلا سند بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد.

ومن السطور الثلاثة الأولى تفجرت فضيحة البطلان القانونية، فيقول القانون الباطل المعدوم:

«باسم الشعب

رئيس الجمهورية

قرر مجلس الشعب القانون الآتى نصه وقد أصدرناه:».

ومجلس الشعب الذى يتساند إليه ما أصدره الرئيس فى 11 يوليو، منقضٍ وغير قائم وكذلك المشروع الذى كان قد أعده ولم يصدر حتى صدور حكم حله فى 14 يونيو 2012، ولا يرد فى أى عرف أو قانون، أن يُجْرِى رئيس الجمهورية فى 11 يوليو إصدارًا لمشروع قانون لمجلس الشعب انقضى مع انقضائه وحله منذ 14 يونيو 2012!

ولو كلَّف من أعدّوا للرئيس مسودة هذا القانون، خواطرهم الشريفة، بالتمعن فى صياغة المشروع الذى دفعوا به للرئيس لإصداره، لتبينوا أن مواده تتحدث فى ما تسنه عن «أفعال ماضية» انصرمت وانقضت، ولم يعد مقبولًا فى أى عقل أو منطق أن يُسَنّ قانون يورد معايير وضوابط يوجب التزامها فى انتخاب جمعية انتخبت بالفعل من قبل 14/ 6/ 2012، ومن باب الهزل لا الجد أن يصدر ذلك فى 11يوليو ويُنشر فى 12 يوليو 2012 والجمعية التأسيسية منتخبة بالفعل من قبل ذلك بشهر، وتمارس من زمن أعمالها الباطلة على مرأى ومسمع مصر والمصريين!

فالمادة الأولى من القانون الباطل 79/ 2012 تقول: «ينتخِب الأعضاء غير المعينين فى مجلسى الشعب والشورى جمعية تأسيسية من مئة عضو» لإعداد مشروع دستور للبلاد، «كما ينتخِبون خمسين عضوًا احتياطيًّا».

بينما هذا الانتخاب قد تم فعلًا منذ شهر قبل إصدار هذا القانون الذى لا معنى له!

والمادة الثالثة من القانون الباطل 79/ 2012 تنص على أن «يراعى فى تشكيل الجمعية قدر الإمكان تمثيل كل أطياف المجتمع». فكيف يُراعى فى يوم الإصدار والنشر (12/7) تمثيل أطياف انقضى زمن مراعاة تمثيلهم باختيار أعضاء الجمعية فعلًا وبقوة واقتدار!! من شهر سابق، وكيف يراعى اليوم ما لم يراعَ فى الماضى الذى انقضى وفات من شهر قبل إصدار هذه الدعوة الكريمة اللاحقة (؟!!).

وتقول المادة الرابعة للقانون الباطل 79/ 2012 «فى حالة تعذر إجراء الانتخاب فى الاجتماع المشترك الأول يدعو رئيس الاجتماع لاجتماع أو أكثر لإتمام عملية الانتخاب».

ولا يسع القارى لهذه المادة إلا أن يضحك بل يقهقه ملء شدقيه من هذا العبث، وهو بالفعل عبث، فلا يوجد فى 11 و12 يوليو مجلس شعب ليجتمع أو لا يجتمع مع مجلس الشورى، والإجراء الذى تتحدث عنه المادة «فات وانقضى والمطلوب خلاص مضى» ، ولم يعد لهذا العبث جدوى إلاّ «حَسَنة» أنه جَسَّد المخالفة الجسيمة التى تمت بإقدام المجلسين على انتخاب الجمعية التأسيسية والقائمة الاحتياطية من شهر مضى بلا أساس ودون صدور قانون ضوابط ومعايير تشكيلها!

ولم تعرف مصر فى كل العهود سابقة لهذا العبث الجهول والانحراف الجسيم بالتشريع!

ولم تكن هذه هى سابقة البطلان الوحيدة لمحاولة إنقاذ الجمعية التأسيسية مما أصاب تشكيلها وأعمالها من بطلان، فسوف نرى أن البطلان صار قاسمًا مشتركًا فى ما يصدر عن «الإدارة» المتحكمة فى مصر، وأنها صارت تمضى من بطلان إلى بطلان حتى انهارت الدولة القانونية، وصارت فى خبر كان!!!

 

التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى